الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مطالب تركية ثقيلة على الأسد مقابل التطبيع.. هل يستطيع تحقيقها؟

 

جددت تركيا تأكيدها على وجود مطالب محددة من سلطة الأسد، قبل تطبيع العلاقات معها، بما في ذلك تحقيق تقدّم حقيقي في جهود الحل السياسي، مع رفض سحب القوات التركية من الشمال السوري، قبل تأمين الأرضية المناسبة.

وقال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، لوكالة الأنباء رويترز، في رد مكتوب على أسئلة وجهتها له، مساء أمس الأحد، إن الاجتماع مع مسؤولي سلطة الأسد ربما يكون قريباً، ولكن “إذا توفرت الظروف المناسبة.”

رؤية واضحة:

في إجابته على سؤال حول اشتراط السلطة سحب القوات التركية من شمال غرب سوريا، قال غولر إنه لا يمكن لقوات بلاده الانسحاب من سوريا إلا بعد تلبية عدة شروط.

وأوضح أن ما تطلبه أنقرة هو قبول الدستور الجديد وإجراء الانتخابات وتأمين الحدود قبل أي انسحاب، مشيراً إلى أن “الخطوات المشتركة المتخذة مع العراق في مكافحة الإرهاب تمثل نقطة تحول”.

وأضاف: “إذا تم استيفاء الظروف المناسبة، فيمكن لتركيا وسوريا أن تجتمعا معًا على المستوى الوزاري في نطاق الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات”.

وحول ما إذا كان ذلك يمثل تراجعاً نسبياً في اتجاه تركيا نحو التطبيع مع الأسد، قال وائل علوان الباحث ومدير وحدة المعلومات في مركز جسور للدراسات، لحلب اليوم، إن تصريح وزير الدفاع التركي اليوم “ينسجم مع الموقف التركي الذي لم يتغير”.

من جانبه رأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، أن تلك التصريحات “ليست تراجعًا على الإطلاق اذ لا يمكن أن تلج تركيا في حالة تطبيع طويلة الأمد مع سلطة الأسد دون إنجاز مصالحها أولاً، وهي تتجلى في أمور عدة منها إبعاد قسد عن الحدود التركية، وفتح خط الترانزيت التجاري، وعودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى وطنهم”.

وفي الشهر الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يمكن أن يدعو بشار الأسد لتطبيع العلاقات المقطوعة منذ عام 2011، لكن الأخير أكد أنه ليس حريصاً على عقد مثل هذا اللقاء إلا إذا تم حل بعض الملفات الأساسية.

وقال إنه يجب “وقف دعم المنظمات الإرهابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا”، و”حل القضايا التي تسببت بقطع العلاقات مع تركيا”.

ويمثل تصريح غولر أمس، رداً رسمياً على تلك المطالب، التي تبدو صعبة على سلطة الأسد، كما أنها لطالما تهربت منها طيلة السنوات الماضية.

ولكن “من البديهي أنه لا يمكن أن تتحقق مصالح تركيا دون ولوج السلطة في العملية السياسية وما يدور حولها وفي فلكها”، وفقًا للكاتب السوري أحمد مظهر سعدو.

ويؤكد علوان على وضوح الرؤية لدى أنقرة، فهي تريد أن تعالج ملف التهديد المباشر لأمنها وتحرض سلطة الأسد على تغيير موقفها الذي كان في السنوات السابقة داعماً لهذه المنظمات بشكل مباشر وغير مباشر.

وتتمثل تلك الرؤية في أن دخول القوات التركية إلى سوريا كان بموجب حماية أمنها القومي المتمثل في مكافحة وتفكيك المجموعات الانفصالية التي تهدد أمنها بشكل مباشر عبر الأراضي السورية.

وأضاف: “عبر السنوات السابقة كانت تركيا تدرك أن هذه المجموعات عبارة عن استثمار خارجي لعدة أطراف، إضافة إلى موقفها المعادي لتركيا، وهذا الاستثمار الخارجي كان بشكل مباشر من الولايات المتحدة الامريكية”.

كما أن هناك أطرافاً أخرى تستثمر في وجود قسد بشكل غير مباشر من خلال الدعم الإيراني فضلاً عن دعم سلطة الأسد لهذه المجموعات منذ أن انسحبت قواتها من مناطق شمال شرق سوريا وسلمتها إلى المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب.

عقد اجتماعي جديد”.. هل يُناسب ذلك الأسد؟

يرى علوان أن ما تطلبه تركيا اليوم، هو بمثابة صياغة عقد اجتماعي جديد في سوريا، أي على السلطة أن تنخرط في تغييرات سياسية وفي انتقال سياسي يبدأ بدستور جديد وبإجراءات ثقة حقيقية تضمن للسوريين الأمان والاستقرار الذي يشجعهم على العودة الطوعية إلى سوريا.

وأوضح أن بداية العقد الاجتماعي الجديد هي المشاركة الجادة في موضوع اللجنة الدستورية والانتهاء بإجراء انتخابات حقيقية شفافة مع البيئة الآمنة التي تضمن إجراء هذا الاستحقاق السياسي واطمئنان السوريين وعودتهم بشكل طوعي وبرغبتهم إلى جميع المناطق السورية أي أن يعود كل لاجئ في دول الجوار إلى مدينته وإلى بيته بشكل آمن وبشكل مستقر.

ولكن أحمد مظهر سعدو يرى أن اشتراط تركيا تعديل الدستور أو إنجاز دستور جديد لسورية هو بمثابة حالة تماهي مع المطلب الروسي، وذلك “إذا علمنا أن من دعا إلى تشكيل اللجنة الدستورية بالأساس كانت روسيا ومؤتمر سوتشي/ سيء الصيت، ثم قبلت به الأمم المتحدة وبقية الأطراف، وأدى إلى ما أدى إليه من إعاقات وتعثرات فاقت ثماني جلسات للجنة الدستورية دون تحقيق أي شيء”.

وبالتالي- يضيف الكاتب السوري- فإن الدستور الجديد حسب موسكو لا يزيل بشار الأسد بل يبقيه، ويدفع به إلى الاستمرار وإعادة إنتاجه من جديد وتعويمه أيضًا.

كما أنه لا يعتقد أن الجهود الروسية لفتح مسار التطبيع بين الأسد وتركيا قد فشل “بل إن روسيا ما برحت تصر على المتابعة فيه وفق مصالحها، وبقاء السلطة يعني بقاء مصالحها.. مع العلم بأن إيران مازالت تقوم بإعاقة التطبيع بين السلطة وتركيا ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وقد شهدنا مؤخرًا ظهور الخلافات الروسية- الإيرانية حول مستقبل الوضع في سورية وخاصة مواضيع التطبيع معه، إن لم يتم ضمان المصالح الإيرانية ضمن هذه الملفات، حيث مازالت إمكانية عقد لقاء على مستوى عال بين تركيا وسلطة الأسد قائمة، ولعلها أضحت قاب قوسين أو أدنى من التحقق”.

ويلفت مدير وحدة المعلومات بمركز جسور، إلى أن تركيا ترحب بجهود السلطة “اذا كانت صادقة وجادة في مكافحة الارهاب”، فهي “تدعوه وتضع الكرة في ملعبه لاتخاذ موقف بالفعل معادٍ للإرهاب وتساهم في تفكيك المجموعات الارهابية”.

وفي نفس الوقت هناك تحد آخر مطلوب أيضاً من سلطة الأسد وهو “عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، وليس إلى شمال غرب سوريا، وإنما إلى كل سوريا وقد أبلغت تركيا بهذا الموقف الجانب الروسي.”

المصدر: موقع حلب اليوم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.