الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حراك السويداء في يومه ال 300: وأهمية أن يبقى سلميًا

محمد سعدو

يحتفل شباب السويداء وشيابها وحرائرها بإتمام ال 300 يوم من عمر الانتفاضة، عندما انطلق حراك السويداء الأكبر، ولمعت شرارة الانتفاضة الشعبية والاحتجاجات في جبل العرب، وهي التي ماتزال مستمرة إلى الآن، دون كلل أو ملل، في جميع ساحات محافظة السويداء وجبل العرب، ولعل أهم ساحاتها الرئيسية هي ساحة الكرامة، التي ما انفكت تتألق بجدارياتها الثورية، ولافتاتها الكاشفة لنظام آل الأسد، والمستهزئة بالدكتاتور بشار الأسد، والمطالبة بتطبيق القرار 2254 وإطلاق سراح المعتقلين ورحيل النظام.

يستمر هذا البركان الشعبي الجنوبي بصمود وصلابة متحديًا استبداد هذا النظام وقواته الأمنية والعسكرية، التي ما زالت وعلى الدوام في محاولاتها الخبيثة لاستجرار الوضع إلى الصدام المسلح، وتوريط المدنيين المنتفضين الأحرار بسناريوهات يسعى من خلالها النظام وأجهزته  إلى إحداث بلبلة، واتهام أهل جبل العرب بالإرهاب، كي يستطيع إسكات حناجر الأحرار والمحتجين، وإفراغ ساحة الكرامة بالقوة، لأخذها  كمسوغ وحجة، لفض هذه الاحتجاجات واعتقال ما يمكن اعتقاله، إن استطاع إلى ذلك سبيلًا، ، ويبدو أن أهل السويداء أدركوا خطط النظام، وكانوا بالمرصاد دائمًا لمثل هذه الأفاعيل، التي تسعى بدون أدنى شك للنيل من سلمية الحراك .

وهنا لابد أن نعلم جميعًا، (وإن لم يعجب هذا الطرح العديد من السوريين)، لكن من الأولى أن نتعلم من الأخطاء السابقة، بعدم الولوج في مثل هكذا سيناريوهات، حيث استطاع النظام من خلالها في أعوام سابقة الفتك بالأراضي السورية خارج سيطرته، واستجلاب جماعات وكيانات متطرفة دخلت جوانية الثوار، واستطاعت بالفعل العبث حتى النخاع في المجتمع الثوري، لتنقض بسطوة السلاح على أحلام الشعب السوري، في نيل الحرية والكرامة والعدالة، وهذا ما أفسح المجال للنظام مليًا، كي يوهم المجتمع الدولي والعالم، بأن الثورة باتت طائفية ومتطرفة، وبالتالي من الواجب استئصالها، وتحييد كل من ينتمي لتلك الجماعات، وعمومًا طريق السلاح لا يجلب سوى الدم والقتل والدمار، ولم ينجح هذا الطرح في كثير من الأحداث السابقة والتي كشفت حجم التشتت الكبير بين الفصائل المسلحة المعتدلة، وانشغال بعضهم بالفوضى، في حين جبهة القتال باتت فارغة .

ولعل أجهزة مخابرات النظام قد نجحت في زرع هذه الفكرة اللعينة لاصطياد حراك الثورة السلمي، الذي خرج منذ بداية ثورة 15 آذار/ مارس 2011 بأغصان الزيتون، وان كان بطش قوات النظام يستدعي إلى حمل السلاح للدفاع عن العرض والأرض لا شك، في ظل وجود وحوش قتلة استباحوا كل شيء، لكن هذه المرحلة أعتقد كانت مفصلية وخطيرة في استمرارية سلمية الثورة والتي قلبت المسألة لصالح السلطة القمعية في دمشق وبداية تطهير (المناطق الإرهابية) بحسب إعلام النظام، ممن كان يسميهم بالمندسين والدواعش وغيرهم.

وهذا ما أحدث أزمة كبيرة في الثورة، واقتتال لم يعد بمستوى محلي بل أصبح دولي ودخول جيوش دول أخرى لتقاتل إلى جانب النظام، في ظنهم أنهم يحاربون الإرهاب والتطرف، مع ظهور داعش في المشهد أيضًا، وذلك ما أساء فعلًا للثورة السورية وطعنها دوليًا وعربيًا، وهي الطاهرة النقية، البعيدة كل البعد عن كافة الارتهانات والاصطفافات.

يبقى الأمل في حراك أهل جبل العرب المنظم والشعبي المقاوم في المحافظة، المصر على سلمية هذه الاحتجاجات تحقيقًا لمصلحة الوطن والثورة، وإجهاض كل مشاريع السلطة الرامية لإنهاء هذا الحراك الذي بات يقض مضجع الأسد، ومن معه، ويؤثر بشكل من الأشكال بالضغط على المحيط العربي والدولي، بأن هناك شعب مازال صامدًا يريد التغيير والحرية ودولة ديمقراطية غير متطرفة أو طائفية، تسعى لبناء المستقبل لسورية الجديدة، الخالية من عبث عناصر الأسد ومن لف لفهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.