الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

 لا استقرار ولا استعادة للقرار بوجود بشار وإيران في سورية


في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة على خلفية الحرب بغزة وإعادة تشكُل التحالفات الإقليمية والدولية لمناصرة العدو الصهيوني، والتهديدات المتصاعدة جراء التوترات على الحدود الفلسطينية- اللبنانية، والوضع الأمني المتدهور في جوار “الناتو” بما في ذلك الاتجار بالأسلحة والممنوعات وخاصة الكبتاغون، وأمن الطاقة، وحالة عدم الاستقرار الداخلي بتحريض ومفاعيل إيرانية مكشوفة في سورية والعراق ولبنان واليمن، ومخاطر التصعيد الإقليمي الإسرائيلي وانعكاساته على مسار القضية الفلسطينية، والتبعات المحتملة جراء ذلك، فضلًا عن الهجمات الحوثية- الإيرانية في البحر الأحمر، واحتمالية انتقال التوترات للبحر المتوسط، فإن ما يقال بمقدمات اللقاء بين المسؤولين والسياسيين هو عادة ما يراد لنا أن نسمعه، لكن العبرة والمحصلة تكون فيما يُقال خلف الجدران الموصدة, وأن الابتسامات المتبادلة ليست إلا أقنعة يصنعها هؤلاء لإخفاء الحقيقة!

بهذه الأجواء- التي تخلت مؤسسات المجتمع الدولي ومجلس أمنه عن تحمل مسؤولياتهم وتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة بالشأن السوري وخاصة القرار 2254 لعام 2015، ومحاسبة مجرمي نظام “الكبتاجون” القابع بدمشق لإيقاف شلال الدم وتجفيف كل مستنقعات الإرهاب التي تقودها روسيا ونظام ملالي طهران وحلفهما المشبوه، مع الكيان الصهيوني بإشراف أمريكي، وكل الدول التي لعبت أدواراً ضد ثورة شعبنا- في هذه الأجواء كانت المجزرة الإجرامية بحق أطفال شعبنا السوري بمجدل شمس الصامدة، هذه الجريمة تُضاف إلى سجل الجرائم المقترفة بحق جميع أبناء شعبنا الذي يعاني من الإرهاب المُمنهج بكل أشكاله، الذي تجسّد بقوات الاحتلال والميليشيات الإرهابية العابرة للحدود بانتماءاتها، إذ ما تزال أيادي الغدر والإرهاب تطال أرواح أطفالنا وأبنائنا على امتداد الساحة السورية ضاربة عرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية، مستغلة الصمت الدولي حيال قضيتنا المُحقة بالحرية والكرامة وحق الشعوب بتقرير مصيرها، على مرآى وسمع العالم تَرتكب القوى الإرهابية مجازر بحق السكان الآمنين بكل المدن السورية وآخرها بحق أهلنا في “مجدل شمس” ضمن المنافسة الإجرامية المستمرة والاغتيالات بالقتل لمرتزقة إيران وحلف ميليشياتها بيد (إسرائيل)، إن بضاحية الإرهاب في جنوب بيروت أو في طهران أو في غزة، وستأخذ هذه المخاطر كل المنطقة لخيارات كارثية ضمن المنافسة الصهيو- فارسية والأمريكية- الروسية بظل صمت وغياب أي دور عربي، ولن تخدعنا هيستريا الكونغرس الأمريكي احتفاءً بإجرامهم المشترك مع رئيس وزراء (إسرائيل) المأبون.

كثيرة هي المؤشرات والوقائع التي تُثبت أن إيران احتلت سورية بموافقة وتأييد، بل استجداء، من نظام الأسد من أجل بقاء بشار في السلطة كي يحقق مآربها, وأن كل الجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب السوري كان تهدف للحفاظ على سلطة الأسد فضلاً عن ترسيخ مشروع ولاية الفقيه الإجرامي، ولا يمكن عزل التصعيد الإيراني في الجولان عن أجواء عامة تسود المنطقة في ضوء استمرار حرب غزّة والإرهاب الإيراني المرافق لها، أكان ذلك عبر جنوب لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن؛ وفي هذه الأيام كل التقارير الواردة من سورية تؤكد سيطرة إيران على مفاصل الجيش والأجهزة الأمنية واقتصاد سورية إضافة لكل عمليات التغيير الديموغرافي التي تنتهجها، وأن التطبيع العربي والإقليمي قد اصطدم بهذا الواقع وأدرك البعض وإن لم يعترف بعد، بأن القرار السوري ليس في دمشق بل في طهران، وأن الميليشيات الإيرانية تُهيمن على مفاصل كل السلطات في سورية إضافة للمشاركة بالقرار السياسي المُرتهن لموسكو, وأن إيران تُخرب أي خطوة للحل في سورية، لأنها لا تريد شريك لها فيها ولا تريد أن تغادرها أيضاً، فأين استعادة القرار السوري المستقل بظل هذه الأجواء والتفتت الوطني العام؟

أمام هذا الواقع فإن من يُروج لاستقرار سورية وإعادة اللاجئين فعليه مساعدة الشعب السوري للتخلص من تلك الطغمة الديكتاتورية الفاسدة، لتأمين عودة الهدوء والاستقرار لسورية ومن ثم عودة اللاجئين وسورية لدورها الطبيعي بعيداً عن ولاية الفقيه وأدواتها، ولطالما رددت الدبلوماسية الأمريكية ومبعوثيها منذ 14 عام أنهم “ملتزمين بالتوصل إلى مرحلة انتقالية سياسية من خلال التفاوض بدون بشار أسد”، لكنها ترفض في الوقت نفسه اتخاذ أي إجراء، حتى من قِبَل حلفاء لها، لتقويض حكم بشار أسد الذي لا يكفْ عن تأكيد رفضه لأي تفاوض على أي سلطة انتقالية، ويُصر على متابعة إنكار حقوق السوريين فضلاً عن حربه التدميرية عليهم بدعمٍ كامل من نظام الملالي في طهران وميليشياتها الإجرامية التي تحتل سورية والمنتشرة فيها والمعزز أيضاً بالاحتلال الروسي المجرم.

أليس من حق السوريين- بعد كل هذا القتل الجماعي والخراب العظيم لبلدهم ومُدنهم وتهجير حوالي 50% منهم داخلاً وخارجاً فضلاً عن الشهداء والمعتقلين- أن يسألوا سادة الهيمنة على المجتمع الدولي وقراره عن الطريقة التي سيُحقق فيها هذه المعادلة المستحيلة، أم أن المقصود ترك الأطراف الاقليمية لتُفني بعضها؟ وهل هناك من تفسير آخر لوقوفهم مكتوفي الأيدي ولواذهم بالصمت أمام كل عمليات الحصار الهمجية للمدن والأحياء وتركها للموت تحت وابل من القصف العشوائي والتدمير المجاني منذ 14 عام من قبل نظام الإرهاب الأسدي وميليشياته (سورية كانت أم عراقية ولبنانية وأفغانية وباكستانية..)، المُنظمة والمُمولة من نظام طهران، شريك واشنطن و(إسرائيل) في المنطقة؟

إن القضية التي جمعتنا، باعتبارنا سوريين، بثورةٍ شاملةٍ مثلما فرّقنا نسيانها أو الابتعاد عنها، هي التي تملك وحدها إمكانية التأليف بيننا وتوحيد أجنداتنا والتوفيق بين قضايانا العديدة الخاصة؟ إنها تلك التي تؤسّس لمعنى المصلحة العامة التي لا تنبع من جمع المصالح الخاصة المتفرّقة، وإنما من خلق الشروط التي لا يمكن من دونها تحقيق أيٍ منها أو بعث الأمل في تحقيقها، إنها إقامة نظام الحرية الذي يعيد السلطة إلى الشعب، ويضمن المساواة بين الجميع من دون أي تمييز بين الأفراد من أي نوع، فهذه الحرية السياسية والمساواة القانونية والأخلاقية هي الشرط الأول للسلام والاستقرار والتعاون والتضامن والازدهار، بمقدار ما تشكّل أس العدالة الاجتماعية ومصدر الكرامة لجميع الناس، وهذا ما تسعى وتؤسس له ساحات الكرامة ومفاعيلها على الساحة الوطنية السورية.

فيبدو مطلوباً معاقبة أهلنا “الدروز” في سورية، أكانوا في الجولان المحتلّ أم في جبل العرب على موقفهم الوطني الذي يصبّ في حماية وحدة سورية، حيث رفضوا أن يكونوا أداة طيعة في يد النظام القاتل وأن يكونوا مجرّد أقليّة تابعة له، فقد قاوموا بالسويداء، وما زالوا يقاومون النظام والميليشيات الإيرانيّة المنتشرة في الجنوب السوري، على الرغم من كل مساعي النظام الهادفة إلى تخوينهم، إذ أن ثمّة غضب لدى النظام الأقلوي في سورية بسبب رفض “الدروز” الانضمام إلى الحرب الشعواء التي شنها ولا يزال نظام بشّار أسد بدعم إيراني وروسي على الشعب السوري منذ 15 آذار/ مارس 2011.

إنه لا يبدو أنّ هناك تفسيراً آخر للهجوم الوحشي الذي تعرضت له مجدل شمس، الذي لا شكّ أن (إسرائيل) ستسعى إلى الاستفادة منه إلى أبعد الحدود، فيما ستسعى إيران إلى استغلاله على طريقتها، أي إثبات أنّ لديها أوراقاً عدّة لا يستطيع أي طرف، بما ذلك أميركا، تجاهلها لدى البحث في مرحلة ما بعد غزّة ومستقبل المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.