الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هل يمكن الرقص على حبال واهية؟

بسام يوسف *

هي سياسة انتهجها حافظ الأسد، وربما تكون من الوصايا الأهم التي أوصى بها لوريثه في حكم سوريا بشار الأسد، لكن ربما نسي حافظ الأسد أن ينبّه ابنه إلى أن سياسة اللعب على الحبال تتطلب أولاً وقبل كل شيء أن تكون الحبال قوية بما يكفي كي لا تتقطّع، وكي لا يهوي من يعتليها فتدق رقبته.

عندما لعب حافظ الأسد على حبال التوازنات والمصالح الإقليمية والدولية كانت سوريا بوضع مختلف تماماً، وكان العالم كله بوضع مختلف، أما اليوم فلم تعد سوريا من الأهمّية والقوة بالحدّ الذي يمكّنها من أن تلعب هذه اللعبة الخطرة، والعالم لم يعد ثنائي القطب، وسوريا لم تعد تحتفظ بأيّ من أوراق قوتها سوى بورقة موقعها الاستراتيجي، وفوق كل هذا فإن أوراق سوريا التي لعب بها حافظ الأسد سابقاً كأوراق قوة في يده أصبحت اليوم أوراقاً بيد الآخرين يُلعب بها ضد سوريا.

مرة أخرى تعيد السعودية محاولتها تعويم بشار الأسد، فقبل نحو عام دعته إلى القمة العربية التي عقدت في الرياض بعد توسطات عدّة ولقاءات خلف الكواليس وتعهدات بتنفيذ شروط وضعتها عدّة دول عربية كمقدمة لهذا التعويم، وكان في مقدمتها وقف صناعة وتهريب المخدّرات “الكبتاغون” وتحجيم الهيمنة الإيرانية على القرار السوري، وظنّ يومها بشار الأسد أنه خرج من عنق الزجاجة، وأنه قادر مرّة أخرى على إغراق الآخرين بالتفاصيل الشهيرة التي أشهرها وزير خارجيته السابق وليد المعلم في وجه السوريين وفي وجه العالم.

لم يوقف بشار الأسد وشركاؤه عملهم في صناعة وتهريب المخدرات، ولم تتوقف شحنات “الكبتاغون” المصنّعة من قبلهم عن غزو مناطق عدة من دول الجوار وغيرها، وازدادت صفاقة التدخل الإيراني في سوريا، فأغلقت البوابة العربية بوجه بشار الأسد، وتحدث وزير خارجيته الحالي فيصل المقداد عن خذلان عربي للنظام السوري، معتبراً أن سوريا نفّذت ما طلب منها، وانتظر قادة دمشق القمة القادمة في المنامة لكي يعيدوا محاولتهم في اللعب مرة أخرى كون سوريا استعادت مقعدها في الجامعة، وأصبح أمر استبعادها خارج المساومة، لكن كواليس التحضير للقمة العربية الأخيرة التي عقدت في المنامة أوصلت رسالة مغايرة، وأن الاستبعاد ما يزال ممكنا، وهكذا ذهب بشار الأسد إلى قمة المنامة الأخيرة مغلولاً بشروط كانت مهينة بحق.

اليوم يقف بشار الأسد أمام مفترق حقيقي، والاستحقاقات التي ظنّ أنه قادر على اللعب على حبالها فترة زمنية أخرى لم تعد قابلة للتأجيل، لكن السؤال الأهم الذي لابدّ من طرحه اليوم هو: هل يلعب بشار الأسد على الحبال باختياره أم أنه عاجز فعلاً عن القيام بأي تكتيك آخر؟

هل يستطيع بشار الأسد وقف تصنيع وتهريب المخدرات، سيّما وأن من يقود هذه العملية برمّتها هم حلفاؤه الأقوى في سوريا، بدءاً من شقيقه ماهر ومروراً بـ”حزب الله” وغيره من الميليشيات التي تتبع لإيران، وانتهاء بالحرس الثوري الإيراني، والتي تم الكشف عنها وأُعلنت ولم تعد خافية، والتقارير التي أُعلنت أوضحت تفاصيل حكاية “الكبتاغون” في سوريا، وبالتأكيد فإن في جعبة مخابرات دول الجوار وغيرها ما هو أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه؟.

وهل يستطيع بشار الأسد أن ينسحب من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي حتى لو أراد ذلك، وهل تكفي جعجعة إعلامية لبوق إعلامي يتبع للنظام، أو تصريحات غير رسمية هنا أو هناك حول تحميل إيران سبب الكارثة السورية لطمأنة الأطراف العربية بأن بشّار الأسد جاد فعلاً في تحجيم الدور الإيراني في سوريا، سيكون من الحماقة التوهم بأن الآخرين سيقبلون بهذا، وبالتالي فإن المطلوب هو أكبر بكثير، وأن مراقبة الوقائع لم تعد عصيّة فسوريا اليوم أضعف من أن تخفي أي شأن من شؤونها الداخلية عن أعين المخابرات الدولية؟.

قد تتواطأ إيران وتدعم مؤقتاً بشار الأسد في لعبة الحبال تلك، فتعلن عن عودة كامل كبار الضباط الإيرانيين وحتى المتوسطي الرتب منهم إلى إيران، وعن إخلاء مواقع عسكرية لها على الأرض السورية، مكتفية بالإبقاء على وجود قوي وحاسم لكنه مستتر في المفاصل الأكثر أهمية، سواء الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية، والأخطر هو تعزيز قوة خلاياها وبؤرها التي استوطنت النسيج الاجتماعي السوري، لكن ثمة سذاجة بالغة لو توهم بشّار الأسد ومن معه أن هذه اللعبة سوف تنطلي على الآخرين.

لم يعد أمام بشّار الأسد مفر من دفع الاستحقاقات الحقيقية لتعويمه، وأن الدفع بالتقسيط أو بالشيكات التي لا رصيد لها لم يعد مقبولاً، وهو محاصر بإفلاسه أولاً، ومحاصر بقضية المخدرات ثانياً، ومحاصر بحلفائه الأقوياء داخل بيته الداخلي والذين يهددونه بالانقلاب عليه ثالثاً، وبجوع وفقر مناطق سيطرته رابعاً، وبملف اللاجئين خامساً، وبعقوبات دولية سادساً… إلخ.

لن تكون إيران الطرف الوحيد من حلفاء بشار الأسد الذي سيقف له بالمرصاد لحماية مصالحه، فهناك روسيا التي أرسلت إشارات متعددة للنظام السوري بأنها غير راضية عن سلوكه حيال ملفات عديدة، وهناك تسريبات لصحف روسية تحدثت عن مماطلة بشار الأسد في تنفيذ وعود تعهد بها للروس، وعليه فإن لدى الروس ما يقولونه وما سيفعلونه، فعلى أي جانبيه سيميل؟

أصبح الجميع يعرف أن قصة إصابة بالسرطان لن تحلّ المشكلة، وأن حكاية الاستئثار بالأموال التي نُهبت من الشعب السوري خلال السنوات الأخيرة لن تمر بهدوء كما مرت مع رامي مخلوف سابقاً، وأن الشعب الذي ارتُكِبَت بحقه جرائم يندى لها جبين البشرية لن يسكت عن استحقاقه الأهم، وأن عودته إلى بيت الطاعة بعفو عام من هنا، وانتخابات هزلية لـ”مجلس شعب” تابع من هناك، وإصلاحات ديمقراطية مزعومة في حزب أصبح جثة منذ زمن طويل هو مجرد وهم.

أيها الرئيس لقد اهترأت حبالك ولم تعد صالحة للعب!

* كاتب سوري

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.