قصي أبو قويدر *
يتساءل الناس الحالمون بالخلاص من نظام دمشق، الذي بات وكيلا هزيلا لعشرة جيوش وقوى عسكرية تسيطر على سوريا الآن، يتساءلون عن طبيعة وشكل الحكم المقبل إذا ما قدر الله وتحققت أحلامهم بالخلاص، فلقد سئموا كذب البعثيين وقسوة الشيوعيين وخيبات أمل الناصريين وانغلاق وتحجر الإخوان المسلمين.
ولقد شاهدوا بأم أعينهم نفاق الغربيين وتهاوي شعاراتهم البراقة كالديمقراطية وحقوق الإنسان فوق أشلاء أطفال غزة ومن قبلهم أطفال سوريا والعراق وأفغانستان وفيتنام ورواندا والقائمة تطول.
لقد أدرك السوريون أن المشكلة لم تعد تتمثل بنظام دمشق أو برأس النظام فبقاؤه وزواله سيّان، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في التحرر من تلك الجيوش والقوى العسكرية التي تحتل سوريا اليوم وعلى رأسها روسيا وإيران.
ومع أن ليلَ ذلك الحلم الجميل لا يقبل أن ينجلي فإنهم مصرون على نقاش شكل وطبيعة نظامهم السياسي الجديد بعد أن تشرق شمس حريتهم وتحررهم من الجيوش المستعمِرة.
ولدى السوريين اليوم، على مختلف أطيافهم ومشاربهم، سواء المهجّرون منهم قسرياً والذين يعيشون في الشتات، أو من هم ما زالوا في المخيمات يعانون مر الحياة وقسوتها، وحتى الذين بقوا تحت ظلم النظام وفظاعاته وجبروته، لديهم في الحقيقة ثلاثة أسئلة تدور في أخلادهم ويريدون بإلحاح إجابات عليها.
السؤال الأول الملّح الذي يتردد كثيرا هو: لماذا لا يجرؤ النظام على إنهاء الحراك المبارك في السويداء بالقمع والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية إذا لزم الأمر، كما فعل في إبادة المكون السني فيما العالم المتحضر يتفرج عليه!؟
جلاء المستعمِرين:
السؤال الثاني هو: هل رَفعت إسرائيل يدها عن النظام فعلا وتخلت عن حمايته في المحافل الدولية التي تسيطر عليها، وهي التي قامت بحمايته ومنعه من السقوط لثلاث عشرة سنة من عمر الثورة!؟
أما السؤال الثالث والأهم فهو يبحث شكل نظام الحكم المقبل إذا ما قدر الله وحقق أحلامهم بجلاء المستعمِرين أولا وسقوط النظام ثانيا!؟
أما السؤال الأول فإن إجابته، على الأغلب، هي أن من يحمي إخوتنا في السويداء هو الغرب الذي طالما حذر النظام من الفتك بالأقليات، فهذا خط أحمر يمكن أن يودي به، إن فعل، فمقولة أن النظام حامٍ للأقليات هي محض كذب فالغرب والدولة العميقة التي تسيطر عليه هو من يحمي الأقليات، وهو من مكن الأقلية العلوية من حكم سوريا، فعدوه الوحيد الأوحد هو المكون السني الذي يعمل ليل نهار على إبعاده عن السلطة بأي شكل. لقد رأينا كيف قُتِلَ السنة بكل أصناف الأسلحة المحرمة دوليا وهُجّرُوا، والغرب يدين كذبا ونفاقا، والسعادة في وجوه ممثليه. إن حدود النظام تقف عند الاستبداد والتجويع والسجن والقمع ضد الأقليات، ولكنه إن تجاوز ذلك الى الإبادة والتهجير كما فعل مع السنة، فإن الغرب سيتدخل بقوة ويرميه إلى مزابل التاريخ.
وأما الإجابة عن السؤال الثاني فهي ببساطة نعم، لقد غيّرت حرب غزة من المزاج الإسرائيلي تجاه نظام دمشق على الرغم من تعهده بمنع أي هجوم على إسرائيل من جهة الجولان المحتل، ولكن الصراع على تقاسم النفوذ بين إسرائيل وإيران (وهم حلفاء تحت الطاولة) قد تغيّر بالفعل بعد أن تجاوزت فيه إيران الخطوط الحمراء المرسومة لها في ذلك الصراع وباتت إسرائيل مصممة على إنهاء الوجود الإيراني وأذرعه في دول الطوق نهائيا، سيما وأن إيران قد أنهت مهمتها في قتل وتشريد السنّة وإرجاع سوريا مئة سنة الى الوراء.
وما أن تخمد نيران المدافع في غزة حتى ترون إسرائيل بوجه آخر في سوريا ولبنان، ولن أتفاجأ إذا ما اجتاحت إسرائيل جنوب سوريا وجنوب لبنان بعد أن تضع الحرب أوزارها في غزة.
نظام مستقبلي:
بالنسبة للسؤال الثالث، وهو الأهم، فجوابه في كلمة واحدة هي العدل، فلا يمكن لنظام مستقبلي أن يتمكن من حكم سوريا، إلا بالعدل، مهما كان شكل هذا النظام وأياً كان من يمثّله. وأذكّر بقول النبي محمد (ص) عندما أرسل خيرَ صحابته وأغلاهم على قلبه إلى الحبشة خوفاً عليهم من جور قريش وظلمها، يومها لم يقل لهم اذهبوا الى الحبشة فإن فيها ملكا مسلما، أو ملكا مسيحيا أو حتى ملكا يهوديا، بل قال لهم اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يُظلَمُ عنده أحد.
والله سبحانه وتعالى يؤكد في كتابه الكريم على العدل الذي هو أساس المُلك عندما يصف يوم القيامة وهو عدل العدل بقوله تعالى: (لا ظلم اليوم) صدق الله العلي العظيم.
* كاتب من سوريا يقيم في تركيا
المصدر: القدس العربي