الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

نقد الفكر القومي البعثي – ياسين الحافظ

معقل زهور عدي

العقلانية السياسية:

بطريقة معاكسة على طول الخط لمضمون الفكر القومي الايديولوجي الرومانسي البعثي , يشرع ياسين الحافظ في نقد لاعقلانية ذلك الفكر الذي احتكر السياسة في سورية في الستينات , نقرأ في كتابه : ” اللاعقلانية في السياسة العربية” الآتي :

” العقل الانساني واحد , الثقافة إرث مشترك لجميع الشعوب , والعالم توحد ويتوحد رغم الطابع التناقضي في وحدته ,والشعب العربي جزء من هذا العالم الذي يتحرك للخلاص , لاشك أن ثمة خصوصية عربية ما , نجمت عن سيرورة التطور التي مر بها المجتمع العربي , لا عن جوهر مطلق معلق فوق التاريخ “

تلخص الفقرة السابقة النظرة الواقعية للخصوصية العربية , هنا لم تعد تلك الخصوصية ” ذات رسالة خالدة ” لم تعد أمة فوق الأمم , أمة متميزة بمعنى الفوقية , هي خصوصية جاءت من سيرورة تاريخية , هذه السيرورة تضمنت الإزدهار والركود والتقهقر , نحن الآن مازلنا في التأخر , ومن أجل أن نتقدم علينا أن نعترف بتأخرنا , وأن نتعلم جوهر التقدم , مفتاح التقدم , ليس على صعيد التقنيات فقط , لكن على صعيد الفكر , وذلك لايمكن إحرازه بدون تمثل التقدم الذي أحرزه الفكر الانساني خلال الفترة التاريخية السابقة .

الرومانسية والميتافيزيقية في الفكر السياسي تحمل معها الانحرافات نحو التعصب , في مكان ما تصبح بديلا عن العقلانية , وقد تنحدر نحوالفاشية ” الرسالة الخالدة ” تعني ” أمة خالدة ” وذلك يحتاج لقائد خالد ! الخلود هنا يكتسح الموقف ومن يحمل تلك الرسالة ” الخالدة ” ( الحزب مثلا ) لايمكن أن يوضع على سوية واحدة مع باقي الأحزاب .

يرى ياسين الحافظ أن عبد الناصر قد فتح بداية للعقلانية العربية فهو قد ناضل لنقل السياسة العربية من الرغبات والمطلقات والمسبق إلى الإحساس بالزمن والصيرورة إلى اعتبار الوقائع والتراكم , مالم يقله ياسين أن عبد الناصر في عقلانيته أيضا نقل السياسة من مرجعياتها الضيقة إلى مرجعياتها الأوسع في النظر لمصلحة الأمة . والعقلانية هنا لاتظهر فقط كتجليات لطريقة التفكير لكنها تظهر بوصفها فهما صحيحا لوظيفة السلطة باعتبارها ممثلة لمصالح الأمة .

هذا الميل لدى ياسين الحافظ للناصرية كتيار ضمن الفكر القومي بعيدا عن الفكر القومي البعثي لايعفي الناصرية من النقد :

في مكان آخر يذكر ياسين أن الإنتكاسة في السياسة المصرية بعد عبد الناصر عائدة أيضا إلى افتقار نظامه لطبقة سياسية حديثة في الحقيقة ذلك يعكس فوات المجتمعات العربية وتأخر الفكر العربي .

الطبقة السياسية الحديثة لاتنزل من السماء , هي ناتج فكر متقدم , وحياة سياسية غنية .

السياسة العربية تعيش بمعزل عن المجتمع إلى حد كبير سواء كانت سياسة الحاكم أم سياسة المعارضة .

بالتالي لإنتاج سياسة عقلانية لابد من التفكير بنقل العقلانية للعقل الجمعي العربي , أن تذهب النخب للمجتمع بدل أن تذهب للسلطة تاركة المجتمع ليسير خلفها في حين أنه يزداد انفصالا عنها في الواقع .

ليس من الصعب إدراك المسافة التي قطعها الفكر القومي العربي بعيدا عن ” القومية البعثية ” على يد الياس مرقص وياسين الحافظ كما لم نذكر هنا كلا من جمال الأتاسي وعبد الكريم زهور عدي ضمن ذلك التيار القومي العربي العقلاني .

إن أي موقف تجاه الفكر القومي العربي لايأخذ بالحساب التحولات الأخيرة الهامة التي أضافها إليه هذا التيار سواء على صعيد النقد أو إضافة موضوعات مركزية كالديمقراطية والليبرالية هو موقف لايتسم بالموضوعية , هكذا فلابد في قراءة تحولات الفكر القومي من استعادة المراحل التاريخية التي مربها , وعدم التوقف عند مرحلة معينة وإخراجها من سياقها التاريخي ثم تجريدها معرفيا واعتبار الفكر القومي العربي كيانا صلبا نهائي التكون خارج التاريخ .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.