الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

سورية وروسيا… وحدة المسار والمصير؟

سوسن جميل حسن *

ما أسرع الزمن، وما أبطأ خطواته في الحالة السورية، وما أثقلها! كانت الزيارة الأولى للرئيس بشّار الأسد إلى موسكو، بعد الحراك الشعبي في سورية، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، ولم يُكشف عنها إلّا بعد اختتامها. وقبل سبعة أعوام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، كان الرئيس السوري بشّار الأسد في زيارة خاطفة إلى موسكو، استغرقت أربع ساعات فقط، قالت وسائل الإعلام حينها إنّ الرئيس فلاديمير بوتين أكّد في محادثته مع الأسد وجوب البدء بالعملية السياسية، وجاء في بيان الكرملين بشأن الزيارة “إنّ الرئيس بوتين هنّأ الرئيس الأسد على النتائج التي حقّقها في مكافحة الإرهاب، الذي يقترب من هزيمة نهائية، ورأى أنّه حان الوقت للانتقال إلى العملية السياسية”. لم يقل “عملية سياسية” إنّما “العملية السياسية”، وكأنّ ملامحها مُنجَزة وواضحة، وبنودها موضوعة بإحكام. كان ذلك قبل أيّام من انعقاد قمّة ثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران بشأن سورية، وعبّر الرئيس الأسد حينها لبوتين عن “امتنان الشعب السوري” للمساعدة التي قدّمتها روسيا في الدفاع عن “وحدة واستقلال” سورية.

سبع سنوات مرّت، والأزمة السورية إلى تعقيد، و”وحدة واستقلال سورية” ازدادا شرذمة، وحالة الشعب في تردٍّ مُتسارع، والمجتمع السوري في تقسيم مُتزايد، وسلطات الأمر الواقع تزداد تسلّطاً وسيطرة على أماكن حكمها، واللاجئون السوريون يزدادون قهراً ويسامون أبشع أنواع الانتهاكات والإذلال في دول الجوار، آخرها ما حصل ويحصل معهم في تركيا، الدولة التي يعدّها جزء من الشعب السوري “الشقيقة”، مثلما عدَّ جزء آخر إيران دولة “شقيقة”. لا أفهم، وربّما كثيرون مثلي لا يفهمون معنى تحريف اللغة، وإلباس المفاهيم التي تحملها كلمات لا تحتمل التأويل، فمن أين هاتان الدولتان شقيقتان لسورية، وكيف؟… في الواقع هما الاثنتان لعبتا دوراً سيئاً في قضية الشعب السوري ومصيره، كلّ واحدة منهما بحسب أجندتها ومصالحها، ولم تكن واحدة منهما تضع مصلحة الشعب السوري في أولوياتها.

أما روسيا، فتلك حكاية أخرى، روسيا التي لم تفتح حدودها في وجه السوريين الذين يدفعون ثمن الحرب التي كانت إحدى أدواتها الرئيسية وما نجم عنها، إن في المناطق التي دعمت تدخّلها أم في المناطق التي قصفتها طائراتها، وفي الوقت الذي يعاني فيه السوريون في الداخل الواقع تحت سيطرة النظام أشكال الفقر والجوع وانعدام الرعاية الصحية والكهرباء والوقود، وغيرها من أبسط مقوّمات الحياة، لم تتدخّل روسيا، ولا إيران قبلها، لمساعدة الشعب السوري، في الأقل تعويضاً عن الخسارات الفادحة التي سبّبتها الحرب الضالعَان فيها من أجل مصالحهم وليس مصلحة الشعب السوري.

في موسكو، يوم الأربعاء الماضي (24 يوليو/ تمّوز)، يقول بوتين للأسد: “أنا مُهتمّ للغاية برأيك حول كيفية تطوّر الوضع في المنطقة ككل. للأسف، هناك ميل نحو التصعيد، وهذا يُؤثّر بشكل مباشر في سورية”. هذا صحيح، فالحرب بين روسيا والولايات المتّحدة، وحليفتها أوروبا، تنعكس في سورية، فسورية ساحة صراع تُصفّى فيها حسابات لنزاعات بعيدة، والشعب السوري يترقّب، كغيره من شعوب العالم، ويتابع الحراك الانتخابي في الولايات المتّحدة، بانتظار أن يتكهّن ماذا يُخبّئ له الغد بالنسبة إلى منطقتنا والصراع الدائر فيها، وهل من الممكن أن يُسوّى الوضع في سورية والشروع في عملية سياسية إذا لم يكن لأميركا رأي ويد في هذه العملية؟

