طه خالد منصور *
خلال قمة الناتو الأخيرة في واشنطن، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن دعوته للرئيس السوري بشار الأسد للاجتماع إما في تركيا أو في دولة ثالثة. وأكد أن وزير الخارجية التركي سيتابع هذه القضية. وبعد أن كان قد وصف الأسد في السابق بأنه «قاسٍ وإرهابي» ودعا إلى محاكمته في لاهاي، يشير إليه الآن بلقب «السيد». والسؤال المهم هو، ماذا يعني ذلك بالنسبة للمعارضة السورية؟ هل يعني ذلك أن الأسد انتصر؟
يتميز أردوغان بأنه براغماتي، حيث يغير مواقفه وفقاً لمصلحته الشخصية. وينتظر الإيرانيون نتيجة اللقاء التركي السوري المقترح، إلا أن الأسد لم يقبل الدعوة حتى الآن. وعلى الرغم من إشارة تركيا إلى استعدادها للتوصل إلى اتفاق مع الأسد، إلا أنها لا تعرض التطبيع غير المشروط، ولا تظهر استعدادها لتقديم أي تنازلات.
ستتم مناقشة أربع قضايا خلال اللقاء المحتمل.. القضية الأولى تتعلق بشرعنة وجود القوات التركية في شمال سوريا، حيث بدأ التدخل التركي في هذه المنطقة في التسعينيات. في أكتوبر/ تشرين الأول 1998، وقعت سوريا اتفاقية أضنة مع تركيا، التي تمنع سوريا من القيام بأي أعمال عدائية ضد تركيا، وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أن تخلى الرئيس حافظ الأسد عن عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني، الذي كان يستخدمه الأسد للتأثير على تركيا وابتزازها. وفي عام 1997، عندما قامت الولايات المتحدة بتصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية أجنبية، أصبح أوجلان تحت ضغط كبير، وبالإضافة إلى التصنيف الإرهابي، بدأت تركيا بالتهديد باتخاذ إجراء عسكري ضد المنظمة، وللتخلص من هذا الضغط، وافق حافظ الأسد في اتفاقية أضنة على السماح للجيش التركي بمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية.
وبناءً على هذا الاتفاق، يحق لتركيا بشكل عام الدخول إلى الأراضي السورية لحماية حدودها من الهجمات الإرهابية. الهدف من اللقاء المقبل مع بشار الأسد هو تعزيز وتوسيع اتفاق أضنة، وربما سيشمل ذلك مساحة أكبر من الأرض.
ومن ناحية أخرى، كلما زادت سيطرة أنقرة على شمال سوريا، زادت المساحة المتاحة لنقل اللاجئين من تركيا إلى سوريا. ومن الناحية الثانية، على الرغم من أن تركيا لا تريد التخلي عن أي من الأراضي الخاضعة لسيطرتها، إلا أنها تريد أن يتمتع نظام الأسد بمزيد من السيطرة على المناطق الكردية. وقد شعرت أنقرة بالتهديد بسبب إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مؤخراً، أنها ستجري انتخابات بلدية، وتم التخطيط للانتخابات وفق تشكيل إداري جديد مختلف عن الذي رسمته الدولة السورية. ومن ثم، فهذه مقدمة للحكم الذاتي. والحكم الذاتي معدٍ، وآخر شيء تريد أنقرة رؤيته هو سعي الأكراد إلى المطالبة بالحكم الذاتي. وتعتبر القضية الكردية تهديدا وجوديا بالنسبة لتركيا. أما الهدف الثالث فهو الحصول على الموافقة لفصل حزب العمال الكردستاني عن حزب الاتحاد الديمقراطي، وقد بدأت تركيا عملية في محافظة دهوك في كردستان العراق لهذا الغرض. ومن أجل إنشاء منطقة عازلة بين العراق وسوريا، لمنع حركة حزب العمال الكردستاني، تحتاج أنقرة إلى موافقة كل من سوريا والعراق، وهي حاليا في مرحلة المفاوضات مع العراق. الهدف الرابع هو تعزيز العملية السياسية، ولذلك تصر تركيا على الإشارة إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. والعملية السياسية هي مسألة يتجنبها الأسد بشكل كبير. إن دعوة تركيا المفتوحة للأسد، ليست إشارة إلى تخليها عن المعارضة بأي حال من الأحوال، بل على العكس، فإن تفتح أنقرة على التفاوض مع الأسد يجعلها أكثر حرصاً على حماية المعارضة، فالمعارضة هي النفوذ الذي يمكن لتركيا استخدامه في التفاوض مع الأسد.
أما بالنسبة للأسد، فإن استعراض قوته الوحيد المفترض هو وضع بعض الشروط على تركيا. واشتراط إجراء مفاوضات بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وإذا تنازل عن ذلك فماذا بقي له ليطالب بأي نوع من الشرعية؟ لا شيء. لديه بالفعل جيش ضعيف. إنه يعيش على شريان الحياة الذي يمده به الإيرانيون والروس، فإذا قبل بالوجود العسكري التركي، لم يبق له شيء. وأكد في مقابلة مع فضائية «روسيا اليوم» أنه لا بد من تخلي تركيا عن دعمها للإرهاب، واحترام سيادة سوريا من أجل إعادة العلاقات السورية التركية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011. وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع أن تنسحب تركيا من سوريا، إلا أن الوجود العسكري التركي في سوريا يعتبر ضرورة أمنية وطنية في ظل وجود دولة ضعيفة وانفصاليين أكراد متمكنين.
تركيا لن تنسحب من سوريا، وستبقى هناك لضمان حماية أراضيها، ولن تنسحب من الشمال الغربي أيضاً. ومن المؤكد أن جماعات المعارضة في إدلب لن تتصالح مع النظام، ولذلك لن تسمح تركيا بحدوث مذبحة هناك. ولا يمكن الاعتماد على الأسد كجار جيد. أنقرة لا تثق بالأسد بشكل كبير. وحاولت موسكو، وهي الداعم الرئيسي للأسد، ولها علاقات واسعة مع تركيا، الجمع بين الطرفين من قبل. وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، التقى وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي في موسكو. وعقد الكرملين اجتماعا آخر بين مسؤولين من البلدين في العام التالي، ومع ذلك، لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي. يرغب الأسد في الحصول على تنازل من تركيا يعزز شرعيته، ولكن الحكومة في أنقرة ليست مستعدة للالتزام. وبالتالي، على الرغم من الحديث عن التطبيع، لا يُتوقع حدوث أي تقدم، ومن غير المرجح أن تتخلى تركيا عن دعم المعارضة السورية. الأسد يتردد في لقاء أردوغان، إذ يعتقد أن مثل هذا اللقاء سيكون خاسراً بالنسبة له، ورابحاً بالنسبة لأردوغان. وسيكون اللقاء بمثابة اعتراف ضمني بالتدخل التركي في سوريا. ومن غير المحتمل أن يؤدي أي تقارب بين تركيا والأسد إلى اتفاق كبير يسهل العلاقات بينهما، حيث توجد خلافات كبيرة بين الجانبين. الأسد لن يشارك في أي عملية سياسية مع المعارضة، لإنهاء الصراع الحالي، وتركيا لن تنسحب من المناطق الشمالية وتعرض نفسها للخطر، ولن تتخلى عن دعم المعارضة.
* كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي