مازالت غزة/ فلسطين تصارع الطغيان والطاغوت الصهيوني لوحدها، وضمن إمكانياتها المتواضعة، ويتابع قطاع غزة التصدي بأجساد أهله العارية لكل أدوات القتل والهدم والدمار (الصهيو أميركى) وسط صمت عربي مريب وغريب، تمارسه أنظمة القهر والتابعية العربية، التي لم تجد حتى الآن ما يحركها، لتأخذ موقفًا جديًا موازيًا، أو منتميًا إلى الأمة على الأقل، حيث يترك شعب فلسطين في غزة والضفة، يعاني ما يعاني، من المذابح والمجازر الفاشيستية، ويتساقط عشرات آلاف شهداءه على مذبح الحرية والعدالة، والاستقلال والتحرر.
لكن ما يدعو للتساؤل هنا لم يعد حال النظام العربي الرسمي، المنخرط في أتون الرغبوية الوظيفية التي لا تبغي شيئًا، إلا الحفاظ على كياناتها الأمنية العصبوية السلطوية القروسطية، والانغماس في متاهات مصالحها الذاتية، دون الالتفات إلى حجم الكارثة الكبرى، التي حلت بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة ومازالت تجري فصولًا.
نعم هذا هو الحال الرسمي العربي الذي خبرناه طويلًا، وتأكدنا أكثر وأكثر كم هو عاجز، أو متعاجز، عن أي فعل حقيقي، نصرة لشعب فلسطين، أو شعب سورية، حتى لو صل البل نحو ذقنه، كما يقال. لكن المشكلة الأهم التي تدعونا للتساؤل عن حال الشعوب العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، التي أشاحت بوجهها كليًا، أو جزئيًا، عن الكارثة الكبرى والدماء التي تسيل أنهارًا في غزة، وبقيت متفرجة على ما يجري، ومن ثم لم يرتق موقفها الوطني أو القومي، إلى مجرد الخروج في مظاهرة كبرى جدية، توازي على الأقل ما يجري في عواصم أوربا، أو تواكب حالة الانتفاض الطلابي العالمية، المتحركة بقوة نحو إنجاز ضغط شعبي عالمي لوقف المذبحة بحق الشعب الفلسطيني.
إذًا لماذا ما انفكت شعوب العالم العربي والإسلامي أيضًا، مكتوفة الأيدي، ولا حول لها ولا قوة، ولا قدرة لها على الضغط على حكامها من أجل إخوة لها في غزة والضفة. هل من تفسيرات أو مبررات لذاك الصمت؟ في الواقع لا توجد مبررات أبدًا لحالة السكون الشعبي العربي الغريب، والصمت، كأنه صمت القبور، على ما يجري. أما التفسيرات فيمكن أن تذهب إلى واقع موجات الربيع العربي المتتابعة، وحجم الدمار والقتل الذي لحق بهذه الشعوب، وكم القمع الكبير والتهجير والاعتقال الذي طال شعوب العرب، ممن ثاروا على حكامهم، ويبدو أن ذلك قد خلق (من جديد) حالة من تكون (الحاجز النفسي) الذي سبق كما يفترض أن قد تم كسره، مع هبات الربيع العربي الأولى، لكنه اليوم عاد وتمظهر إلى السطح مرة أخرى، ووجدت فيه هذه الشعوب ضالتها، واستكانت له، ولم تعد تحركها الدماء المسالة، في قطاع غزة، واكتفت بعجزها، وقلة حيلتها، على الأقل حاليًا، وهذا كنا قد قلناه، من أنه ليس تبريرًا، بل تفسيرًا للواقع الذي يجري، أو محاولة لقراءة المشهد من جديد، وإلا كيف يمكن فهم ما جرى ويجري من مظاهرات مليونية في العالم الغربي، بينما تبقى شعوبنا العربية والمسلمة في حالة فرجة غير مفهومة.
مع كل ذلك يمكن القول: إن داخل وجوانية الشعوب العربية حالة من الغليان غير مسبوقة في التاريخ، وانتفاض داخلي يفور ويتحرك باضطراد، إنما (كما يبدو) ينتظر الوقت المناسب كي يعيد تأسيس نفسه، فالقضية الفلسطينية ما زالت هي (القضية المركزية) للأمة وسوف تبقى كذلك، ولم تبرح المكان، وتعيش دواخل كل العرب، والواقع فإن إعادة إنتاج ربيع عربي جديد باتت ضرورية، واستشرافًا نقول: هي أضحت قاب قوسين أو أدنى من الظهور والانبثاق، ولا يمكن القبول بكل تمظهرات العسف والقهر سواء في فلسطين، أو في سورية، أو بأي ساحة عربية، من ساحات الربيع العربي، التي سجلها التاريخ بأحرف من نور، ورسم عبرها تأريخًا حديثًا لشعوب عربية، صبرت طويلًا على القهر والاستلاب، لكنها قامت في قيامتها الكبرى مع بدايات عام ٢٠١١ ومازالت تحمل البذور التي يمكن أن تنتش من جديد، لكسر حاجز الخوف المتراكم مرة أخرى، حيث لم يعد بالإمكان الصبر على ذلك أكثر وأكثر، وتتحمل بالضرورة كل المسؤولية ضمن هذا المعطى، تلك القوى الحية في أمتنا، التي مازالت في حالة تذرر وتشظي وانفلاش، وتنهي قضية إعادة الدوران والمراوحة بالمكان، بعجزها وعبثها، من أن تتجاوز الخلافات، أو محاولة اجتراح الخطط والمسارات، التي تمكنها من التصدي لمهام المرحلة الصعبة في فلسطين، بل وفي كل الساحات العربية، في مواجهة مشروعين خطرين على الأمة، كل الأمة، هما المشروع الصهيوني وأتباعه، والمشروع الإيراني الفارسي الطائفي الصفوي وكل ما يلوذ به.
كل الآفاق لثوار إلا الأعراب فعهار !