وفاء هاني عمر *
نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالاً للكاتب السياسي “إتش. إيه. هيلير”، يقول فيه إن نفاق السياسة الخارجية الأمريكية موضوعا لنقاش حاد داخل الغرب. وأن واشنطن تشوه سمعتها وسمعة النظام الدولي، الذي تدعي أنها تحترمه.. نعرض من المقال ما يلي:
بدايةً، يقول الكاتب أن واشنطن تشوه سمعتها وسمعة النظام الدولي، الذي تدعي أنها تحترمه، بإنكارها انتهاك إسرائيل للقانون الإنساني الدولي في غزة.
يعتقد البعض بأن النظام القائم على القواعد هو أفضل نموذج توصلنا إليه، حضاريًا للحد من الحروب والصراعات، على الرغم من أنه حافل بالثغرات.
لكن بعد غزو روسيا لأوكرانيا، في شباط/ فبراير 2022، أصبح من المُحرج القول بأن هذا النظامي حد من نشوب الحروب.
وفي ضوء مواصلة إسرائيل قصفها لغزة، مما أسفر عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين باستخدام الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة؛ إضافة إلى تقييد المساعدات الإنسانية في ظل الظروف الشبيهة بالمجاعة؛ ومثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لمواجهة ادعاءات بارتكاب جرائم حرب في غزة، إذ وجد 15 من أصل 17 قاضيًا أن هناك أساساً معقولاً لاعتبار ما يتعرض له الفلسطينيون يصل إلى مستوى الإبادة الجماعية. إذن، يمكن القول إن «النظام القائم على القواعد» أسوأ بكثير من الانتهاكات التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا. وذلك لأن أقوى عناصر الكتلة الغربية تدافع عن إسرائيل، ولا سيما الدولة التي تدعي أنها المدافع عن النظام العالمي القائم على القواعد: الولايات المتحدة.
كان نفاق السياسة الخارجية الأمريكية موضوعا لنقاش حاد داخل الغرب (بما في ذلك الولايات المتحدة) وخارجه لفترة طويلة. ومع ذلك، هناك شيء فريد ومثير للقلق في هذه اللحظة. فعندما غزا الجيش الأمريكي العراق فى عام 2003، فعل ذلك مدعياً ضرورة إيقاف الطاغية الشرير (صدام حسين)، وقدم كل أنواع المبررات القانونية لما يسمى بالأضرار الجانبية التي أحدثها الغزو.
على النقيض من ذلك، فإن الولايات المتحدة اليوم- الداعم المعلن للنظام القائم على القواعد- لا تدافع عن إسرائيل وتدعمها فحسب بل تنكر حدوث أي انتهاكات من الطرف الإسرائيلي.
ولا تزعم حكومة الولايات المتحدة حتى أن إسرائيل لها ما يبرر انتهاكاتها- كما فعلت للدفاع عن أفعالها فى العراق. لا تمل أمريكا من إنكار ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، أو على حد تعبير المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، أن وزارة الخارجية لم تجد أي حوادث «انتهكت فيها إسرائيل القانون الدولي الإنساني خلال حملتها ضد غزة.
لكن هناك العديد من الأدلة المرئية التي تثبت عكس ذلك، لدرجة أن أقرب حليف دولي لواشنطن، المملكة المتحدة، قد تلقت بالفعل نصيحة من محامين حكوميين مفادها أن إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الدولي. كما أن العشرات من جماعات حقوق الإنسان والجماعات القانونية، مثل مركز القانون الإنساني الدولي، و“هيومن رايتس ووتش”، و“أوكسفام”، إضافة إلى الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة وعدد من الدول، جميعها تقول إن إسرائيل تنتهك القانون الدولي بشكل متكرر، خلال الأشهر السبعة الماضية، بطرق مختلفة.
وفي بلدان مثل تركيا، والأردن، ومصر، وفي أمريكا الجنوبية، وشرق آسيا، وأماكن أخرى من العالم، لا يدور جدل كبير حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب هذه الانتهاكات للقانون الدولي أم لا؟. ويُؤخذ هذا الأمر كأمر مسلم به، خاصة عند النظر في الحكم الأولى الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، وانتشار المجاعة في جميع أنحاء قطاع غزة، وارتفاع عدد القتلى (الذي يتألف في معظمه من المدنيين الفلسطينيين، وعمال الإغاثة الغربيين مثل هؤلاء من منظمة «المطبخ المركزي العالمي»).
ولكن على الرغم من تزايد الأدلة المقدمة من المحققين الأمريكيين التي تدعم هذه الادعاءات وتشير إلى أن وحدات معينة من الجيش الإسرائيلي مُذنبة بارتكاب «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان»، فشلت واشنطن في تطبيق قوانين «ليهي» بشكل متسق- وهى مجموعة من القوانين تهدف إلى منع تقديم أموال الحكومة الأمريكية إلى جهات أجنبية تنتهك حقوق الإنسان.
لقد صوتت الغالبية العظمى من دول العالم لصالح قرارات وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة عدة مرات خلال الأشهر السبعة الماضية، وتم إجراء عدة محاولات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفعل الشيء نفسه؛ وفي كل مرة تقريبًا، صوتت الولايات المتحدة ضد القرارات أو استخدمت حق النقض (الفيتو).
يثير سلوك بايدن الداعم لإسرائيل قلق دول العالم- حتى المؤيدة منها لإسرائيل- خوفاً من تداعيات هذا الدعم اللامحدود على سمعة النظام القائم على القواعد. ومرة أخرى، لا يرجع هذا ببساطة إلى تصرفات إسرائيل، بل لأن بعض أقوى الأعضاء (الولايات المتحدة في المقام الأول وألمانيا) التي تعلن نفسها الضامن الرئيسي للنظام القائم على القواعد ينكرون حدوث أي انتهاكات إسرائيلية. كذلك، تقدم الدعم بقوة للدولة المتهمة بالانتهاك.
ولا ينبغي الاستهانة بالضرر الذي يلحقه هذا الإنكار بالثقة العالمية في النظام القائم على القواعد. إن الأساس الذي يقوم عليه النظام الدولي هو الالتزام بفكرة أن هناك قواعد مضمنة في القانون الدولي؛ ولتجنب الرجوع إلى حالة قانون الغاب «القوة هي الحق» يحتاج الغرب إلى دعم تلك القواعد القانونية الدولية.
إن انتهاك القواعد ليس بالأمر الجديد- لكن فشل واشنطن حتى في الاعتراف بحدوث انتهاكات إسرائيلية يدمر الثقة في هذا النظام من ناحية ويهدم مصداقية الولايات المتحدة من ناحية أخرى. لا شيء من هذا يمر دون أن يلاحظه أحد في العالم، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج مثيرة للقلق.
إن ادعاء الولايات المتحدة بوجود نظام قائم على القواعد- وأن واشنطن هي الضامن النهائي له- أصبح الآن محل تساؤل على نطاق واسع. عندما يتم انتهاك الأعراف دون اعتذار، ولا يتم الاعتراف بهذه الانتهاكات- إلى جانب الدعم العسكري الأمريكي الثابت لإسرائيل- فإن لذلك تأثيراً هائلاً على شركاء الولايات المتحدة وحلفائها في جميع أنحاء العالم.
في لحظة ما سوف تنشأ أزمة أخرى في الشرق الأوسط، أو في مكان آخر حول الأرض. وعندما تشتعل تلك الأزمات، ستحتاج واشنطن إلى آليات أكثر لخفض التصعيد والوساطة، لأن البدائل ببساطة أصبحت أسوأ مما يمكننا أن نتخيل.
من المؤسف أنه إذا لم تُصحح حكومة الولايات المتحدة مسارها قريباً، فلن يكون هناك نظام قائم على القواعد يمكنها أن تستشهد به أو تعتمد عليه، لأن لا أحد سيأخذ واشنطن على محمل الجد- ولماذا يجب أن يفعلوا ذلك؟
……………….
ــــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=24052024&id=52f26cc1-7826-4351-907b-5c8faf3517d1