ينفطر القلب، ويعتصر ألمًا، كلما التقينا بأسر المعتقلين السوريين، زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم، الذين يعيدون ذكريات معتقليهم ويفقؤون العيون بالحديث عما وصلت إليه أمور ومحددات وتحركات قضية المعتقلين السوريين والمغيبين قسريًا، وسط هذا الصمت المطبق من قبل كل تلاوين المعارضة السورية السياسية والعسكرية.
وهذا ما يجعل مسألة إعادة تحريك وإثارة هذه القضية من جديد، همًا أساسيًا وجديًا مفترضًا لكل السوريين بكافة إثنياتهم وطوائفهم، من ذوي المعتقلين ومن كل محافظات سوريا وأريافها.
إذ إن قضية المعتقلين والمغيبين المنسية، لابد أن تكون قضيتنا جميعًا، وأي إهمال أو تخطي أو تجاوز لهذه القضية يمكن أن يصنف أو يعتبر بمثابة التخلي والخذلان عن أناس ضحوا بأنفسهم من أجل أن تحيا سوريا، والثورة السورية، عندما قرروا المشاركة في ثورة الحرية والكرامة مطلع 15 آذار/ مارس 2024، ومن ثم انحيازهم لقضايا الشعب السوري العادلة في إقامة دولة المواطنة وسيادة القانون، وهو الذي حمَّلهم مسؤولية الألم المضني والاعتقال والقمع، ومنهم من استشهد في سجون الطغيان الأسدي حسب قضية قيصر التي أحصت عشرات الألوف من الضحايا في هذه القضية التي أُطلق عليها اسم (قيصر) والحقيقة أنها لا تشكل إلا النذر اليسير والقليل من حجم المأساة الكبرى، التي تعتقد بعض منظمات أممية حقوقية أن عديد المعتقلين السوريين منذ 15 آذار/ مارس وحتى الآن قد تجاوز عتبة ال 900 ألف معتقل، منهم من استشهد تحت التعذيب، ومنهم من خرج من المعتقل، وآخرون يعدون بمئات الألوف، مازالوا قيد الاعتقال ضمن ظروف حياتية أشد قساوة من أي ظروف أخرى يعيشها السوريون خارج جدران السجون.
ونعود للقول ماذا فعلت وتفعل المعارضة الرسمية السورية بكل تشكيلاتها من أجل هؤلاء المعتقلين والمغيبين؟ وماذا تفعل تلك الدول التي مازالت تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري؟ وكيف يقبل من لديه أي ضمير إنساني في استمرار حالة الاعتقال والقمع والتعذيب لفترة زمنية فاقت أكثر من ثلاث عشرة سنة، ومازال الاعتقال مستمرًا ومازال المجرم طليقًا.
ولعل الاجابة على هذا السؤال تستدعي القول: إن عبث المعارضة السورية في هذه المسألة الحساسة والمهمة لكل السوريين مازال سيد الموقف، ومازالت قضية المعتقلين موضوعة على الرف لديها، بينما تذهب هذه المعارضة نحو ملفات أقل قيمة، وأدنى مسؤولية، كقضية اللجنة الدستورية البائسة، والمعطلة منذ سنوات، ومازالت المعارضة تحبو وراءها، وتبحث عن مخارج لاجتماعاتها، التي لم تنتج أصلًا وبعد أكثر من ثماني جولات متتابعة فيما سبق، أي توافق أو تفاهم نحو صياغة أي نص أو مادة دستورية، تكون فتحًا مبينًا تنبئ في بداية جدية لكتابة لدستور السوري المبتغى.
ونجد أن أعضاء هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، مازالوا في رحلاتهم المكوكية مستمرين، والتي لا تغني ولا تسمن من جوع، ويصرون على ضياع الوقت، عبر لقاءات متتابعة مع شرائح معينة من أنساق المجتمع السوري، هي ليست من مهامهم، وليست في صلب اشتغالهم الفني المفترض، في قضية عمليات التفاوض، التي تُركت جانبًا وأصبح شغلهم الشاغل، البحث عن تمظهرات ولقاءات يفترض أن تكون من مهام قيادات الائتلاف، أو هيئة التنسيق، أو باقي منصات المعارضة.
