الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حسن النيفي: حالة عطالة تنتاب المشهد السوري المعارض وتخوف وقلق كبير على مستقبل الحراك في السويداء

أحمد مظهر سعدو

حيث ما يزال الوضع السوري يعيش حالة استنقاع غير عادية منذ سنوات، فلا يوجد أي حراك حقيقي، ولا جدية إقليمية ولا دولية، في تحريك المياه الراكدة تفاوضيًا، ناهيك عن حالة التخلي والخذلان التي يعيشها الواقع اليومي للمسألة السورية.

ضمن هذه السياقات كان لا بد لنا ان نستوقف أحد أركان المعارضة السورية الأساسيين ومن الذين طالما كانوا في الصف المعارض للأسد الأب ثم الابن، إنه الأستاذ حسن النيفي، الكاتب والباحث السوري المعارض الذي يمتلك رؤيا استراتيجية لماهية الاشتغال السياسي المعارض في سورية، والذي أمضى جُل أيام شبابه في معتقلات وأقبية حافظ أسد، نسأله في العديد من المحاور المهمة حيث قلنا:

– كيف ترى مآلات هذا الوضع وماهي احتمالات تحريكه الممكنة في قادم الأيام؟  – وأنتم من الشخصيات والقوى المعارضة السورية غير الرسمية، ما تقييمك لحال المعارضة الرسمية وغير الرسمية، ضمن سياقات الوضع السوري وديناميات هذا الواقع؟ – وكذلك بعد أن مضى أكثر من ثمانية أشهر على انطلاق الموجة الجديدة. (إن صح التعبير). من حراك وطني سوري سلمي في السويداء ضمن مفاعيل ثورة الحرية والكرامة. هل تتوقع استمرارًا لهذا الحراك.؟ – وهل يمكن أن يتدخل النظام السوري لقمع الحراك عسكريًا وأمنيًا بعدما قيل الكثير عن تحركات عسكرية للنظام نحو محافظة السويداء وجبل العرب؟ وكيف ترى موقع وثيقة (المناطق الثلاث) التي بادر إلى طرحها حراك السويداء. ضمن مسار ومسيرة الثورة السورية؟ – وهل من آمال تجدها في احتمالات تحريك الواقع السوري، وانزياحات ما في تموضع القوات الإيرانية والروسية في الجغرافيا السورية، بعد حرب غزة، وما يمكن أن تتركه من تداعيات على سورية والمنطقة برمتها؟

حيث تحدث السيد حسن النيفي قائلًا: “لا جديد في القول: إن القضية السورية لم تعد في صدارة أولويات المجتمع الدولي، بسبب تبدل المصالح التي لا تثبت على حال، فضلًا عن حالة العطالة التي تنتاب المشهد السوري المعارض الذي بات يتصالح مع مأساته بدلًا من العمل على رفضها وتغييرها، وأعتقد أن استعادة القضية السورية لاهتمام دولي جديد، هو أمر مرهون بقدرة السوريين قبل سواهم على إنجاز اختراق نوعي في الحالة الراكدة، من شأنه أن يكون حافزًا لإعادة القضية السورية في مسارها الصحيح”.

ثم أضاف قائلًا: “ما من شك بأن المعارضة الرسمية باتت عبئًا على القضية السورية بسبب التزامها المطلق بدورها الوظيفي التي ارتضته لنفسها، وبهذا أصبح وجودها جزءًا من المشكلة، لأنها جعلت من المصلحة السورية رهنا في خدمة المصالح الخارجية، ولا أعتقد أن المعارضة غير الرسمية قادرة على أن تكون البديل الأفضل لخلل بنيوي في طرائق تفكيرها أولًا، ولأنها غالبًا ما تلجأ في عملها إلى آليات عمل وأدوات معرفية هي ذاتها التي تستخدمها المعارضات الرسمية، بإيجاز يمكن القول: إن القوى الوطنية غير الرسمية تملك الكثير من التفكير الرغبوي لكن من خلال وعي تقليدي عاجز عن تحقيق أي منجز نوعي سياسي”.

