سميرة المسالمة *
تُدخِل أحداثُ الجولان السوري المُحتلّ تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن “التصعيد القادم في الشرق الأوسط” مرحلة التحقّق الفعلي لـ”القادم”، وهو ما يمكن عدّه السبب المباشر الذي استدعى استقبال الرئيس السوري بشّار الأسد في الكرملين (24/7/2024)، وتأكيد بوتين أنّ “سورية معنية مباشرة بالوضع الذي يميل إلى التصعيد”، وهو كلام لا يمكن اعتباره مُجرّد ضرب من التكهّنات على غرار المُنجّمين، أو أنّه قراءة سياسية للأحداث على نهج المُعلّقين السياسيين، الذين تغصّ بهم شاشات التلفزة في العالم، فما حدث السبت الماضي (26/7/2024)، حين أدّى صاروخٌ موجّهٌ من حزب الله في لبنان (نفى مسؤوليته عنه) إلى مقتل وإصابة مواطنين سوريين، أو أنّه من جهة مجهولة من الأراضي السورية، أو أنّه صاروخ إسرائيلي، ففي كلّ الحالات، هو ما يدخل سورية فعلياً في خضمّ المعركة مباشرة، ويضع الأسد أمام خيارات مُؤلمة بين استمرار شراكته مع إيران في ما سمّي “محور المقاومة”، ولجوئه إلى التصريح المباشر في الابتعاد عنها.
لا يمكن الجمع بين الحديث عن تصعيد أو حرب في المنطقة، مع مباحثات اقتصادية وتجارية سورية روسية، ووساطات تهدئة ومصالحات سورية تركية، إلّا ضمن شروط تحييد سورية من دخول الحرب، في جانب أي من الأطراف التي تعدّها إسرائيل ضمن قائمة أعدائها، كما يحدّدهم المسؤولون الإسرائيليون، وهو ما ذكرته صحيفة جيروزاليم بوست، التي كتبت أن: “إسرائيل تخوض حربها ضدّ أعدائها من إيران وحماس في غزّة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن”، أي إنّ اللقاء الروسي السوري كان يميل إلى وضع الأسد أمام استحقاقات ما هو “القادم”، في حال بقائه نظاماً مُرتهناً لإيران، أو انحيازه إلى الموقف الروسي الذي يدعم بقاءه في السلطة شرط تحرّره من عباءة إيران، ومن تبعات صراعها مع إسرائيل في المنطقة، ومنها ما يمكن أن يحدث في لبنان مستقبلاً.
عملياً، لا يوجد ما يمنع إسرائيل من توسيع عدوانها في المنطقة، فهي لم تواجه أي ردّة فعل دولية رادعة لمجازرها في غزّة، وهي إذ تحدّد أعداءها المُستهدَفين في حربها، الحالية أو القادمة، ولا تذكر من بينهم، حتّى اليوم، الدولة السورية، بما تحمله هذه العبارة من معنى تجنيب نظام الأسد هذا العدوان، رغم القصف الإسرائيلي المُتكرّر لأهداف إيرانية في الأراضي السورية، فإنّ هذا الاستثناء فيما يبدو صار في موضع الخطر، ما يستوجب إعادة التذكير بالأولويات السورية في هذه المرحلة من جهة، وإعلانها خياراتها المُستقبلية فيما يتعلق بعلاقتها الوثقى مع إيران.
لا يعني توسيع الحرب باتجاه حزب الله أن تنحصر في الأراضي اللبنانية فقط، فهي مباحة في كلّ مجال حيوي لحراك الحزب أيضاً، ولعلّ هذا هو المغزى من محاولة التشكيك في مكان إطلاق الصاروخ الذي ضرب الجولان السوري المُحتلّ، سواء كان الموقع سورياً أو لبنانياً، والذي تُحمّل إسرائيلُ حزبَ الله مسؤوليته في كلّ حال، ما يعطي تبريرات لها لتوسيع نطاق الحرب زمنياً ومكانياً، لتشمل سورية (نظام الأسد)، في حال لم تسارع الأخيرة إلى فضّ شراكتها معه، وضمناً التحرّر من إيران، والانفصال فعلياً عن محورها.
ليس مُستغرباً في كلّ حال قدرة روسيا على معرفة ما تُخطّط له إسرائيل، ما يستوجب تحذيرها للأسد من عواقب استمراره في المراوغة السياسية، وهو ما يجعل توقيت اللقاء ومضمونه لا يخرجان عن سياق الحدث المأساوي للسوريين في الجولان المُحتلّ، والذي أعقبه بأيّام قليلة، سواء كان مفتعلاً من إسرائيل “لشرعنة” توسيع حربها، أو كان يخدمها بغير قصد، أو أنّه فعلياً بغاية وضع سورية أمام خيارات مفصلية، لا تنفع معها “التقيّة” التي يمارسها النظام بصمته منذ بدء العدوان على غزّة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول (2023).
هل جاء اللقاء من منطلق تشكيك روسيا في النيّات الإيرانية بإبقاء الأسد بعيداً عن خيار الانغماس في الحرب الدائرة مع إسرائيل، وهو ما جعلها تضع أمامه خيارات جديدة باتجاه المصالحة مع تركيا، وفتح الحديث عن مسارات اقتصادية تغمز من خلالها إلى أنّ اقتصاد سورية ليس مرهوناً بالاتفاقيات الموقّعة مع إيران، التي تتآكل قوّتها الإقليمية يوماً بعد يوم، وباتت تشكّل خطراً على مواقع وجودها في لبنان واليمن والعراق وسورية؟
وعلى خلاف الدول التي تمتدّ أذرع إيران فيها، عبر قوى مليشياوية تشتغل باعتبارها موازية للدولة، ويمكن التبرّؤ من تبعات أفعالها، كما تفعل كلّ الوقت حكومات تلك الدول، فإنّ إيران تمارس سطوتها في سورية عبر النظام الحاكم، ما يجعل أي حراك عسكري من سورية ضدّ أي هدف إسرائيلي توريطاً للدولة السورية في حرب لا تريدها، وليست ضمن مُخطّطاتها، وهو ما يمكن أن يكون الرئيس الروسي قد حاول التحذير منه، والبحث عن مخارج له، بوضع الأسد أمام خيار السلام مع تركيا في جانبه، أو العداء مع إسرائيل في جانب إيران، وتلقّي الصفعات نيابة عنها.
* كاتبة وصحفية سورية
المصدر: العربي الجديد