الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

للأتراك مصالحهم وللسوريين أيضًا

 أحمد مظهر سعدو

تحوم مسألة التطبيع بين النظام السوري والحكومة التركية تباعًا، منذ ما يزيد عن سنة ونصف مضت، وتتحرك المبادرات والوساطات واحدة إثر أخرى، وتتوالى الاجتماعات من موسكو إلى قاعدة (حميميم)، إلى بغداد، وتنتقل الوساطة من أيدي الروس (بعد أن تعثرت فيما سبق) إلى اليد الحكومية العراقية، المهيمن عليها إيرانيًا، منذ أن سقطت بغداد عام ٢٠٠٣ على يد الأميركان، وانزاحت السياسة في العراق نحو تبعية الأميركان، والارتماء بأحضان الإيرانيين.

ومع أن متابعة المفاوضات واستمرارها بين الأتراك والنظام السوري، كانت ومازالت محاطة ومنجدل واقعها بجملة مصالح ومتغيرات، لا يبدو أن الظروف والمؤشرات توحي بتحركها إيجابًا لصالح وصل ما انقطع بين الطرفين، إلا أن إلحاحية المصالح التركية، وكذلك مصالح حكومة نظام الأسد، قد ساعدت وهيأت الظروف من جديد نحو جولات أخرى من المفاوضات في بغداد، توخيًا لتحقيق البعض من تلك المصالح الاقتصادية والسياسية، التي ما انفكت تضغط باتجاه تحقيقها، ولعل الأهم بالنسبة للأتراك اليوم هو ثلاثة محاور أو محددات، منها الأمن القومي التركي المهدد دائمًا في ظل وجود منظمة ال (ب ك ك) الإرهابية، على امتداد شمال شرق سورية، حيث تسيطر (قسد) وتوابعها، وهي تشكل بالضرورة همًا وقلقًا لا ينقطع بالنسبة للأتراك، تحاول تركيا حلحلته عبر العسكريتاريا تارة، أو عبر السياسة تارة أخرى .كما أن الهم الآخر بالنسبة للأتراك، كان إشكالية وجود ما ينوف عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري تحت الحماية المؤقتة، مع ما يشكله ذلك من خاصرة رخوة تحاول أن تنال منها بعض قوى المعارضة التركية، وقد حققت بعضًا منها في انتخاباتها البرلمانية والرئاسية السابقة، وكانت الأكثر خطورة الانتخابات المحلية، التي تمكنت عبرها المعارضة أن تحقق الكثير من التقدم السياسي في صناديق اقتراع البلديات أو المحليات. وهو ما يدفع الحكومة التركية/ حكومة العدالة والتنمية لأن تعمل جاهدة على إيجاد حل، أي حل، لحالة تضخم وجود السوريين على أراضيها. علاوة على ذلك فإن الوضع الاقتصادي التركي الصعب واستمرار الهبوط التدريجي في قيمة الليرة التركية، جعل الحكومة التركية لا تلوي على شيء في البحث عن مخرج ما، سواء عبر فتح طرق تجارة الترانزيت، أو سوى ذلك، إنقاذًا لليرة التركية من التدهور، يساهم في وقف حالة التأرجح والتراجع، وتواصل صعود مؤشر التضخم في السوق التركية، الذي أدى ويؤدي أيضًا إلى مزيد من انفضاض أنصار وحاضنة حزب (العدالة والتنمية) الحاكم عن قياداته.

لكن السؤال يبقى دائمًا: هل بإمكان النظام السوري المتهالك والمفكك الذي حول سورية إلى حافة الدولة الفاشلة، أن يعطي الأتراك ما يريدون، مقابل الانسحاب العسكري التركي من الشمال السوري؟ كل المؤشرات تبين أن نظام الأسد لم يعد يملك قراره السيادي، ولا هو بقادر على إعادة اللاجئين السوريين، وهم بالملايين، خاصة أنه اليوم يعجز عن حل مشاكل معيشية لمن هم تحت سيطرته، في المناطق التي يسيطر عليها، وهو أيضًا غير قادر بالضرورة على الوصول إلى الحدود التركية شمال شرق سورية، أو نزع سلاح (قسد) في ظل وجود القواعد الأميركية الحامية لهذه التشكيلات، لما يسمى إدارة الحكم الذاتي، والمقبلة قريبًا جدًا على إنجاز انتخابات محلية، قد تفضي إلى انفصال مناطق شمال شرق سورية عن الوطن السوري، وتحقيق الحلم الكوردي المفترض بدولة منفصلة ومقتطعة من سورية.

كما أن نظام الأسد لم يعد يسيطر على الممرات والطرق التجارية التي تصل بين الحدود التركية وحدود الأردن، وهو مازال يعيش حالة من الفلتان الأمني، وعدم القدرة على الإمساك بمفاصل الدولة، حيث تعبث عصاباته المنفلتة من عقالها، بكل شيء، وتشبح وتمارس كل أنواع الفساد والإفساد، بدءً بالكبتاغون، وانتهاء بتسيير أي قوافل ترانزيت نحو الحدود، بدون أن تتعرض للنهب والسرقة.

ذلك وسواه سيمنع بالضرورة أية عمليات تطبيع أو تفاهمات بين الأتراك والنظام السوري، فضلًا عن  أن الولوج في العملية السياسية من قبل النظام السوري من جديد، باتت بعيدة كليًا عن القبول أو التطبيق، وهو الذي سبق وأن سوَّف وأجل وماطل طيلة أكثر من ثماني جولات للجنة الدستورية، دون تحقيق أي خطوة، أو الاتفاق على صياغة جملة دستورية واحدة، بمعنى أنه لن يقبل بعودة المعارضة أو الدخول معها في مفاوضات جدية، من الممكن أن تفضي إلى شيء، وهو الذي كان ومازال يعتمد سياسة العسكرة والحل الأمني، ولم ولن يؤمن بالحوار السياسي مع من لا يعتبرهم معارضين، بل (إرهابيين) فكيف له أن يسير مع خطوات تطبيعية تركية تساوقًا معها لإنجاز الحل السوري الذي يؤدي إلى  تطبيق القرار ٢٢٥٤.

وتبقى المسألة الأساس أننا ندرك تمامًا أن للأتراك مصالحهم وسياستهم وبراغماتيتهم، وهذا حقهم الطبيعي في العمل السياسي الوطني التركي، لكن لابد من القول أيضًا أن للسوريين أيضًا مصالحهم وأهدافهم وغاياتهم وأحلامهم، وهم الذين ضحوا بما يزيد عن مليون شهيد، وتحملوا تبعات تهجير ما يزيد عن نضف الشعب السوري  بين نازح إلى الشمال السوري، أو  لاجئ إلى بلاد الله الواسعة، وقد دمر لهم نظام الأسد أكثر من ٦٥ بالمئة من البنية التحتية السورية، وسبب إعاقة أكثر من ٨٠٠ ألف انسان سوري، نتيجة حربه التدميرية على الناس، وأدخل السجون  والمعتقلات أكثر من ٩٠٠ ألف إنسان سوري، حسب تقديرات أممية،  بين معتقل ومغيب وشهيد تحت التعذيب. فهل يمكن أن يقبل الشعب السوري بإنهاء ثورة الحرية والكرامة، والعودة إلى تحت حكم النظام الطغياني الفاشيستي، حتى لو قام التركي الصديق للشعب السوري بالتطبيع معه؟

 

المصدر: سوريا الأمل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.