يقول المحلل العسكري الصهيوني لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل إن العملية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالسيطرة على معبر رفح واحتلال الثلث الشرقي من محور فيلادلفي ستكون “عملية محدودة”، وليس من المفترض أن تؤدي إلى مواجهة سياسية مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة ومصر. جاء ذلك في المقال الذي ترجمته (مؤسسة الدراسات الفلسطينية).. كما يلي:
إن العملية التي قام بها الجيش الإسرائيلي، والتي شملت السيطرة على معبر رفح واحتلال الثلث الشرقي من محور فيلادلفي على حدود القطاع مع مصر، هي من أجل تحقيق هدفَي الحرب الإسرائيلية؛ تفكيك قدرات “حماس”، وتحرير المخطوفين. وحتى الآن، فقد اختارت إسرائيل عملية محدودة، وليس من المفترض أن تؤدي إلى مواجهة سياسية مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة ومصر.
وفي السيناريو الأكثر تفاؤلاً، وبعد أشهر من الصمود في المكان، فإن الضغط العسكري الذي يمارَس على معبر رفح يمكن أن ينزلق إلى احتلال رفح كلها، كما يدعو اليمين، ويمنع التقدم في الصفقة، ويعرّض حياة المخطوفين للخطر.
ومنذ فترة طويلة، كانت العملية في رفح موضع نقاش بين المستوى السياسي والعسكري، وفي ضوء الخلاف بشأن مدى الفائدة الناجمة عنها، وسلّم الأولويات بين الهجوم على رفح أو تحرير المخطوفين، وأساساً المعارضة الأميركية لعملية واسعة النطاق، قررت إسرائيل أخيراً النسخة المحدودة.
وصادق “كابينيت الحرب” على دخول طواقم قتالية من كتائب اللواء 162 ممراً يبلغ طوله 3 كيلومترات ونصف الكيلومتر يصل إلى معبر رفح، والسيطرة عليه. وكانت النية الاستيلاء على رمز مهم يدل على سلطة “حماس”، والمَخرج الوحيد لغزة مع العالم الخارجي منذ الهجوم “الإرهابي” في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولقد تأمل المؤيدون للصفقة أن يدفع تجدُد الضغط العسكري “حماس” إلى إبداء المرونة في مواقفها في المفاوضات، واليوم، تنتشر بالقرب من القطاع قوات إضافية يمكن أن تشارك في الخطوات العسكرية لاحقاً.
وتحددت ساعة الصفر للعملية مساء الاثنين، لكن قبل أن تتحرك القوات، حدثت مفاجأة “حماس”؛ إذ أعلنت قيادة الحركة في قطر موافقتها على مقترح الوساطة في الصفقة (ليتبيَّن بعدها أن المقصود هو مقترح مصري جديد جرى صوغه بمساعدة قطر والولايات المتحدة، وأُدخلت إليه تغييرات بعد مرور أسبوعين على موافقة إسرائيل عليه). وحدثت حالة ارتباك في المستوى السياسي، وفي هيئة الأركان العامة للجيش؛ فمن جهة، من الممكن أن تؤدي موافقة “حماس” إلى تغيير الوضع بصورة جذرية، وتسمح بالتقدم في الصفقة من جديد، لكن من جهة ثانية، فإن القوات اقتربت من السياج الحدودي مع القطاع، وتعرضت لنيران القذائف المدفعية، وهو ما أدى إلى مقتل 4 جنود في قصف استهدف معبر كرم أبو سالم قبل يوم.
وبعد تأخير بسيط، اتُخذ القرار بمواصلة العملية، وقد واجهت القوات مقاومة ضئيلة، واستكملت سيطرتها على المعبر، وعلى الجزء الشرقي من محور فيلادلفي خلال ساعات معدودة. وتحدّث الجيش عن مقتل 20 “مخرباً” فلسطينياً في تبادُل إطلاق النار، وقام مقاتلو الجيش بتمشيط منشآت المعبر، وتجنبوا قدر الإمكان التسبُب بدمار كبير، واستطاعت إسرائيل أن تستولي على ورقة من “حماس”، وهي تنوي استخدامها لاحقاً.
