نرمين ناصر *
يقترب موعد الانتهاء من إنشاء الميناء المؤقت داخل قطاع غزة، الذي سبق وأعلن عنه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في أوائل آذار/ مارس، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع الذي يعاني من مجاعة، في ظل تعنت إسرائيلي واضح لتسهيل إدخال المساعدات. الأمر الذي من شأنه طرح تساؤلًا حول الدوافع الحقيقية لدى “بايدن” وراء إنشاء ذلك الميناء.
المحتويات:
ما هو المشروع الأمريكي؟
الدوافع الأمريكية
دلائل عِدة
ما هو المشروع الأمريكي؟
في مواجهة التأخير والعراقيل الإسرائيليّة في إيصال المساعدات الإنسانيّة برًا إلى قطاع غزة، أعلن الرئيس الأمريكي في الثامن من مارس الماضي أثناء خطاب حالة الاتحاد أنه أصدر تعليماته للجيش بإنشاء ميناء مؤقت على ساحل غزة لاستقبال شحنات من الغذاء والماء والدواء. من المفترض إن المساعدات ستصل أولًا إلى قبرص حيث ستُفحص، على أن تُعد للتسليم، وستُنقل لاحقًا بسفن تجارية إلى منصة عائمة قبالة قطاع غزة، ثم بوساطة سفن أصغر إلى الممر البحري.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن وجود حوالي ألف عسكري وضابط جندي في هذه المنطقة لتأمين الميناء عند بدء التشغيل، ومع ذلك أوضح مسؤولون أمريكيون إن هذا المشروع لا يتضمن “نشر قوات على الأرض”. كما ستكون القدرة التشغيلية في البداية 90 شاحنة مساعدات يوميًا، ثم 150 شاحنة في اليوم.
من الجدير بالذكر، أعلن وزير الخارجية البريطاني “ديفيد كاميرون” أن بريطانيا ستبني إلى جانب الولايات المتحدة ممرًا بحريًا لنقل المساعدات إلى القطاع، كذلك أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون ديرلاين” عن إرادة أوروبا تمويل جهد إغاثي للفلسطينيين، لذلك أعلنت عن تدشين ممر بحري من قبرص مع الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة.
الدوافع الأمريكية:
توجد عِدة أهداف وراء قرار الولايات المتحدة الأمريكية المُتعلق بإنشاء ممر بحري، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
أولًا، قد ترغب واشنطن من خلال الممر البحري تحقيق العديد من الأهداف السياسية التي تتمثل في تعزيز نفوذها في منطقة البحر المتوسط ضد محاولات التمدد الروسي في سوريا وليبيا من ناحية. ومن ناحية أخرى ضد النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة، حيث تتخوف واشنطن من تنامي الاهتمام الصيني بالتواجد في الموانئ المطلة على المتوسط.
كذلك من المرجح أن ترغب واشنطن في تأمين أحد أبرز الممرات التجارية المرتقبة، والذي تم الإعلان عنه في سبتمبر ٢٠٢٣ في قمة مجموعة الـ 20 بالهند، حيث اتفق كلًا من الولايات المتحدة، والسعودية، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي، على توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي سيكون في مواجهة مشروع “الحزام والطريق” الصيني، حيث تهدف واشنطن إلى إضعاف المبادرة الصينية، عبر إيجاد طرق تجارية بين أسواق الشرق والغرب.
ثانيًا، قد تتخذ الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية ذريعة لعسكرة المنطقة لتطويق التواجد الإيراني في المنطقة، لا سيما مع تأكيد الولايات المتحدة على تواجد جنود أمريكيون -لحماية الميناء-، هذا فضلًا عن إشارة بعض التقارير إلى أنه من الممكن نشر قوات بريطانية على الأرض في قطاع غزة للمساعدة في توصيل المساعدات عبر الممر البحري.
إذ أوضح وزير الخارجية البريطاني “ديفيد كاميرون”، إن بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة لفتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة، وهو ما يؤكد ارتباط المصالح البريطانية بالتحركات الأمريكية في المنطقة من ناحية. ويؤكد من ناحية أخرى على إن دمج فرق التخطيط العسكري البريطانية المتخصصة داخل مقر العمليات الأمريكي في تامبا بولاية فلوريدا- وكذلك في قبرص- لعدة أسابيع من شأنه أن يساهم في بسط نفوذ بريطانيا في قبرص مع امتلاكها إلى قاعدة عسكرية هناك.
وقد استخدمت لندن قاعدة “أكروتيري” لتنفيذ عدد من العمليات العسكرية البريطانية والأمريكية في الشرق الأوسط، منها عمليات استهدفت ليبيا وسوريا والعراق، ومنها الغارات الجوية التي استهدفت الحوثيين في الآونة الأخيرة. وذلك في ظل غضب واستياء الشعب القبرصي من استخدام أراضي نيقوسيا كنقطة انطلاق لهذه الهجمات، حيث واجهت حكومة قبرص احتجاجات واسعة في بداية العام الجاري.
ثالثًا، لا تقتصر الأهمية الاستراتيجية لهذه الخطوة على الجانب الإنساني فحسب، بل تمتد لتشمل التدريب على عملية قتالية قد تلعب دورًا محوريًا في حال اندلاع نزاع مسلح بمضيق تايوان. إذ يُظهر الأسطول الأمريكي، من خلال هذه المهمة، قدرته على إقامة جسور بحرية تتحدى العقبات اللوجستية وتعزز من فاعلية القوات الأمريكية في مواجهة التحديات العسكرية، لا سيما أن هذا الممر يُعد جزءًا من نظام الرصيف العائم المشترك عبر الشاطئ (JLOTS)، الذي من شأنه أن يُسهل على السفن تفريغ المساعدات الإنسانية، كما أنه يعتبر خيارًا استراتيجيًا يعزز من قدرات “البنتاجون” ويوفر له مرونة أكبر في التعامل مع الأزمات.
