محمد المنشاوي *
عرفت واشنطن وجود سفارة فلسطينية ليوم واحد، إذ جاء ذاك في إطار ما تنظمه العاصمة الأمريكية في شهر أيار/ مايو من كل عام من مهرجانات شعبية تهدف إلى تعريف سكان واشنطن، والمناطق المحيطة بها، بالمجتمع الدبلوماسي المزدهر في أهم عواصم العالم، وما يوفره من ثقافات متنوعة من كل الدول.
يتم تخصيص أول يوم سبت من شهر أيار/ مايو لتفتح السفارات الأجنبية بواشنطن، والتي يزيد عددها على 170 سفارة، أبوابها للزوار. توفر هذه التجربة فرصة فريدة لدخول كل سفارات العالم المتواجدة بواشنطن، والاطلاع على هذه الدول وما توفره من عروض فنية وثقافية ومواد تعليمية وترويجية وسياحية وتعليمة، إضافة لتوفير فرصة تذوق أطعمة محلية من كل أركان كوكب الأرض.
شارك أكثر من 280 ألف زائر وزائرة في هذه الفعالية التي تسمح بالتجول حول العالم في يوم واحد، دون مغادرة واشنطن العاصمة.
ويحصل العديد من المشاركين والمشاركات على «جوازات سفر» رمزية خاصة يتم ختمها في كل سفارة يزورونها وغالبا ما تكون هناك طوابير طويلة لدخول السفارات.
أهم ما ميز احتفالية هذا العام هو وجود سفارة فلسطينية شاركت وبقوة في هذه الاحتفالية الثقافية الهامة. كما استغل المحتجون والمحتجات من فلسطينيين وعرب وأمريكيين على حرب الإبادة الجماعة في قطاع غزة هذا اليوم، وحولوا اعتصامهم المقابل للسفارة الإسرائيلية في قلب واشنطن، إلى سفارة لفلسطين على رصيف طويل في منطقة تعج بالسفارات ومنها سفارة كل من: الصين ومصر والمغرب والأردن وماليزيا وباكستان ونيجيريا والنمسا، وغيرها. شملت سفارة فلسطين كل الأنشطة التي تعرفها السفارات الأخرى مثل ختم جوازات السفر، إلى جانب عروض فنية وعرض للحِرف اليدوية التقليدية، والأزياء الفلسطينية، وعينات مجانية من الطعام الفلسطيني، فضلاً عن أنشطة الأطفال والعديد من اللافتات، خاصة الاحتجاجية منها.
شملت الفعالية أيضا نشرات وملصقات ومواد دعائية تحتوي على معلومات حول الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تحدث في غزة. تقول النشرة التي قدمها النشطاء للمارة المهتمين بشأن الإبادة الجماعية في غزة ببساطة «كثير من الناس يصفون بحق حياة ألف إسرائيلي فُقدوا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر مأساة غير مقبولة. نسأل الآن: كم عدد أرواح الفلسطينيين التي تشكل أيضاً مأساة غير مقبولة؟» وهم يذكرون الناس بأن «الولايات المتحدة تُمول وتدعم وتُمكن جرائم الحرب بدولارات الضرائب الخاصة بك. الرجاء مساعدتنا فى وقف هذا الظلم».
* * *
عرضت سفارة فلسطين كتباً ومواد تعليمية للأطفال الصغار، ووفرت نشاط قراءة الكتب معهم، كذلك كان هناك تلوين أوجه الأطفال بألوان العلم الفلسطيني، وعرض للرقصات الشعبية الفلسطينية خاصة الدبكة الشامية الشهيرة. أكثر ما جذب الزوار للسفارة الفلسطينية هو ما تم توفيره من أطعمة مميزة وعلى رأسها فطائر الزعتر، ونشاط يُعلم الحضور كيفية إعداد أكلة الحمص بالطريقة الفلسطينية الأصيلة، وكذلك أكلة المقلوبة الشهيرة.
أما الموسيقى الفلسطينية التي تم تشغيلها بمكبرات صوت ضخمة فقد لعبت دوراً كبيراً في بث الحماس في صفوف آلاف الزائرين والزائرات، ومئات الأشخاص الذين تطوعوا للإشراف على أعمال السفارة في هذه الفعالية الثقافية في قلب واشنطن. كما كان هناك عزف بالعود لقطع موسيقية تقليدية شهيرة.
ركزت السفارة أيضا على رموز الثقافة الفلسطينية والتي باتت معروفة للشعب الأمريكي على نطاق واسع خاصة مع اتساع نطاق الاحتجاجات الطلابية التي تعصف بمئات الجامعات الأمريكية، وتم إبراز أهمية ورمزية الكوفية الفلسطينية الشهيرة، وما تمثله في الإرث الفلسطيني. كما تم توفير كتيبات تعريفية عن فلسطين (التاريخ والأهمية). وتم عرض ملابس فلسطينية وثياب تقليدية، إضافة لمنتجات يدوية شعبية.
* * *
لم تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية، وإن كانت تكرر ضرورة حل معضلة الشرق الأوسط التاريخية على أساس حل الدولتين؛ دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية. لكن يستبعد كُثر من الخبراء أي أفق عملية لمسار حل الدولتين بعد ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من عمليات إبادة جماعية وجرائم حرب على يد الجانب الإسرائيلي المدعوم أمريكياً بلا أي شروط أو حدود.
خلال العقود الماضية، وتحديداً منذ تأسيس علاقات بين واشنطن ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1994 بعد اعترافها بالمنظمة كممثل معترف به للشعب الفلسطيني، تواجد ممثل دبلوماسي لفلسطين في واشنطن، وإن لم يُطلق عليه لقب سفير ولم يعمل من مقر سفارة كغيره من سفراء الدول الأخرى.
وعقب رفض الجانب الفلسطيني لما أطلق عليه صفقة القرن، والتي عكست تصور الرئيس السابق دونالد ترامب لحل أزمة الشرق الأوسط، أغلقت واشنطن البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2018، ولم يعد لفلسطين أي تمثيل دبلوماسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان (حسام زملط) آخر «سفير» لفلسطين في واشنطن حتى ألغت إدارة ترامب إقامته، وأغلقت الحسابات المصرفية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما بعد وصول الرئيس جو بايدن للحكم وبدء مهامه في كانون الثاني/ يناير 2021، تفاءل البعض وتوقعوا أن يعيد الوضع الدبلوماسي لعلاقة بلاده بمنظمة التحرير، ويعيد فتح مقر البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، إلا أنه لم يفعل ذلك. ربما يكون وجود سفارة رمزية ليوم واحد فأل خير لقرب وجود سفارة لدولة فلسطين المحررة عما قريب.
* كاتب صحفي مصري متخصص في الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن
المصدر: الشروق