محمود الوهب
بداية لابدّ من تأكيد أنّ لا ثورة في عصرنا الحاضر، وفي كلّ عصر، ما لم تكن مناصرةُ حقوقِ المرأة في طليعة مهامها، وغاياتها، والأهمّ والأكثر جدوى، أن تكون المرأة ذاتها في طليعة قادتها، يقول كارل ماركس: “إنّ التغيُّرات الاجتماعية الكبرى مستحيلة من غير ثورة نسائية، وإنّ تقدّم أيّ مجتمع يقاس من خلال وضع المرأة فيه..”. فكيف إذا كانت المرأة ناشطة، وفنانة تمتلك وعيًا متقدمًا؟! فلا شك في أنّها ثورة محقّة. وجاءت بهدف التغيير، وقد يسأل بعضهم عن هذه الإشارة، فأجيب لأنّ الفنّان الحقّ يمتلك وعياً نوعياً، يمكّنه من أن يتحسّس هموم شعبه، واتخاذ موقف له أهميته في تغيير الوقع، فهو يرسم في ذهنه صوراً ومشاهد عن الحياة الأفضل. ولعلّ الفنّ الدرامي ارتقى إلى طليعة الفنون، وهو الفنّ الساحر الذي يتطلب قدرات استثنائية، إذ يجمع في ثناياه ألوانًا من الفنون ليقدّم مشاهد كاملة عن الحياة، ومن هنا قوة تأثيره في أوجه حياتنا وقيمنا، وفي سلوكنا تجاه الحياة والإنسان..
وإذا كان حظّ الثورة السورية من مشاركة المرأة قليلاً نسبياً مقارنة بـ الثورة السودانية مثلًا، فالنساء اللواتي شاركن فيها كنَّ يمتلكن وعيًا متقدمًا.. وهنا لابد من التحفّظ على موقف بعض “الثورجيين” السوريين الغيورين على النساء، أن عابوا وجودهنَّ داخل المظاهرة، فطالبوهنَّ بالخروج أو العودة إلى خلف المظاهرة، وبالتحجب، أو عدم المجيء، ولعلّها خصوصية حلبية؟!
تُعَدُّ ميّ اسكاف واحدة ممن يمتلكن الوعي والجرأة! ولعلّي هنا، أشير إلى ما قالته جواباً عن سؤال قاضي التحقيق لدى محكمة “الإرهاب”، لماذا تظاهرتِ؟ فكان جوابها عبارة هي غاية في البساطة والعفوية، وأظنّها لخّصت الأسباب العميقة للثورة السورية، إذ قالت بوضوح وجرأة: “لأنني لا أريد “حافظ بن بشار أن يحكمني!” إن من يمعن التفكير في العبارة يجد محتوى الاستبداد كامنًا فيها. فالحكم الوراثي علاوة على أنّه ملكية خاصة للوطن يجمع في طياته مستلزمات الاستبداد كافة: فالفساد، والتخلّف، والقمع، والتسلّط، ونهب ثروات البلاد، وإهمال التنمية بأشكالها المختلفة، وفي النهاية خراب الوطن كليًا.. وهذا ما حدث في سورية تمامًا! إنَّ الحكم المتوارث يغدو مستنقعًا تجتمع في مياهه الآسنة الآفات كلّها.. وهو كما وصفه “حنا مينة” في روايته: “الشمس في يوم غائم”، “إنّهم مثل الدودة الشريطية يتوالدون ذاتيًا..”
فمن هي هذه البطلة مَيّ؟!
ميّ سكاف من مواليد دمشق 13 نيسان/ أبريل 1969 ممثلة سورية، نشأت في حي شعبي دمشقي. بدأت موهبتها منذ أن كانت تدرس في جامعة دمشق “قسم الأدب الفرنسي”، حيث كانت تشارك زملاءها طلبة الجامعة في تقديم أعمال مسرحية في المركز الثقافي الفرنسي، وقد لفتت اهتمام المخرج السينمائي ماهر كدو، الذي اختارها لبطولة فيلمه “صهيل الجهات”، كان ذلك عام 1991 فتألّقت في الفيلم رغم عمرها الذي لم يتعد الـ: 22 عامًا ما شجع المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد إلى اختيارها لفيلمه: “صعود المطر”، أما ظهورها التلفزيوني فبدأ مع المخرج نبيل المالح الذي اختارها لمسلسله “أسرار الشاشة”. كما حقّقت نوعا من التألق في دور “تيما” في مسلسل “العبابيد” ما لفت إليها الأنظار، وقد تنوّعت أدوارها بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة.
انتسبت ميّ لنقابة الفنانين السوريين عام 2001.. في عام 2004 أسست معهد “تياترو” لفنون الأداء المسرحي في صالةٍ صغيرة في ساحة الشهبندر. إلا أّنها فصلت من النقابة في 10 حزيران /يونيو 2015 بقرار من نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان لعدم دفع التزاماتها المادية للنقابة”. وهي الملاحقة من أجهزة الأمن.. وللفنانة ميّ أعمال كثيرة أخرى في السينما والدراما.. لكن تجدر الإشارة إلى عودتها إلى السينما خلال وجودها في فرنسا ففي عام 2017 صوَّرت فيلماً قصيرًا في العاصمة الفرنسية باريس بعنوان “سراب”، قامت بدور “ريما مرشيليان” وهي سيّدة سورية هاجرت إلى فرنسا خلال سنوات الثورة السورية، وفي خضم الانتخابات الفرنسية الأخيرة، يراودها حلم بأن تصبح أول امرأة تحكم بلداً عربياً وعمل على السيناريو المخرج السوري ملهم أبو الخير.
عُرفت مي بمواقفها المؤيدة للثورة السورية منذ بداياتها في سنة 2011 كما أعلنت رفضها لنظام بشار الأسد. ثم اعتُقلت خلال مظاهرة سلمية مع عدد من المثقفين في دمشق، وبعد عدة أيام أطلق سراحها وحُدد موعد لمحاكمتها بعد أن نظمت أجهزة الأمن ضبطاً أمنياً في حقها وأحالته إلى نيابة «”محكمة الإرهاب” هذه المحكمة هي ذاتها التي كانت تعرف بمحكمة أمن الدولة التي أحالته بدورها إلى “قاضي التحقيق” لمحاكمتها بتهمة الاتصال بإحدى القنوات الفضائية ونشر أنباء كاذبة. وقد أصدر “قاضي تحقيق” النظام السوري قراره باتهامها بالتهم الأمنية المنسوبة لها وطلب من محكمة الجنايات إصدار مذكرتيْ قبض فـ: غادرت سوريا مكرهة إلى لبنان على نحو سريّ وبعدئذ إلى الأردن ثم هاجرت إلى فرنسا برفقة ابنها عام 2013م وقد استولت قوات النظام السوري على منزلها في جرمانا بريف دمشق نهاية العام 2014 من ألقابها “الفنانة الثائرة” و”الفنانة الحرة” و”أيقونة الثورة”. كانت متزوجة ولديها ابن وحيد اسمه جود.. (توفيت ميّ اسكاف في فرنسا في 23 تموز/ يوليو 2018).. بعيداً عن وطنها التي ثارت من أجل أن تراه حرًا ناميًا. ووطنًا لكل أبنائه، وكان موتها إثر مرض أرهق روحها، وهي الثائرة التي شرَّدها ظلم الاستبداد، وتوحُّشه.. لروحها الرحمة، والمجد لذكراها..
المصدر: سوريا الأمل/ سوريا المستقبل