رابعًا، تسعى واشنطن أيضًا أن تكون جزءًا فاعلًا من تفاعلات منطقة شرق المتوسط، لتأمين مصالح شركاتها العاملة في مجال الطاقة وتأمين مصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة. علاوة على ذلك، التواجد في البحر المتوسط من شأنه أن يساعد واشنطن على احتواء التوترات إذا تجددت بين تركيا واليونان وقبرص، حيث بالتأكيد يرغب “بايدن” في ضمان المحافظة على وتيرة التهدئة بين هذه الدول الآن، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية.
ومن الجدير بالذكر، نوهت بعض التقارير أيضًا إلى أنه بعد الانتهاء من بناء الميناء، سيتم تشغيل مطار “ياسر عرفات”، كما سيتم إنشاء جزيرة صناعية بعد ذلك، بهدف التحايل على الميليشيات الحوثية التي تعمل على شن هجمات في البحر الأحمر.
خامسًا، توجد أهداف اقتصادية يُعتقد أنها قد تكون ضمن الدوافع التي دفعت واشنطن لإنشاء هذا الممر البحري، أهمها موارد الغاز الطبيعي وطرق التجارة الدولية بالمنطقة. كما أشار البعض أن واشنطن تريد تخفيف الحصار عن الموانئ الإسرائيلية التي تعرضت للاجتياحات والإغلاقات، مثل ميناء إيلات التجاري وميناء أشدود وميناء عسقلان.
دلائل عِدة:
يحمل مشروع الممر البحري العديد من الدلائل وهو ما يمكن استعراضه فيما يلي:
1). تحايُل أمريكي: في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى إنشاء الممر البحري لزيادة حجم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وافق الكونجرس الأمريكي على تزويد إسرائيل بمساعدات بحجم ٢٦،٤ مليار دولار في ٢٠ من أبريل٢٠٢٤. كذلك، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد المقترح الجزائري بشأن منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة في ١٩ أبريل، الأمر الذي يوضح دعم واشنطن لتل أبيب في حربها على قطاع غزة وأن دوافعها المُعلنة من إنشاء الممر البحري ليست سوى للتضليل ولتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي والداخل الأمريكي المُستاء من إدارة “بايدن” لملف غزة، لا سيما عقب الاحتجاجات الأخيرة التي تشهدها الجامعات الأمريكية، مما يعكس محاولة الرئيس الأمريكي لاسترضاء القاعدة الانتخابية المحلية التي يكاد يخسرها.
2). تورط أمريكي مباشر: تدافع الولايات المتحدة الأمريكية عن أمن واستقرار إسرائيل دائمًا، الأمر الذي تجلى من خلال تصديها للهجوم الإيراني الأخير على تل أبيب. بيد أن وجود أفراد من الجيش الأمريكي، من المحتمل أن يجر واشنطن إلى الحرب بشكل مباشر إذا ما استهدفت حركة حماس قوات الجيش، خاصة بعدما وقع هجوم بالقرب من المنطقة التي سيلامس فيها الممر البحري الأرض.
3). عرقلة إسرائيلية: لم تقم تل أبيب بحماية عمليات نقل المساعدات كما يجب، حيث في شهر فبراير الماضي قُتل أكثر من 100 شخص، إما برصاص القوات الإسرائيلية التي كانت تحرس القافلة، وفقاً لشهود فلسطينيين، أو دهسًا وسط الحشد، وفقًا لرواية الجيش الإسرائيلي. علاوة على ذلك، فقد تم قصف الشاحنات والمستودعات، ودمرت القوات الإسرائيلية الطرق، كذلك توقف أفراد الشرطة في القطاع عن حراسة قوافل المساعدات بعدما تم استهدافهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي فيما سبق. ولذلك من المرجح أن تقوم تل أبيب بعرقلة إيصال المساعدات عبر الممر البحري، لا سيما بعدما أعلنت أنه سيتم إيصال المساعدات شريطة إجراء فحوصات أمنية وفقًا للمعايير الإسرائيلية، وهو ما يعني أيضًا أن القرار الأخير بإدخال أي مساعدات يعود إلى تل أبيب.
4). تصفية القضية الفلسطينية: ليس من المستبعد أن يكون سبب ترحيب تل أبيب بالمشروع هو تناسبه مع الخطط الإسرائيلية المتمثلة في التهجير القسري للفلسطينيين وفي القضاء على الأونروا، باعتبارها الوكالة التي تتمتع بالتفويض لتقديم المساعدات، لا سيما عقب تبرئة اللجنة المستقلة المعنية بمراجعة وفحص الادعاءات الموجه من قبل إسرائيل، وكالة الأونروا في 22 من أبريل الجاري، من كافة الاتهامات الإسرائيلية.
خلاصة القول، فإن لدى واشنطن عدد من الدوافع التي تدفعها إلي إنشاء الممر البحري؛ لأنها إذا كانت تريد حقًا معالجة الأزمة الإنسانية في غزة، فإنه بإمكانها تحقيق ذلك من خلال الضغط على إسرائيل. وذلك عن طريق فتح المعابر البرية دون الحاجة إلى إنشاء هذا الممر البحري الذي يحتاج تمويلًا كبيرًا وفترة طويلة كي يُحقق الغرض -المُعلن- المرجو منه، لا سيما إن التكلفة التقديرية التي ستتكبدها الولايات المتحدة لبناء الممر قد ارتفعت إلى 320 مليون دولار.
* كاتبة وباحثة مصرية
المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية