رشا عمران *
رغم أن بشار الأسد يبدو كما لو أنه باق في حكم سوريا إلى أجل غير مسمى، فهو ما زال في عمر متوسط، وليس مريضًا كما كان عليه والده في مثل سنه، ويحيط نفسه، فعلاً، بحاشية مستعدة لتفديه بأعز ما تملك، بمعنى أن لا أحد من حاشيته قد يفكر باغتياله مهما كانت الإغراءات.
كما يبدو أنه يعمل على تهيئة ابنه حافظ ليصبح هو الرئيس المقبل لسوريا المبتلية بهذه العائلة، هكذا قد يحكم سوريا ذات يوم حافظ بشار حافظ الأسد، وهو اسم قد يطول في المستقبل ليصبح بشار حافظ بشار حافظ الأسد، وهكذا تصبح أول جملوكية في العالم يتحكم في تاريخها الماضي والحاضر والقادم شخص واحد مات في عام 2000 لكنه استمر (خالداً) في سلالة تمسك سوريا من تلابيبها.
لكن رغم كل هذه التوقعات المتشائمة إلا أنه قد يحدث شيء ما يخالفها كلها ويخالف خطط العائلة الحاكمة، خصوصًا مع ما يحدث في الدائرة المقربة من بشار الأسد من اختفاء لبعض الوجوه الأساسية في حياته، ومن تصفيات جسدية ومعنوية ومادية لمقربين آخرين؛ فقد نفاجأ ذات يوم بخبر تنحي بشار الأسد عن السلطة، رغم أنني أستبعد أن يفعلها من هو مثله لأي سبب كان، أو قد نفاجأ بخبر اغتياله من قبل أحد ما في دائرته المقربة، أو قد نفاجأ بانقلاب عليه يقوم به أحد المقربين منه أيضًا، أو قد نفاجأ بقرار المجتمع الدولي بالتخلي عنه بسبب التوازنات الدولية التي تطيح عادة بأكبر الرؤوس في العالم، أو قد تقرر إسرائيل ذات لحظة إلغاء حمايتها له وتقص حصنه المنيع في خطأ مقصود، وقد تفعل روسيا هذا في لحظة أخرى، أو قد تقرر إيران استبداله بآخر أكثر ولاءً لها منه وقد يقرر عزرائيل في أمر إلهي قبض روحه لسبب من الأسباب؛ بمعنى ما قد يحدث أن يغيب بشار الأسد عن المشهد السوري في أية لحظة لسبب من الأسباب السابقة أو لغيرها، ذلك أن المتغيرات السياسية في العالم ومنذ عقد ونيف سريعة ومفاجئة وغير محسوبة وتخالف التوقعات، كما أن كوكب الأرض، من دون استثناء، محكوم في وقتنا الراهن بمجموعة قادة أقل ما يوصفون به هو امتزاج جنون العظمة مع الفجور في الإجرام ويتنافسون في تدمير كوكب الأرض الذي يبدو حاليًا كما لو أن أحدًا عثر على صندوق باندورا السحري وفتحه لتنطلق منه كل الشرور المتخيلة وتبدأ الفتك بكوكب الأرض دون هوادة.
الآن، فيما لو حدث هذا الأمل الذي يعيش غالبية السوريين بانتظاره في الداخل والخارج، فيما لو اختفى فجأة بشار الأسد عن وجه سوريا، ماذا سيكون عليه الوضع السوري الأمني والسياسي والعسكري؟ مبدئيًا قد نقول إن رحيله بأي طريقة هو الخطوة الثانية التي سوف تكون في طريق تغيير الوضع السوري بعد خطوة الثورة عام 2011. لكن دعونا نتصور بعض السيناريوهات الواردة فيما لو حصل هذا.
السيناريو الأول المحتمل هو الصراع العسكري الأمني بين القوى المسلحة، وهي كثيرة بكل حال في سوريا، أو صراع قد يحصل في الجيش بين الموالين لروسيا والموالين لإيران، أو بين قادة الجيش وقادة القوى الأمنية، وفي كل هذه الصراعات ذات الطابع العسكري والأمني سوف يكون ماهر الأسد في الواجهة معيدًا إلى الذاكرة السورية مسيرة عمه رفعت الأسد ومحاولته احتلال سوريا وتسلم السلطة عبر قواته (سرايا الدفاع وفرسان الصاعقة) ذات يوم من تاريخ سوريا الأسود، خصوصًا وأن ماهر يعرف بشراسة ونزوع للعنف والإجرام يتفوق على ما لدى شقيقه ووالده وعمه.
كما أنه الآن هو المسؤول عن صناعة وتجارة وتهريب الكبتاغون في سوريا وهو رجل إيران الأول وهو رئيس الفرقة الرابعة التي ارتكبت الفظائع في سوريا خلال العقد الماضي، وتتبع له مجموعات مسلحة من الشبيحة والمرتزقة هم الأكثر إجرامًا في الداخل السوري، ما يجعل من السيناريو السوداني الحالي مؤهلاً للانتقال إلى سوريا، وهذا يعني مزيدا من الضحايا الأبرياء ومزيدا من محاولات الهرب، لكن لا مكان حاليًا يستقبل أي سوري فقير في أي مكان في العالم.
السيناريو الثاني هو اشتعال الصراع الطائفي المخفي تحت رماد الخوف في الداخل السوري، أتذكر هنا الوقت الذي أعلن فيه عن موت حافظ الأسد في عام 2000 كيف ظهرت فجأة أسلحة مخفية لدى كثير ممن كنت أعرفهم ذلك الوقت من مختلف الانتماءات، تحسبًا لأي سيناريو أو صراع طائفي محتمل، يومها كان حمل أو اقتناء السلاح ممنوعًا في سوريا ومع ذلك ظهرت كميات ليست بقليلة من الأسلحة بين المواطنين، فكيف بالحال الآن وسوريا تقريبًا كلها مسلحة وتنتشر الأسلحة بين الناس بسهولة انتشار حبوب الكبتاغون، هذا عدا عن الكتائب وقوى الأمر الواقع المسلحة بالكامل في الشمال والشرق السوري والتي لن تقف متفرجة في حال حدوث مثل هذا السيناريو الذي سينتج عنه مزيد من الفوضى ومن الضحايا الأبرياء في كل مكان، سيناريو مثل هذا لو حدث فإن نتيجته سوف تكون مزيدا من التقسيم للجغرافيا والديموغرافيا السورية، وستنتشر دويلات مستقلة مسلحة تعيش على مناوشات وحروب مع جيرانها.
السيناريو الثالث هو تدخل القوى الدولية اللاعبة في الوضع السوري، وهي كثيرة على كل حال، منها أصحاب أدوار علنية معروفة وواضحة وعسكرية مثل إيران وروسيا وتركيا وأميركا وإسرائيل، ومنها أصحاب أدوار اقتصادية خفية مثل دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج. ما يعني فرض مناطق نفوذ لهذه الدول بشكل مباشر أو بالوساطة عبر عملاء محليين، وهذا السيناريو سوف يؤدي إلى تقسيم مبدئي مؤقت قد ينتج عنه لاحقًا استقرار ما بعد تقسيم الكعكة التي ما تزال حتى اليوم شهية رغم كل ما تم تناهشه منها خلال العقد الماضي. وهنا أيضًا سوف يكون الضحايا من فقراء وأبرياء سوريا ومدنييها ممن لا حول لهم ولا قوة.
السيناريو الوحيد الذي قد يحمل معه شيئًا من الاستقرار والأمن هو انتقال سياسي وعسكري سلس وآمن وبدعم من المجتمع الدولي، لكن سيناريو كهذا يحتاج إلى بدائل سورية جاهزة ومدربة من أجل لحظة كهذه. المعضلة الكبرى هنا تظهر في الفشل الذريع والمريع لكل هيئات ومؤسسات المعارضة التي عجزت منذ عام 2011 وحتى اللحظة، في الخارج وفي الداخل معًا، عن تشكيل بديل مناسب للخروج بسوريا من عنق الزجاجة العالقة به منذ عدة سنوات.
فالمعارضة الخارجية بمنصاتها العديدة هي معارضة مقسمة ومتصارعة فيما بينها ومرهونة لأجندات الدول التي تمولها وتدعمها، وظهر فشلها بشكل واضح في إدارة المناطق التي تطلق هي عليها تسمية (محررة)، لتكون هذه المناطق تحت سيطرة ميليشيات عسكرية (جهادية) تتفوق في استبدادها على النظام الذي تدعي محاربته إن جاز التعبير.
كما أن هذه المعارضة عجزت تمامًا عن تبني خطاب وطني مشترك وجامع وتبني استراتيجية سياسية تحرج المجتمع الدولي وتضعه أمام مسؤولياته تجاه مصير الشعب السوري.
والأمثلة عن فشل هذه المعارضة عديدة، لا تبدأ عن عجزها عن فرض وثائق سفر نظامية للسوريين الذين لا يريدون التعامل مع النظام، ولا تنتهي عن عجزها عن تبني حلول ناجعة للاجئين في دول الجوار الذين يتعرضون لكل أنواع التنكيل والعنصرية ولا لقدرتها على منع ترحيلهم إلى سوريا النظام أو سوريا قوات الأمر الواقع حيث يتعرضون لكل أنواع التنكيل أو الاعتقال أو التصفية.
بل تشمل أيضًا عجزها عن التوحد وفسادها المالي وتبني خطاب مبتذل أمام المجتمع الدولي، خطاب مظلومية دينية وطائفية لا علاقة له لا بالسياسة ولا بالدبلوماسية وتظهر ضحالته أمام خطاب النظام الذي عرف كيف يختار ممثليه الدبلوماسيين لدى المجتمع الدولي.
أما المعارضة الداخلية فهي معارضة تحت سقف النظام ولا تجرؤ حتى على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين ومنهم قياديون لديها. ومنع عنها النظام، طبعا، ممارسة العمل السياسي لتظهر كعديمة الخبرة وفقيرة بالبدائل المناسبة وبالكوادر الشابة.
والحال أن بعض أفراد المعارضة الداخلية من مثقفي اليسار يظهر من السادية ما يجعله يعلق بنفسه مشانق لمعارضيه، في حين لو أتيح لهم تسلم أي سلطة. كما أن المعارضة الداخلية تبنت خطاب تخوين المعارضة الخارجية (وهو أمر متبادل بينهما على كل حال)، ما يجعل الانقسام بين الداخل والخارج حادًا فيما لو حصل وانزاح النظام عن وجه سوريا في وقت قريب.
لا تبدو أي من السيناريوهات السابقة متفائلة أو تحمل معها الأمان المرجو لسوريا، لكن ما من سبيل آخر للتغيير، ذلك أن كل يوم زيادة في عمر هذا النظام هو بمنزلة سنة خراب مستقبلية في تاريخ سوريا. ثمة لعنة كبرى على ما يبدو لحقت بسوريا يومًا ما، لعنة لن تزول قبل أن تفتك بسوريا ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.
* شاعرة وكاتبة سورية
المصدر: تلفزيون سوريا