وبعد احتلال المعبر، وبطريقة ميزت الحرب كلها، نشر جنود الاحتياط فيديوهات عن العملية، تظهر فيها دبابة تدمر يافطة كُتب عليها بالإنكليزية “أنا أحب غزة”، كما يشاهَد قائد كتيبة يقود جنوده وهو ينشد “يلا نفكك رفح”، والعلم الإسرائيلي يرفرف على المعبر. ولقد أثارت هذه الفيديوهات حماسة أنصار اليمين والصحافيين في وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن ما يجري هو رفْع العلم فوق إيلات المحررة.
… لكن هذه مشكلات صغيرة. وكما أن مقتل 4 جنود في منطقة كرم أبو سالم سرّع في احتلال المعبر، فإن وقوع خسائر جديدة يمكن أن يشجع إسرائيل على توسيع العملية داخل المدينة، بهدف تقليص إطلاق النار على القوات الموجودة شرقي محور فيلادلفي. وإن منظر رفْع العلم غير الضروري وعملية السيطرة على المعبر بصورة خاصة زادا من الضغط على المجتمع الدولي الذي يتخوف من المس من جديد بالمساعدة الإنسانية إلى غزة، وخصوصاً في الوقت الذي يدور القتال في مناطق قريبة من شرايين الأكسجين المركزية؛ معبر رفح، ومعبر كرم أبو سالم الذي تعبر منه البضائع من إسرائيل.
إن إصرار إسرائيل على التحرك في قلب منطقة مكتظة سكانياً في رفح يمكن أن يسرّع وقوع مواجهة مباشرة مع إدارة بايدن، التي حتى الآن طلبت من حكومة نتنياهو الامتناع من القيام بالعملية، وكل هذه التعقيدات يمكن أن تقلل من أولوية صفقة المخطوفين في جدول الأعمال، وتترك المخطوفين الإسرائيليين في القطاع يواجهون الموت.
والسؤال المطروح هنا: “ماذا يريد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو؟”، بعد نشْر رد “حماس” يوم الاثنين، سارع رجال نتنياهو إلى تبليغ الصحافيين بأن المقصود هو عملية خداع ربما تكون مصر شريكة فيها، كما سُمعت مزاعم عن خيانة الولايات المتحدة لإسرائيل، والتخلي عن دعمها القضاء على “حماس”. ولاحقاً، عاد نتنياهو إلى رشده، وأعلن إرسال وفد تقني ليس رفيع المستوى إلى المفاوضات في القاهرة للبحث مع الوسطاء في رد “حماس”.
بالنسبة إلى مؤيدي الصفقة في إسرائيل، فإن أهمية العملية في معبر رفح سَتَظْهَرُ إذا تبيَّن أنها تدفع قُدُماً بالمفاوضات. أمّا بالنسبة إلى مؤيدي إلحاق الهزيمة بـ”حماس”، والتي يعطونها الأولوية، فإن العملية العسكرية في حد ذاتها مهمة كخطوة على طريق تحقيق الهدف.
وإن هيئة الأركان العامة للجيش التي أيدت العملية المحدودة كما نُفذت هي أكثر تشكيكاً في الأمر؛ فمن أجل إخضاع “حماس” لوقت طويل، يجب السيطرة على أجزاء أساسية من القطاع لوقت طويل، ونرى الآن بعد الانسحاب من شمال القطاع، ومن مدينتَي غزة وخان يونس، أن “حماس” تستعيد سيطرتها المدنية على المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، كما أنها تستعيد، بالتدريج، قدراتها العسكرية. والأهمية الأساسية للعملية في رفح هي إنشاء وضع جديد في منطقة الحدود بين مصر والقطاع، إذ يوجد منذ سنوات طويلة أتوستراد لتهريب السلاح فوق الأرض وتحتها. وهناك فائدة في ضرب الكتائب الأربع المتبقية لـ”حماس” في المدينة، لكن هذا الأمر يتطلب قتالاً مستمراً ودماراً كبيراً في رفح وخسائر في صفوف قواتنا.
المصدر: (مؤسسة الدراسات الفلسطينية)