معقل زهور عدي
آراء أوربية حول مفهوم القومية
يورد الحصري تعريفات أوربية متعددة للقومية , أشهرها : تعريف ماتشيني الايطالي للأمة في منتصف القرن التاسع عشر:
” الأمة مجتمع طبيعي من البشر يرتبط بعضها ببعض بوحدة الأرض والأصل والعادات واللغة …من جراء الاشتراك في الحياة وفي الشعور الاجتماعي “
ربما كان ذلك التعريف هو الأضيق والأكثر تشددا فهو يشترط لنشوء الأمة – وهنا ينبغي الانتباه إلى أن الحصري يستخدم مفهومي الأمة والقومية كمترادفين – الأرض بمعنى الوطن الواحد المستقر واللغة والأصل والعادات والاشتراك في الحياة والشعور الاجتماعي .
ووضع الأصل كشرط للأمة يخفض كثيرا من قيمة ذلك المفهوم , فليس هناك شعب لم تختلط دماؤه بشعوب أخرى عبر التاريخ بل يعطي للقومية صفة عنصرية تمهد لنزعة شوفينية لم يعد يحتملها العصر .
أما في ألمانيا مهد الفكرة القومية فقد نظر المفكرون الألمان لمكونات القومية باعتبارها ترتبط بصورة رئيسية باللغة , فاللغة ليست فقط وسيلة للتواصل البشري ولكنها وعاء الثقافة بمعناها الأوسع , إنها أداة صنع الوعي والشخصية لدى الشعب , فالألماني هو من يتكلم الألمانية سواء كان تحت حكم دولة ألمانية أو واقعا تحت الحكم الفرنسي كما في مقاطعتي الالزاس واللورين , ولا يهم بعد ذلك لا المذهب ولا الاقتصاد ولا أي شيء آخر .
يعرف فيختة المفكر الألماني ” الأمة الألمانية ” بأنها جميع من يتكلم الألمانية لكنه لم يعرف الأمة بشكل عام وهنا لابد من التوقف قليلا .
لماذا لم يعرف فيختة الأمة بصورة عامة ؟
ببساطة لأنه كان مقتنعا أن مفهوم ” الأمة ” الذي يرادف القومية حسب الحصري والذي يكون الأساس للقومية حسب رأينا من الصعب تجريده تماما .
فالأمة الألمانية تعني شيئا مختلفا عما تعنيه الأمة الفرنسية , ومن حق الفرنسيين تعريف الأمة لديهم حسب معطياتهم التاريخية الاجتماعية السياسية , فالدولة الفرنسية نشأت موحدة منذ القرن الخامس الميلادي وبقيت على ذلك الحال حتى العصر الحديث فتمتعت بوحدة الأرض ووحدة اللغة ووحدة الدولة إذا لم نرغب باعتبار الأصل الجرماني أيضا وهكذا تتطابق الأمة الفرنسية مع مفهوم ماتشيني الايطالي .
يذكرنا فيختة بطريقة غير مباشرة بإشكالية مفهوم الأمة , هذه الاشكالية التي مازالت قائمة حتى اليوم , والتي تصنع من مفهوم الأمة لماتشيني الايطالي حالة خاصة وليس مفهوما تجريديا عاما يمكن تعميمه حتى على النطاق الأوربي .
يتوقف الحصري عند تعريف ماتشيني للأمة باعتباره التعريف العلمي الأقدم االذي ظهرعام 1851 والذي كان الأكثر انتشارا وتأثيرا في اوربة كما يبدو , حيث ساهم في منح الحركات القومية قوة حقوقية في مواجهة الدول والحكومات التي كانت تمد سلطتها على أكثر من قومية , كما ثمن الحصري الجانب العلمي في تعريف ماتشيني في قوله ” الأمة مجتمع طبيعي من البشر ” بمعنى أنها تنشأ وتتطور بمعزل عن الإرادة الإنسانية فهي ليست جماعة مصطنعة , لكن كونها كذلك يعني أيضا أنها معرضة للنمو كما هي معرضة للانحسار والتقلص بخروج جماعة منها وانفصالها بأمة مستقلة وهذا مالم ينتبه الحصري إليه على أهميته .
ينتقد الحصري فكرة الأصل الواحد كما أسلفنا ويسقطها من العوامل التي تشكل الأمة , ويستبدل بها الثقافة المشتركة المبنية على أساس اللغة فهي التي تنقل روح الأمة وهكذا تنمو الأمة وتتوسع لتضم شعوبا ذات أصول مختلفة , وينقل رأي المؤرخ بن خلدون حين تحدث عن ” نسب الولاء ” بجانب نسب الرحم .
يعرض الحصري رأيه في شطب عامل الأصل الواحد من مكونات الأمة واستبداله بالتاريخ المشترك , لكن فكرة التاريخ المشترك تبدو لي إشكالية أيضا , فبيننا وبين الأتراك تاريخ مشترك امتد لأربعمئة عام لكنه لم يترك أي تأثير في الفارق بين العرب والأتراك من حيث الهوية فبقي العرب عربا والترك تركا , ومثل ذلك يمكن أن يقال عن التاريخ المشترك بين العرب والفرس , وبين الأتراك والقوميات المتعددة في البلقان من بلغار والبان ويونان وصرب وغيرهم , فالتاريخ المشترك يمكن أن يترك آثارا هنا أو هناك لكن من غير الممكن اعتباره مكونا من مكونات الأمة أو القومية .
أهم الآراء الأوربية في عوامل نشوء القومية :
أولا : ” النظرية الألمانية ” : وترى أن أساس نشوء القومية هو ” وحدة اللغة ” وقد ظهرت تلك النظرية في ألمانيا مطلع القرن التاسع عشر وانتشرت من هناك إلى عموم أوربة . وأشهر آبائها هو فيختة .
ثانيا : النظرية القائلة إن أساس نشوء الأمة هو “الإرادة” أو بعبارة أخرى ” مشيئة المعيشة المشتركة “
وقد نشأت هذه النظرية في فرنسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأشهر آبائها هو أرنست رينان .
ثالثا : نظرية الماركسيين الروس التي تعتقد أن الأمة تقوم على أربعة أعمدة وحدة الأرض ووحدة الثقافة ووحدة اللغة والحياة الاقتصادية المشتركة .وقد عرضها ستالين قبل الحرب العالمية الأولى .
رابعا : هناك نظرية تستتبع مفهوم الأمة بمفهوم الديانة وتعتبر وحدة الدين أس الأساس في تكوين الأمة .
هكذا بسط الحصري أشهر النظريات في تكون الأمة .