داود كتّاب *
من الضروري أن يكون هناك رادعٌ وتحميلُ مسؤولية، عند اعتداء الاحتلال على البشر والحجر. تعتبر الشكوى للمؤسّسات الدولية والحقوقية محاولةً لتحميل الاحتلال المسؤولية، ولكن يجب أن يكون الرادعُ أقوى لمنع تكرار الاعتداء.
كانت ردّة الفعل الرسمية على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، بدءاً من الرئيس محمود عباس، مروراً بالمستويات الفلسطينية كافّة، مُناسِبةً، وتُعبِّر عن الغضب الشديد، والحزن، على فقدان زعيم وطني. إنّ اغتيالَ قائدٍ سياسيٍّ لفصيل مقاوم يجب أن يُردّ عليه بطريقة تردع الاحتلال عن التعامل مع ملفّ الاغتيالات بالسهولة التي يتعامل معه بها. كانت ردّة الفعل الطبيعية، الأكثر أهمّية، على اغتيال هنية، من المسؤولين والمواطنين، هي ضرورة تسريع عملية الوحدة الوطنية الفلسطينية.
شكّل اتفاق بكين الفرصة المناسبة لخروج الدخان الأبيض، بإعلان الرئيس عبّاس حكومةَ وحدةٍ وطنيةٍ مُتّفقا عليها بين الفصائل كافّة، تُجسِّد ما اتُّفق عليه للردّ على المُشكّكين في مصداقية حركة فتح، التي وقّع نيابة عنها نائبُ رئيسها محمود العالول. صحيح أنّ حكومة محمّد مصطفى تمرّ في مراحل مُهمّة من الإصلاح، وصحيح أنّ اتفاق المبادئ مع الاتحاد الأوروبي وفّر عجلةَ نجاة للسلطة الفلسطينية التي كانت على وشك الإفلاس، ومن الضروري الحفاظ على قوّة الدفع والالتزام بما تمّ التوافق عليه مع بروكسل، وصحيح أنّ العديد من الإصلاحات، بما فيها التغييرات الجارية لاستبدال السفراء كافّة، وغيرهم، من الذين تجاوزوا سنّ التقاعد، بدأ تطبيقها. ذلك كلّه صحيح، لكنّ الاتفاقات والإصلاحات يمكن أن تستمرّ بغضّ النظر عمّن يرأس الحكومة الفلسطينية، وقد يكون هناك حاجةٌ لضمان توافق واستمراريةٍ ما للتأكّد من عملية الانتقال السلس. المُهمّ حالياً هو الخروج من عنق الزجاجة، والتطبيق الجادّ لعملية المصالحة في المستويات كافّة.
طبعاً، عملية المصالحة ليست محصورةً في من يرأس حكومة الرئيس عبّاس، بل تشمل أيضاً التوصّل إلى تفاهم على الأهداف الوطنية، وآلية الوصول إلى تلك الأهداف. جيّد فعل المفاوضون بدعم من الرئاسة الصينية بقبول مبدأ قيام دولة فلسطينية على جزء من فلسطين التاريخية، وتحديد حدود الرابع من حزيران 1967 حدوداً معترفاً بها دولياً لحلّ الدولتَين، ما يُعتبَر تنازلاً كبيراً من المناضلين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس). كما من الضروري الالتزام الحديدي، من الآن فصاعداً، بالشرعية الدولية، والتزاماتها، التي يجب على جميع الفصائل قبولها، رغم أنّ التطبيق الدولي لتلك الالتزامات مليء بالتناقضات والنفاق.
تطبيق بنود اتفاق المصالحة في الصين لا يحتمل أيّ تأخير، ولا علاقة له بالردّ الإيراني أو غيره على الجريمة الإسرائيلية المتمثّلة باغتيال إسماعيل هنيّة. كما أنّ تطبيق بنود المصالحة يجب أن يتمّ بناءً على المصلحة الفلسطينية العليا، ومن دون أيّ تشاور أو تنسيق مع أيّ طرف إقليمي أو محلّي. آن الأوان لأن تكون كلمات القادة وتواقيعهم مُلزِمَة، ومطبّقة من دون أيّ تأخير أو تأويل. المطلب الشعبي في المستويات كافّة يجعل الوحدة الوطنية، وتشكيل حكومة توافق، والعمل من أجل باقي بنود الاتفاق، عملاً وطنياً بامتياز، لا يحتمل التأخير.
* صحفي فلسطيني
المصدر: العربي الجديد