لم يع أهل هيئة التفاوض بعد، أن لديهم ما يمكن الاشتغال به، وهو في صلب عملهم الفني التفاوضي، ولعل لقاءاتهم القليلة جدًا مع دول فاعلة ومهمة، في القضية السورية، سيكون الأفضل، فيما لو تمت المتابعة به، وإعادة الطرح والتذكير إلحاحًا على الدول الصديقة، بأهمية أن لا نترك معتقلين سوريين لسنوات طوال، في ظروف حياتية لا تصلح للبشر، بين أيدي هؤلاء الظلام والقتلة من نظام بشار الأسد، أو مليشيات إيران وتوابعها، لا يعيرون أي بال لإزهاق أرواح السوريين، ولا يهمهم أن يموت عشرات الآلاف منهم، تحت التعذيب والقهر في أقبية الاستبداد الأسدي. بينما أسر المعتقلين بمئات الآلاف، في الخارج، ينتظرون أي خبر عن أبنائهم المغيبين في سجون القهر والعسف الأسدي.
لابد من إيقاظ المعارضة السورية من غفوتها، ومتابعتها وملاحقتها يوميًا، لتحريك قضية المعتقلين، والضغط على كل الدول الإقليمية والعالمية، التي تدَّعي حماية حقوق الإنسان، وأن أرواح معتقلي سوريا مهمة جدًا لأهليهم وناسهم وشعبهم، وأنه لن يهنأ الإنسان السوري أبدًا إلا إذا خرج معتقلوهم من السجون والمعتقلات.
ولعل موضوع التوثيق الجدي والدقيق للمعتقلين السوريين، أصبح ضرورة لا تراجع عنها ولا تقبل التسويف، ويبدو أن معظم المعارضة الرسمية السورية لم تلق بالًا لهذه العملية التوثيقة الجماعية، الحقيقية، والتي من الممكن أن تفيد ضمن أية عملية تفاوضية وهي ضرورة ملحة بامتياز لإنجاز أي تقدم على هذا الطريق.
وإذا كان النظام السوري مازال مصرًا على عدم التعاطي الجدي مع مسألة إطلاق سراح المعتقلين، فإن هناك وسائل وبدائل كثيرة لابد من استخدامها معه، لتحقيق المراد، وقد يكون منها موضوع إعادة الإمساك بعناصر ذات أهمية للنظام، وقد يكون الأهم للضغط عليه، هو القبض على بعض الضباط من الإيرانيين المنتشرين على مساحات كبيرة من الجغرافيا السورية، والواقع فإن كل الطرق والوسائل باتت متاحة، من أجل إطلاق المعتقلين، لما لهذه القضية من أهمية، وهي التي طال أمدها، ولم يعد الصمت عليها ممكنًا.
وبدلًا من أن تستمر فصائل المعارضة السورية في الاقتتال البيني داخل هذه الفصائل وضد بعضها بعضا، وهي تمارس بذلك مآسي جديدة تضاف إلى مآسيها، فلتفكر بشكل جدي، كيف ستأتي بمعتقلين أو أسرى جدد للنظام ومليشيات إيران، وحرسه الثوري، الموجود بالقرب منها، وعلى مساحات ممتدة، من معرة النعمان إلى شمال حلب، ويكونون بذلك قد بدؤوا في رسم ملامح حقيقية لإمكانية إطلاق سراح المعتقلين السوريين لدى نظام الأسد.
لقد بات الضغط على الجميع لتحريك قضية المعتقلين مسؤولية مشتركة للجميع، ولم يعد بالإمكان السكوت عنها، تحت أي ظرف، ولابد من وضع الأمور في نصابها، وفضح من يناكف ويناكد من أجل محاصصات هنا، ومصالح هناك، داخل أروقة المعارضة، بينما تترك قضية المعتقلين ويترك الشرفاء من شعبنا، في أقبية الظلام والقهر الأسدي ثم نكتفي بالدعاء والفرجة والانتظار، إذ لم يعد كل ذلك مقبولًا ولا معقولًا، ولابد من التحرك من أجل من ضحى كي نعيش جميعًا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا