جمانة فرحات *
حتى اليوم، فشلت جماعة الحوثيين في إقناع جزءٍ لا يُستهان به من اليمنيين بأن نصرة غزّة نابعة من تضامنٍ حقيقي مع معاناة الشعب الفلسطيني وعدالة القضية الفلسطينية. وهؤلاء المشكّكون من داخل اليمن بدوافع الجماعة لا يُلامون، فهم أدرى بها. ممارسات الجماعة طوال عقد من حكمها لهم لا تترك مجالاً للدفاع عنها. لم يوفّر الحوثيون جريمة إلا وارتكبوها بحقّ اليمنيين من قتل وإخفاء قسري وتلفيق تهم وتفجير منازل مصرّين على تذكير أبناء بلدهم بحقيقة أنهم جماعة مليشياوية لا تعترف بمواطنيتهم، إلا إذا كانت “مواطنة” وفق منظورها وعمادها التسليم المطلق بأحقّية الجماعة بحكمهم وقتلهم وسجنهم من دون أن يكون لهم أي حقّ بالاعتراض، وإلا يصبحوا في خانة الخونة والعملاء لـ”دول العدوان”.
حتى تلك العائلات التي قتل أفرادها تحت ردم المنازل التي انهارت فوق رؤوسهم عقب تفجيرها في رداع قبل أيام لم تسلم من اتهامها بالتواطؤ ضد الجماعة، وهناك من ذهب من أنصار الجماعة بعيداً في مخيلته للحديث عن أن ما جرى تخطيط أميركي. مع العلم أن الجماعة نفسها أقرّت بأن مسؤولي أمن فيها تورّطوا في الجريمة، وإن عزت ذلك إلى “تصرّفات فردية”. وبطبيعة الحال، لم تكن الإجراءات التي أعلن عنها الحوثيون لاحتواء الجريمة وتداعياتها كفيلةٌ بأي تغيير، سيما أن هذه الممارسات لم تكن وليدة اللحظة، بل هي من أدوات المعاقبة التي تنتهجها الجماعة ضد أي شخصٍ تختلف معه منذ أكثر من عقد.
من يشكّك اليوم من اليمنيين بحقيقة نيّات الجماعة في الانخراط بمعركة غزّة عن طريق استهداف السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية محقّ، جزئياً. لكن مقاربة نصرة فلسطين وغزّة، من وجهة نظر الحوثيين، لا تنطلق من قناعةٍ بمفهوم الحريات والعدالة والحقوق للشعب الفلسطيني، وإلا فإنها كانت لتمتد حكماً إلى نظرتهم لليمنيين مواطنين لهم حقوق يفترض أن تحترمها الجماعة وتعمل على تعزيزها، لا أن تلجأ إلى حصارهم في مدن عدة أو قتلهم بتفجير منازلهم أو إصدار أحكام بحقهم من دون محاكمات عادلة أو زجّهم في السجون، وإخفائهم قسراً، فقط لأنهم اختلفوا معها سياسياً لا عسكرياً حتى.
الجماعة اليوم هي ضمن محور يوظف القضية الفلسطينية وعدالتها ضمن استراتيجيته. وفي لحظة الخذلان الواسع للفلسطينيين وتصاعد المجازر في قطاع غزّة أكثر من خمسة أشهر متواصلة، لا يمكن التغاضي عن دور هذا المحور في الضغط ضمن مسار الحرب، ولو جزئياً. لكن ذلك لا يفترض ان يكون سبباً في إغفال طبيعة هذه الجماعة أو مبرّراً لجرائمها بحقّ اليمنيين.
ضمن ردود الفعل التي اجتذبتها جريمة رداع، كتب أحدهم ما مفاده بأنه لو لم يكن للحوثيين من موقف مشرف سوى موقفهم تجاه غزّة وفلسطين لكفاهم ذلك. ولعل ذلك أقصى ما تطمح له الجماعة أن تجد من هو مستعدٌّ لغضّ البصر عن كل ما ترتكبه داخل اليمن بسبب غزّة والقضية الفلسطينية. وإذا كان ذلك ممكناً لفترة قصيرة أو متوسّطة المدى فإنه لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية.
في نهاية المطاف، تعيش الجماعة ضمن اليمن. وإذا ما جرى افتراض أن مساعي السلام قد تكلّل بالنجاح يوماً ما، فإنه يصعُب تصوّر كيف أن النهج الذي تعتمده الجماعة منذ انقلاب 2014 والقائم على وضعها نفسها في مرتبة أسمى من اليمنيين، والطلب منهم الخضوع والطاعة لا غير، سيقود إلى شراكة في مرحلة لاحقة. أي سلام في اليمن يتطلّب الاعتراف بوجود قوى أخرى مجتمعية وسياسية وإيجاد تقاسم للسلطة وتعايش. وهذا ما لا يبدو أن الجماعة مستعدّة له راهناً إذ تكتفي بتوسيع الفجوات بينها وبين جزء من اليمنيين، ممعنة في ترسيخ شرخ مجتمعي قد يكون من الصعب إصلاحه لاحقاً، على عكس ما قد يحدُث على المستوى السياسي عندما تجتمع المصالح.
* صحافية لبنانية ورئيسة القسم السياسي في “العربي الجديد”
المصدر: العربي الجديد