أما ما قاله الرئيس السوري للرئيس الروسي فهو: “بالنظر إلى كلّ الأحداث التي تجري في العالم أجمع، وفي المنطقة الأوراسية اليوم، اجتماعنا اليوم يبدو مُهمّاً لمناقشة كافّة تفاصيل تطوّر هذه الأحداث، ومناقشة الآفاق والسيناريوهات المُحتملة”، هو صحيح، من حيث المبدأ، فإنّ لسورية علاقة بما يحصل، إنّما ليست علاقة فاعلة، إنّما علاقة انعكاسية. فمن أين لسورية أن يكون لها هذا الثقل والأهمية في صناعة القرار السياسي العالمي، وفي التدخّل بالأحداث والصراع انطلاقاً من موقعها ومصالحها؟ لو كانت بهذا الحجم والأهمية الذاتية لكان من الممكن القبول، أمّا أنّها مُقسّمة وتحت احتلال أربعة جيوش في الأقلّ، ومستباحة السيادة، فهذا يُؤكّد استحالة حلّ أزمتها من دون نهاية الصراعات العالمية، ومنها الحرب الروسية في أكرانيا ومُخرَجاتها، ويبدو أنّها تتحضّر لمراحل أخرى من التصعيد بازدياد الدعم الغربي لأكرانيا، وازدياد التسلّح في أوروبا، في وقت ما زالت فيه روسيا هي الأقلّ خسارة، إذا لم نقل الرابحة، ففي الحروب لا أحد رابح.

لهذه الزيارة علاقة بالترتيبات المطلوبة من أجل إنجاح التقارب التركي السوري، وهذه رغبة موسكو الأكيدة، التي يُرحّب بها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، على الرغم من التصريحات والأخبار التي أعلنها بيان الكرملين وموقع سبوتنيك، وغيرهما، فقد أشار بوتين، بحسب “سبوتنيك”، إلى أنّه “سيتم مناقشة العلاقات الثنائية، والوضع في المنطقة الذي يميل إلى التصعيد”، وأنّ الطرفَين سيبحثان العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا وسورية، لافتاً إلى أنّ هناك كثيرا من القضايا والأسئلة المطروحة حولها. ونقل الموقع نفسه أنّ الرئيس بشّار الأسد قال: “إنّ البلدين مرّا باختبارات صعبة خلال العقود الماضية، حيث استطاعت موسكو ودمشق المحافظة على هذه العلاقات على مستوى من الثقة”، مشيراً إلى أن ذلك “يؤشّر بشكل واضح على نضج هذه العلاقة بين البلدين”.

أمّا الشعب السوري فلم تعد الأخبار والجولات الديبلوماسية والسياسية تسدّ جوعه إلى الرغيف والماء والكهرباء، والأمن والأمان، ومستقبل الأبناء، والحلم باستعادة جزء يسير من حياته، ولم تعد تحميه من القهر والذلّ ووصمة اللاجئين غير المرغوب فيهم، لقد شبع حرباً وصموداً وممانعة ووعوداً. الشعب السوري لم يعد يطمح بأكثر من عودة حياة بعيدة عن الحرب، وتركه يختار حياته ومن يمثّله في إدارتها وصنع قراراته، بعدما غُيّب عنها عقوداً عديدة.

الشعب السوري مخذول من ممثّليه الذين سطوا على قراره ومصيره، من الأطراف كلّها، التي سعت في أدائها وسياساتها لإرضاء الجهات الداعمة لها، ووضعت نفسها في مكان اليد الفاعلة في الأرض نيابة عنها، لقد استثمروا في حَراك الشعب السوري، وحرفوه عن مقاصده المُحقّة والنبيلة. خذلته المُعارَضة وخذله النظام، ومطلوب منه اليوم أن يلبس ما يفصّلونه برعاية الأطراف التي احتلّت جيوشها البلاد، وسطت على السيادة السورية.

 

* كاتبة وروائية سورية

المصدر: العربي الجديد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.