رياض معسعس *
تميز الأسبوع الماضي بأحداث هامة تنعكس بشكل أو بآخر على القضية الفلسطينية، من رصاصة أخطأت رأس دونالد ترامب فأصابت شحمة أذنه، إلى انسحاب جو بايدن من حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية، وتعيين كامالا هاريس من قبل الحزب الديمقراطي بدلا منه لخوض هذه الانتخابات، ولاشك أن لكل واحد منهم له مقاربة مختلفة مع القضية الفلسطينية، ولو أن الإدارات الأمريكية قاطبة تتفق على دعم إسرائيل غير المشروط، والعمل على حمايتها عسكريا وماليا ودبلوماسيا.
فهذه الإدارات الواقعة تحت هيمنة “الإيباك” (اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية)، التي أقيمت في العام 1953 والتي حددت أهدافها بدعم إسرائيل، والعمل على الوقوف حاجزا منيعا ضد أي مطالب شرعية وقانونية للفلسطينيين، وذلك عن طريق السيطرة على الكونغرس الأمريكي الذي يمارس أعضاؤه أيضا ضغوطا على الإدارات الأمريكية، وهذا ما يفسر عربدة دولة الاحتلال، وعدم احترامها للقوانين الدولية لأنها تعلم أن الفيتو الأمريكي بالمرصاد لكل من يحاول محاسبتها، أو الدعوة لدعم حقوق الفلسطينيين المشروعة في حق العودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
نتنياهو في واشنطن:
اعتادت زوجة نتنياهو سارة في كل مرة يقوم زوجها بزيارة لواشنطن أن تجمع كل غسيلها الوسخ لتغسله على حساب الشعب الأمريكي وقد انتقدتها الصحافة الأمريكية على ذلك، لكن هذه المرة يبدو أنها لم تملأ الطائرة الرئاسية بالغسيل الوسخ، لأن ملابس رئيس الوزراء المطلوب إلقاء القبض عليه كمجرم حرب من قبل محكمة الجنايات الدولية ملطخة جميعها بدماء أطفال غزة، ولو غسلت بأقوى المساحيق فإنها لن تزول، لأن بقع دماء عشرات آلاف الغزيين في غزة من الصعب إزالتها، وستبقى مئات السنين في الذاكرة الفلسطينية.
هذا بالنسبة لسارة، أما بالنسبة لنتنياهو الذي حتى قبل أن يلقي خطابه أمام الكونغرس سبقه إلى الباحة الرئيسية يهود مناهضون للحرب بشعارات تنادي “بوقف الحرب في غزة”، و”وقف تسليح إسرائيل”، و”فلسطين حرة”، و”دعوا غزة تعيش”، أما خارج الكابيتول فقد تجمع الآلاف المنددون بالحرب الهمجية على غزة، وطالب البعض باعتقال نتنياهو وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية.
فنتنياهو الذي كان يستقبل كبطل إسرائيل الأول في واشنطن، دخل هذه المرة الكونغرس كزعيم سياسي مهزوم في إسرائيل، وكمجرم حرب، وكمسؤول عن الفصل العنصري في المحاكم الدولية، وكشخص غير مرغوب فيه من أكثر من نائب وسيناتور أمريكي (نصف نواب الحزب الديمقراطي قاطعوا الخطاب)، بل وحتى الرئيس جو بايدن الذي هرول سريعا لدعمه بعد عملية طوفان الأقصى مباشرة بزيارة خاطفة بعد مجزرة دار الشفاء ليرفع عنه المسؤولية عن مقتل المئات في غارة حاول الجانب الإسرائيلي تضليل الرأي العام بنسبها للمقاومة الفلسطينية، ودعمه بالمال والعتاد والسلاح بجسر جوي لم ينقطع خلال كل أيام الحرب أصبح يتخذ موقفا مجافيا له.
قلب الحقائق:
أمام الكونغرس لم يتوان نتنياهو عن الكذب، والتضليل، وقلب الحقائق، فهو مصر على أن جيشه “الأكثر أخلاقية في العالم ” لم يرتكب مجازر في غزة، ولم يقتل أطفالا ومدنيين، بل على العكس زودهم بالمساعدات والماء، وخصص لهم مناطق آمنة، وهاجم المحاكم الدولية، والمظاهرات التي انطلقت ضده ووصمها جميعا بمعاداة السامية، وأصر على متابعة الحرب لغاية “النصر المؤزر”، واستسلام حماس، وهذا يعني أنه لن تكون هناك صفقة تبادل للأسرى، بل عرض خطته لليوم التالي بتعيين إدارة فلسطينية مسؤولة أمنيا أمام إسرائيل ومنزوعة السلاح، وتعزيز التحالف مع بعض الأنظمة العربية حسب اتفاقيات إبراهيم، ووضع نفسه كحامي الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط بمواجهة محور الشر الإيراني.
