باتريك مازا*
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
قبل بضعة أسابيع كنت أتحدث مع صديق قديم؛ مؤيد قديم لفلسطين كان قد ثقّفني حول هذه القضية. وكان متشائمًا للغاية بشأن ما يحدث هناك: الذبح، الجوع، المرض، وعجزنا الظاهر عن إيقاف كل هذا، حتى أنني اضطررت إلى الرد ببعض الأفكار الموازِنة. ولأنني أشعر بالشيء نفسه، كان علي محاولة إضفاء بعض التوازن ببساطة للتعامل مع الموقف.
ويتعلق الأمر بهذا الوضع بالتحديد. من أحلك المواقف يأتي النور. قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كانت القضية الفلسطينية قد ماتت في جميع أنحاء العالم. وكان من شأن تطبيع إسرائيل علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى في العالم الإسلامي في ذلك الوقت أن يدق المسامير الأخيرة في نعشها. ولك أن تقول ما تريد حول ما فعلته حماس -أصبح موثقًا أن العديد من القتلى المدنيين الإسرائيليين في الهجوم سقطوا على أيدي الجيش الإسرائيلي وأن معظم الفظائع التي نسمع عنها، إن لم يكن كلها، هي محض افتراءات- لكن القضية الفلسطينية أصبحت الآن في مقدمة الوعي العالمي بطريقة لم تكن عليها في أي وقت من قبل. وقد امتلأت شوارع العالم بالمتضامنين. وانتشرت مخيمات المناصرة في حرم الجامعات في كل مكان. ويجري انتقاد وتوبيخ الشخصيات السياسية القوية خلال ظهورها العلني. واضطر قادة الدول الإسلامية الذين يخشون شعوبهم الغاضبة إلى التراجع عن التطبيع.
كشف ما حدث في غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الحقائق الوحشية للاحتلال التي عانى منها الشعب الفلسطيني منذ وقت طويل. وحتى قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كان عدد قياسي من جرائم القتل الإسرائيلية ضد الفلسطينيين قد وقع بالفعل في الضفة الغربية في العام 2023، في حين كان المستوطنون المدعومون من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة منخرطين في حملة لا تلين لسرقة الأراضي الفلسطينية. وكان المسجد الأقصى؛ ثالث أقدس موقع في الإسلام، يتعرض للغزو المنتظم من المستوطنين، بهدف هدمه لبناء هيكل جديد. وكان العالم يتجاهل كل هذا. والآن لم يعد هذا التجاهل ممكنًا. ومن الواضح أن حماس قامت بإجراء هذه الحسابات مسبقًا، وأنها تعلم من الإجراءات الإسرائيلية السابقة ما سيحدث بالضبط، والثمن الباهظ الذي سيدفعه شعبها. ولأنني لا أعيش في الظروف نفسها التي يعيشونها، فإنني لست في وضع يسمح لي بالحكم عليهم. لكنني أعرف فقط أننا نتحدث عن فلسطين الآن، ومعظمنا لم يكن يفعل ذلك من قبل. وقد عبرتُ عن كل هذا لصديقي، وقال أنه ساعدَه.
ولكن هل سيكون جلب الضوء كافيًا؟ هل أوقف عمليات القتل؟ هل أعاد فتح الحدود أمام المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات اللازمة؟ هل تغيرت السياسة الإسرائيلية؟ لا. ليس بعد. ثمة قوى قوية قيد العمل الآن، في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. ويحزنني ما أراه في الثقافة الإسرائيلية، وكيف أن تجريد الآخر من إنسانيته وممارسة العنصرية ضد شعب سامٍ قد تغلغل بعمق وتسبب في مثل هذا الدعم واسع النطاق لتدمير غزة. إنه شيء يتعارض تمامًا مع تقاليد اليهودية التي وضعت اليهود في طليعة العديد من النضالات من أجل العدالة، بما في ذلك معارضة الإبادة الجماعية في غزة.
لتحريف الثقافة الإسرائيلية جذور في تشكيل الدولة، وطبيعة التهجير في مشروع استعماري استيطاني. ومع ذلك، يبدو أنه كان من الممكن العثور على طريق أكثر اعتدالاً؛ نوع من التسوية التي كان من شأنها أن تتيح للناس العيش جنبًا إلى جنب في سلام نسبي.
ولكن في نهاية المطاف، وهذا ما يؤكده معارضون يهود إسرائيليون مثل جدعون ليفي، سيكون الضغط من الخارج فقط هو الذي سيجبر إسرائيل على التغيير. وهذا يعني الضغط من الأمة التي يُعتبر دعمها حاسمًا لاستمرار إسرائيل، الولايات المتحدة. وقد أدى بناء المستوطنات إلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويجب أن يكون الحل نوعًا من حل الدولة الواحدة التي يتمتع فيها الجميع بحقوق متساوية “من النهر إلى البحر”. وإذا كان هذا يبدو غير واقعي تمامًا في ظل الظروف الحالية، فعلى المرء أن يتساءل فقط عما إذا كان استمرار المسار الحالي سيكون أكثر واقعية. ومن المؤكد أنه سيؤدي إلى استمرار تدهور إسرائيل نفسها، التي أصبحت تعاني فعلياً من تدفق السكان إلى الخارج ومن التدهور الاقتصادي. ويجعل حرمان الفلسطينيين من حقوقهم يهود إسرائيل أسرى للوضع أيضًا بالقدر نفسه.
إن الدور الحاسم للولايات المتحدة هو السبب في أن الجهود المبذولة في هذا البلد لتسليط الضوء على ما يحدث في غزة هي أمر بالغ الأهمية. سيكون تغيير موقف الولايات المتحدة هو السبيل الوحيد لفرض الحل. ولكن، وكما هو الحال مع العديد من المواقف الأخرى، فإننا نواجه قوة اللوبي الإسرائيلي والدعم عميق الجذور للصهيونية في المراتب العليا. ومن دون المعارضة المنظمة التي شهدناها للإبادة الجماعية في غزة، لم نكن لنسمع حتى الخدمة الشفهية التي يقدمها سياسيونا لهذه القضية. لكن من الواضح حتى الآن أن هذا لا يكفي. مثل العديد من أمثال صديقي، أعاني من مشاعر العجز أمام الإبادة الجماعية المستمرة التي يمكن أن تكون شبه معوقة. وهذا يقودني إلى التفكير الأساسي في ما يمكننا القيام به عندما يبدو أن القوى المتحكمة تضع قفلًا على الموقف. إن قوتنا في هذا الموقف هي أن نشهد، وأن نشعل الضوء، وأن نقول الحقيقة حيث يمكننا تمييزها.
أما إذا كان هذا سيكفي في النهاية، فلا أحد يمكن أن يعرف. ولكن، في بعض الأحيان يكون هذا هو كل ما يمكنك القيام به، وما يجب علينا فعله للحفاظ على كرامتنا كبشر. إذا كان ثمة أي مخرج من هذا الظلام، فإنه إشعال الضوء.
*باتريك مازا Patrick Mazza: صحفي تقدمي وناشط في مجال حقوق الإنسان، ومحلل ومنظم، مع التركيز على الاستدامة البيئية على نطاق واسع. خلال خبرته التي تزيد على 30 عاما، عمل باتريك في الحفاظ على الغابات والمدن المستدامة والطاقة النظيفة. وهو مؤسس ومدير أبحاث سابق لحلول المناخ.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Shining the Light on Gaza
المصدر: الغد الأردنية/(ذا ريفِن)