الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

استراتيجيات لمواجهة الواقع المرير

علي محمد فخرو *

هذا التّتالي المتعاظم الخطر للأحداث المفاجئة في المنطقة العربية، يستدعي أكثر من التفرّج الحذر، وتركه في يد الأغراب. ففي كل يوم مفاجأة، وفي كل يوم مغامرة خطرة خارج إرادة هذه الأمة، ورغماً عن حقوقها وأمانيها وسلام مجتمعاتها. وقد أصبحت هذه الصورة كارثية بحيث تستدعي طرح السؤال التالي على أنفسنا، سلطات وشعوب: هل يرى الإنسان محاولات، مجرّد محاولات، من قبل مختلف الجهات المعنيّة لفهم ما يجري ولمواجهته بصورة تعاونية تضامنية، إن على المستوى العربي أو على المستوى الإسلامي؟ هل طلب أحد من وزراء الخارجية، بالتعاون مع جهات الفكر والتجارب السياسية، أن يدرسوا أوضاعنا السياسية الجديدة ويضعوا لذلك استراتيجية تعاونية تضامنية للمدى القريب والبعيد؟ هل طلب أحد من وزراء الإعلام ليفعلوا المهمة نفسها بالنسبة لأهوال الثقافة والإعلام؟ وكذا الأمر بالنسبة لوزراء الاقتصاد والأمن؟

نحن هنا نشير إلى استراتيجيات فكر وفهم واستراتيجيات مواجهة وفعل. وهو نشاط بدأت تقوم به مختلف التجمعات في العالم بالنسبة لقضاياها، بل بالنسبة لقضايا العالم التي تهمها، وتؤثر على مستقبلها. ونحن نذكّر هنا بأن أمة العرب وأمة الإسلام ودول عدم الانحياز فعلوا الأمر نفسه في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما بدأوا بطرح فكر جديد وأفعال نضالية جديدة خارج هيمنة المركزية الاستعمارية الغربية آنذاك، وقد قاد ذلك قادة ملتزمون عظام. فلماذا لا نرى أية محاولة، مجرد محاولة، للتعلم مما جرى وأخذ العبر مما جرى، والاستفادة مما تولد من إمكانيات مهدورة في ساحتي أمة العرب وإخوة الإسلام؟

ليست هذه أسئلة نظرية للإحراج، بل أصبحت وجودية تطرحها بقوة نيابة عن الشعوب عيون أطفال غزة الباكية الهلعة، وأصوات استغاثة أمهاتهم وأهليهم، ويطرحها شباب وشابات هذه الأمة، الذين يشعرون بالتّيه ولا يصدقون أن المذلة هي قدر يحكم حاضر شعوب العرب والمسلمين، وقد يحكم مستقبلهم إن ظل هذا السكوت الذليل، وظل هذا التمزق والتباعد المحيّر، وظلت الإرادات مكبّلة بهذه الصورة المأساوية. ويخطئ من يعتقد أن ملايين العرب والمسلمين ليسوا على استعداد لبذل الجهد وتقديم التضحيات ومواجهة الشهادة، إذا وجد المشروع وتوفّرت القيادة النضالية الشجاعة المحاربة. يشهد على ذلك تاريخ موت الملايين منهم في سبيل عقائدهم واستقلال أوطانهم ومعاونة إخوتهم في العروبة وفي كل مشترك.

ستكون كارثة لو أن بديهية تجديد وتنشيط المبادئ التي قامت عليها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامية، من خلال وضع مختلف الاستراتيجيات لمواجهة مختلف الأهوال لم تفعّل من أجل استعادة الكرامة، وسحب قدرنا من أن يكون في يد الغرب الاستعماري الصهيوني، الذي يفاجئنا كل يوم بألف حيلة وحيلة وبألف مؤامرة ومؤامرة. وكلمة أخيرة للمسؤولين: لا تخذلوا شابات وشباب هذه الأمة وتضطرونهم للذهاب إلى المنافي ليذرفوا دموع الأسى والعجز.

* كاتب بحريني

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.