معقل زهور عدي
حكم الخلافة :
يناقش الكاتب في الباب الثاني موضوع حكم الخلافة , وحسب رأيه فالخلافة ليس واجبة شرعا لعدم ورود نص صريح بها في القرآن والسنة , أما ما قيل عن الإجماع حول وجوبها فلايعتبره الكاتب كافيا للقول بوجوبها شرعا .
والمسألة هنا هي أن مفهوم الخلافة يتداخل مع مفهوم الحكم , وقد تطور ذلك المفهوم كثيرا حتى العصر الحالي , ولايجوز لمفكر متنور أي يهمل ذلك التطور , فالحكم أصبح جزءا من مفهوم أوسع هو مفهوم الدولة , وهناك الدستور , والقانون , ومؤسسات الدولة الحديثة التي أصبحت عامة حتى في أكثر الدول تخلفا , كالبرلمان , والوزارات , والقضاء المستقل الخ.. فكيف يمكن مناقشة موضوع الحكم خارج ذلك التطور؟
نحن نتفق مع الكاتب في أن مسألة الحكم لم تفصل في القرآن والسنة , ومعنى ذلك أنها ظلت مفتوحة لتغير الأزمنة والأمكنة , لكن المبادىء العامة التي ينبغي الاستهداء بها لم يخل منها القرآن وأهمها الشورى , كما أن ما أثر عن الخلفاء الراشدين منذ وفاة الرسول خاصة ماجاء في خطبة أبي بكر الصديق وطريقتهم في البيعة وفهمهم لطبيعة الحكم ووظيفة الحاكم والقيود عليه وشروط تنصيبه وعزله وقد سبق التفصيل في ذلك , كل ذلك يرسخ مبادىء الاسلام في الحكم . وهي مبادىء تلتقي مع المفاهيم الحديثة للدولة الديمقراطية من عدة أوجه .
كان على الكاتب أن يحرر مفهوم الحكم والدولة من مفهوم الخلافة الأضيق , وأن يتعرض لمسألة الحكم والدولة بصفتها مسألة مرتبطة بالعصر وظروف الزمان والمكان , وأن القرآن والسنة لم يرد فيهما تفصيل لتلك المسألة وأبقيت مفتوحة لكونها مسألة دنيوية في جوهرها , سوى ماكان منها متعلقا بمبادىء الاسلام وروحه ففي القرآن والسنة والخلافة الراشدة ما يكفي لانارة تلك المبادىء .
وحتى لاتبقى هناك ظلال حول الموضوع السابق فمبادىء الاسلام في الحكم هي :
أولا : أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات والحكم للأصلح . ( لافضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ..ألخ الحديث ) , ” كلكم لآدم وآدم من تراب “
ثانيا : أن الحاكم خادم للشعب مشروط تنصيبه وبقاؤه بتوكيل الشعب له ورضاه به ( العقد الاجتماعي )
ثالثا : أن تداول السلطة ينبغي أن يكون بالشورى ( وذلك يتفق مع طريقة الانتخاب في العصر الحديث ) وليس بالغلبة ولا بالتوريث .
تلك هي مبادىء الاسلام بخصوص الحكم , وما عدا ذلك فهو موضوع للدساتير والقوانين المتغيرة بتغير الزمان والمكان .
والمسألة التي حام حولها علي عبد الرازق ولم يطرقها مباشرة بسبب الالتباس الحاصل في مفهوم الخلافة هي الآتي : هل يوجب الاسلام للمسلمين أن يكون لهم حاكم واحد في جميع أقطارهم ؟
والجواب على ذلك أن القرآن والسنة لم يوجبا ذلك , وأن ماقيل عن الاجماع مشروط بالعصر والزمان والمكان , فاجماع علماء الصحابة حين كان الاسلام محصورا في الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق لايوجب المسلمين اليوم والاسلام منتشر في كل بقاع العالم وتحت دول مختلفة في اللغة والثقافة وذات تنوع عرقي وديني .
ذلك عصر وهذا عصر آخر , فما معنى أن يكون لمسلمي الهند البالغ نسبتهم 10% من نسبة اجمالي السكان خليفة يطيعونه في دينهم ودنياهم ويأتمرون بأمره في السياسة والاقتصاد والدين وهو بعيد عنهم آلاف الكيلومترات في دولة أخرى ذات هموم اجتماعية واقتصادية مختلفة وثقافة ولغة وتاريخ مختلف ؟
والحقيقة أن عصر الخليفة – الحاكم قد سقط بالفعل بعد سقوط الدولة العباسية وربما قبل ذلك حين استقلت فعليا اقاليم مصر ( الفاطمية ) وخراسان ,بلاد الشام ( الحمدانيون والفاطميون ) حتى العراق ( الدولة السلجوقية ) ولم يبق للخليفة سوى بغداد .
أما الدولة العثمانية التي ينظر اليها كوريثة للخلافة الاسلامية , فقد كانت امبراطورية عالمية تركية وراثية تحت راية الاسلام , في مرحلة الامبراطوريات العالمية ماقبل القومية , كالامبراطورية النمساوية , والامبراطورية الروسية , وغيرها . وقد تفككت جميع تلك الامبراطوريات ونشأت داخلها الدول القومية الحديثة .
يمكن تصور هيئات عالمية لاجتماع المسلمين , بوظائف دعوية و ثقافية ودينية وأخلاقية – تربوية , لكن لايمكن تصور هيئة سياسية تحكم المسلمين في كل أنحاء العالم وتنظم شؤون حياتهم كما كان العهد بالخليفة – الحاكم أيام صدر الاسلام , والتفكير بذلك هو بالحقيقة ضرب من الخيال .
لايمكن للمرء لوم الشيخ علي عبد الرازق كل اللوم لعدم توضيحه الفكرة السابقة, فعصره وظروف مصر والمنطقة لم تكن تسمح بوضع الفكرة في اطارها السابق , لكن ذلك لايمنع من القول ان من الضروري اليوم التفصيل في المسألة السابقة التي طرح علي عبد الرازق جانبا منها ولم يتمكن من معالجة الجانب الآخر بالوضوح الكافي .