الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“التغيير” يطرق أبواب سوريا

فايز سارة *

تسود أحاسيس يائسة حول الصراع السوري، ويتشارك في الأحاسيس اليائسة كثير من السوريين بسبب ما يحيط بحياتهم وأسرهم من مشاكل أبرزها بقاء الصراع بدون حل، والصعب منها تدهور الأوضاع المعاشية في سوريا، وتدهور أوضاع اللاجئين السوريين والمقيمين منهم في دول الجوار وصولًا إلى أوروبا، ويمتد حضور الأحاسيس اليائسة الى أوساط المتابعين والمهتمين العرب والأجانب بسبب ما يعرفونه من تراكمات ألقت، وتلقي، ثقلها على الوضع السوري حيث صار أشد تعقيدًا، وصارت معالجته اصعب، وهذا بعض ما جعل الأكثرية اليائسة من السوريين وغيرهم، تؤكد أنّ الملف السوري تم وضعه على الرف، إن لم يكن داخل الخزن الحديدية.

سمعتُ آراء من مهتمين سوريين وأجانب، أنّ تحريك الملف السوري سوف يحتاج ما بين ثلاث وخمس سنوات. ورغم أني لا أستطيع مصادرة تقديراتهم، لأنّ كثيرًا من التقديرات التي قابلناها ببرود أو استنكرناها وجدت لها فرصة لتحدث، بسبب متغيّرات طارئة رافقتها، وهذا يحدث، لا شك أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا وحرب إسرائيل على قطاع غزّة، وكلتاهما ما زالت مستمرة، سببتا مزيدًا من التهميش للموضوع السوري الذي فيه جوانب لا تقل سخونة عما يحصل في جبهات الحرب، وأشير هنا إلى المقتلة السورية اليومية، التي تتوالى مجرياتها في سوريا وبلدان الشتات، ويتنوع فيها الموت ما بين السلاح والتفجيرات والسكاكين والجوع والموت كمدًا وتحت التعذيب، وهذه بعض حالات وغيرها كثير.

وبمقدار ما تُسبّب بيئات ونتائج الصراع في سوريا وحولها من أجواء يأس وإحباط في موضوع الحل، فإنها تحمل ضرورات الحل وتدفع به، إن لم يكن علنًا ففي الأروقة، وإن لم يكن عبر القول والنقاش فقد يكون عبر الكتابات، وأعتقد أنّ ما سبق ملحوظ من جانب متابعي الصراع السوري والمهتمين به، لكن بعضهم لا يوليه الاهتمام الكافي، تناسبًا مع حالة الإحباط العام الدارجة.

ثمة مؤشرات حول الوضع السوري وبيئته الإقليمية والدولية، ينبغي عدم تجاهلها، لعل الأبرز فيها تقارب أميركي- تركي، وتمدد تركي نحو العراق والإقليم الكردي منه، وإجراء ترتيبات تركية في شمال غرب سوريا تقلص من قوة “هيئة تحرير الشام” سليلة “القاعدة”، وتجري تحركات روسية وإيرانية تتصل بتموضعهما في سوريا وتأثيرهما في قرارات وسياسات نظام الأسد، فيما تتابع الكتلة العربية، التي تضم أبرز الدول المهتمة بالموضوع السوري انتظار خطوات النظام في الطريق إلى تغييرات لا تشمل علاقاته مع إيران ومليشياتها وموضوع كبتاغون الأسد فقط، بل خطوات تتصل بحل سوري يقوم على تغيير، وتضم البيئة الإقليمية والدولية نقاطًا أخرى إلى ما سبق بينها تصاعد الكلام والجهود بصدد إعادة اللاجئين إلى سوريا وخاصة من لبنان وتركيا، وامتناع نظام الأسد عن التفاعل ولو شكليًا مع موقف شركائه في الحلف الإيراني في موضوع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة.

وتوازي تطورات البيئة الدولية والإقليمية، وقائع وتطورات سورية ذات تأثير على الاوضاع القائمة، أبرزها وصول سلطات الأمر الواقع في سوريا إلى حد الانسداد السياسي، حيث لا يملك نظام الأسد ولا قوى المعارضة السياسية والعسكرية في مناطق السيطرة التركية والإدارة الذاتية أي برنامج سياسي يرسم خط تقدّم إلى مرحلة جديدة، وتواجه كلها إلى ما سبق حراكات شعبية واسعة وخاصة في السويداء وفي إدلب ودير الزور، إلى جانب تحديات اقتصادية وأمنية متزايدة، تفرز أزمة معاشية لا حلول لها وسط تراجع المساعدات الدولية وإمعان السلطات القائمة على نهب الأموال ومراكمة الثروات، مما يهدد الأوضاع بالانهيار الكامل، وتزداد أهمية التطورات الداخلية مع تصاعد الصراعات الميدانية سواء التي يقوم بها النظام وحلفاؤه ضد مناطق شمال غرب سوريا، ومثلها الاشتباكات بين قوات “قسد” وأدوات إيران من مليشيات العشائر في الشرق السوري، بالتزامن مع الافتراق السياسي والعملي المتزايد بين النظام وحليفه الإيراني الذي اتهمت أوساط فيه النظام بإعطاء الإسرائيليين إحداثيات عن حركة النخبة الإيرانية في سوريا، وراجت أنباء عن تصدي دفاعات النظام لمسيّرات وصواريخ إيران، التي كانت تستهدف إسرائيل ردًا على تدمير قنصلية طهران وقتل بعض كبار رجالها في دمشق.

ولعله لا يحتاج إلى تأكيد، أنّ تطورات البيئة الإقليمية والدولية المحيطة ومثيلاتها من مجريات الداخل السوري، تمثّل بعضًا من تغيير ولو محدود في المشهد القائم، بل واعتبارها بعض تراكم نحو تغيير أعمق، يمكن ملاحظة بعض محتوياته، إذا دققنا النظر فيما يُكتب ويُقال ويتم نقاشه في أماكن ومستويات مختلفة ودوائر متعددة ذات صلة بالملف السوري.

ومن المهم التوقف عند بعض ما يحدث في الحراك السياسي السوري الذي قيل منذ العام 2015، إنّ الفاعلين السوريين فيه صاروا خارج دائرة التأثير عليه، لكن أوساطًا واسعة من النخبة السورية تخوض اليوم في النقاش حول المخارج، واحتمالات التغيير الممكنة، وتدفع إلى إجراءات على نحو ما يفعل سوريو الولايات المتحدة، وتسعى المعارضة الرسمية نحو تحريك الملف السوري ولو عبر بوابة اللجنة الدستورية، التي قيل في وقت سابق إنها شبه ميتة، وقد سرّبت أوساط قريبة من نظام الأسد ملامح خطة إلى أطراف دوليين مؤثرين، تمتد عبر أربع سنوات، تؤدي إلى تغييرات تشمل “حوارًا مجتمعيًا شاملًا” وإعادة “هيكلة الأمن والجيش وتقوية المجتمع المدني، ومن ثم إجراء تعديل دستوري والدعوة لانتخابات بإشراف دولي من دول محايدة”.

وإذا كان من الصحيح عدم المراهنة على ما سبق من باب التجارب المرّة والفشل المتراكم في خلال العقد الماضي، فإنّ ما يحدث لا يتم جزافًا، بل بدفع وضغط من قوى لها أثر وتأثير، تراقب وتتابع المشهد السوري وتبعاته الإقليمية والدولية، التي بات بعضها من الصعب تجاهله.

* كاتب وباحث سوري

المصدر:  “عروبة 22

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.