وحول حراك السويداء قال: “على الرغم مما يحمله الحراك السلمي في السويداء من اعتبار قيمي كبير من شأنه أن يعزز القناعة بعدالة القضية السورية ومشروعية ثورة السوريين، إلّا أنه يواجه المشكلة ذاتها التي واجهها الحراك السلمي  في بداية انطلاقة الثورة عام 2011، ذلك أن حيوية المظاهرات وزخمها واستمراريتها هي مُنجز كبير بحد ذاته، ولكن أعتقد أن قيمة هذا المنجز تكمن في القدرة على تحويله إلى مواقف سياسية، أي الانتقال من الحيّز الثوري إلى القيمة السياسية المضافة، وهذه ليست مهمة الحراك أو المتظاهرين بقدر ما هي من مهام الأحزاب والقوى السياسية، واعتقد أن هذا جوهر المشكلة لدى الوسط الثوري السوري، أعني عدم وجود قوى سياسية (أحزاب أو تيارات أو تجمعات) قادرة على أن تستثمر الحراك الثوري وتحوّله إلى مكاسب سياسية لصالح الثورة. وبناء عليه يمكن القول: ثمة تخوف وقلق كبير على مستقبل الحراك في السويداء في ظل العطالة السياسية للمعارضة، أما من جهة إقدام نظام الأسد على احتواء الحراك عسكرياً فهذا ربما من المستبعد في المدى المنظور، لأن هكذا خطوة ربما تعود على نظام الأسد بعواقب وخيمة، ولكن أعتقد أن الأسد يراهن على العطالة السياسية للمعارضة كما يراهن في الوقت ذاته على تطويق الحراك من خلال عدم السماح بانتشاره أو انتقاله إلى مناطق أخرى، وبالتالي استمرار الرهان على تلاشيه تلقائيًا”.

وبما يخص وثيقة (المناطق الثلاث) أشار إلى  أنه “يمكن التأكيد على أن وثيقة المناطق الثلاث تجسّد انعطافة نوعية على مستوى المبادرات السورية، باعتبارها مُنتجاً سوريًا خالصاً أولاً، ولأنها تجسد دعوة لتفكير جمعي جديد ثانياً، ومن هنا يمكن القول إنها تشكل إرهاصاً حقيقياً لوعي سوري جديد يتجاوز أطر العمل السياسي التقليدية، وأعتقد أن نجاح هذه المبادرة مرهون بقدرة السوريين على بيان فحوى المبادرة الحقيقي من جهة، وكذلك على التفاف السوريين حولها ودعم القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتلك المبادرة، علماً أن تلك المبادرة تجسد في الوقت الراهن أفضل الخيارات كونها تمثل حالة من التماهي بين الحراك على الأرض والرؤية السياسية للمبادرة”.

وعن التداعيات المحتملة لحرب غزة على الواقع السوري قال: “على الرغم من التداعيات العسكرية الكبيرة الناجمة عن حرب غزة إلّا أن تلك التداعيات لا يمكن أن تنعكس بشكل مباشر على الحالة السورية، وذلك بسبب التزام نظام الأسد بما يسمى قواعد الاشتباك وتحاشيه التعاطي المطلق مع ما يجري في غزة، فضلاً عن منعه لأي شكل من أشكال التعاطف مع حماس حتى على مستوى التظاهر الشعبي، ولعل الأسد قد يكون بذلك أكّد لواشنطن وإسرائيل استعداده التام للالتزام بحماية أمن إسرائيل مقابل الحفاظ على سلطته، ولعل الرسالة كان لها صدى إيجابي لدى واشنطن وقد تمت ترجمته بامتناع (بايدن) عن التوقيع على قانون مناهضة التطبيع مؤخراً. كما أنني لا أعتقد أن تتأثر التموضعات العسكرية الإيرانية الروسية في سورية، وذلك على الرغم من التصعيد الإيراني الإسرائيلي، طالما أن هذا التصعيد يبقى طارئاً واستثنائيا لا يلغي القاعدة. اعتقد أن حرب غزة لم تؤدِ بعد، إلى أي تغيير في الموقفين الإسرائيلي والأميركي من نظام الأسد، كما لم يطرأ أي تغيير على موقفي تل أبيب وواشنطن بخصوص الإقرار بالتواجد الإيراني في سورية لكن دون أن يؤدي ذلك إلى أن يتحول الوجود الإيراني إلى مصدر خطر على أمن إسرائيل”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.