أعضاء الكونغرس وفي مسرحية وضيعة قدموا للعالم مشهدا مقززا بمقاطعة كلمة نتنياهو في كل مرة بالتصفيق الحاد، (تم التصفيق له 53 مرة) كمن يدخل فرحا فيجد الزغاريد والطبل والزمر أكثر من الطعام، ومع كل تصفيقة صفيقة كان هناك طفل فلسطيني يسفح دمه على تراب غزة العزة، وهذا التصفيق يؤكد مسؤولية واشنطن عن الإبادة الجماعية في غزة. لكن هذه المسرحية التي قاطعها أكثر من 90 نائبا من الحزب الديمقراطي، وكامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن التي استقبلت نتنياهو بوجه رخامي متجهم لا يرسم ابتسامة واحدة كدليل على امتعاض الإدارة الأمريكية من سلوكه وتعامله مع بايدن الذي يفتقر إلى اللباقة والاعتراف بفضائله عليه وعلى إسرائيل.
قادة إسرائيل تقاطروا إلى واشنطن فقبل نتنياهو تمت دعوة بيني غانتس عضو الكابينت ووزير بدون حقيبة ووزير الدفاع، يواف غالانت طريد محكمة الجنايات الدولية، فواشنطن هي الوجهة الرئيسية لهم ولسواهم من قادة إسرائيل إذا ما استثنينا الوزيرين العنصريين إيتمار بن غفير، وبتسليئيل سموتريش. فلولا الدعم الأمريكي الأعمى لهم لكانت إسرائيل في خبر كان وكل أخواتها.
الفلسطينيون في بكين:
الفلسطينيون من جانبهم توجهوا إلى الصين، في محاولة بعد عشرات المحاولات لتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة الهجمة الصهيونية.
وهذه هي المرة الثانية التي تلتئم فيها الأطياف الفلسطينية في بكين، خاصة وأن الدبلوماسية الصينية تشهد نشاطا في الشرق الأوسط. إذ أظهرت بكين خلال العامين الماضيين توجها ملفتا في التركيز على علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، ففي 10 آذار/ مارس 2023 أعلن من بكين عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهذه أول ضربة ناجعة للدبلوماسية الصينية، وموجعة لواشنطن التي ترى أن الصين تسحب البساط من تحت قدميها، واستقبل الرئيس الصيني شي جينبينغ رؤساء إيران، والجزائر، وموريتانيا، وسوريا، وتونس، والكويت، ومصر بهدف تعميق العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.
وانضمام السعودية ومصر والإمارات إلى مجموعة البريكس يعني ببساطة أن الدول العربية وعت الأهمية المتزايدة للصين على المسرح الدولي. الفصائل الفلسطينية المختلفة والمعنية اليوم بالمستقبل الفلسطيني بعد عملية “طوفان الأقصى”، والهجمة الصهيونية الشرسة على غزة، التأمت في بكين للتوقيع على اتفاق “وحدة وطنية شاملة” تضم كافة الفصائل في إطار منظمة التحرير، وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة، الذي هاجمته إسرائيل بشدة، وقال وزير خارجية دولة الاحتلال يسرائيل كاتس:”وقعت حماس وفتح اتفاقا للسيطرة المشتركة على غزة بعد الحرب.. واحتضن محمود عباس القتلة من حماس وكشف عن وجهه الحقيقي”
تعزيز الوحدة الوطنية:
(تم توقيع على إعلان بكين بشأن إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، من 14 فصيلا فلسطينيا هي فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية). لكن تبقى حركة حماس والجهاد الإسلامي خارج منظمة التحرير ما لم تعترفا بميثاقها ونظامها الداخلي (رفضت الجهاد الإسلامي الاعتراف بإسرائيل) وبرزت خلافات أخرى من فصائل وجدت في بيان بكين أنه لا يعكس معاناة ما حصل في غزة، وكما أشار أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي فإنه من الضروري اليوم وحدة الصف الفلسطيني وتشكيل حكومة وطنية تقطع الطريق على محاولات إسرائيل وأمريكا تصفية القضية الفلسطينية. وهكذا فإن القضية الفلسطينية اليوم تتحرك ما بين واشنطن وبكين في الوقت الذي تحاك الكثير من محادثات لأنظمة عربية وغربية إسرائيلية لإخراج مسرحية أخرى تحت الطاولة لإنقاذ إسرائيل من ورطتها، ووضع حل بحيث لا يطرد الذئب، ولا يفنى الغنم.
* كاتب سوري
المصدر: القدس العربي