علي حمادة *
تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ هجومها الاستعراضي في 18 نيسان (أبريل) الماضي على إسرائيل رداً على مجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان. فطهران تعرف أن إسرائيل كانت قادرة على القيام بهجوم كبير واستعراضي رداً على هجومها قبل أسبوع كان من شأنه أن يدفع إيران إلى الرد على الرد والانزلاق نحو المجهول.
لكن ما حدث أن تل أبيب اختارت عقد صفقة مع إدارة الرئيس جو بادين والحزبين الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس إضافة إلى الاتحاد الأوروبي فوجهت ضربة جراحية رمزية على شكل رسالة إلى طهران من خلال استهداف نظام الدفاع الجوي الروسي “أس 300” الاستراتيجي المضاد للصواريخ الباليستية. وهو الأكثر تطوراً لديها في الوقت الحاضر والحاق الأذى بعدد من مكوناته كالرادارات، ومنصات إطلاق الصواريخ في القاعدة الجوية القريبة من شمالي مدينة أصفهان والواقعة على مسافة 100 كيلومتر جنوبي منشأة نطنز النووية. والأهم ان نظام الدفاع الجوي الذي استُهدف كان مكلفاً بتأمين سلامة المنشأة المذكورة بوجه الهجمات الجوية أو الباليستية البعيدة أو المتوسطة المدى. وكذلك الهجوم بصواريخ جو-ارض المحمولة على طائرة مقاتلة واحدة حصل حسب كل الدلائل من الأراضي العراقية من دون أن يتم اكتشافها أو اعتراض الصواريخ الثلاثة.
فيما بعد تعمدت طهران التقليل من الضربة بدءاً بنفي حصولها، ثم بتوصيف الصواريخ بأنها اقرب إلى ألعاب الأطفال، الأمر الذي طوى صفحة الرد على الرسالة الإسرائيلية الموجهة شطر البرنامج النووي الإيراني في قلب البلاد.
اختارت إسرائيل الصفقة بدلاً من رد قوي أو استعراضي. وأولى بنود الصفقة تمثلت بمسارعة مجلسي النواب الأميركي إلى المصادقة على حزمة مساعدات عسكرية ومالية كانت معلقة منذ أكثر من ستة أشهر بلغت 28،6 مليار دولار أميركي جرى التصويت عليها مع حزمتي مساعدات الأولى لأوكرانيا بلغت 61 مليار دولار، والثانية 8 مليارات دولار لدعم تايوان.
ومن الواضح أن الحزمة المخصصة لإسرائيل التي شكلت ضعفي الحزمة الأساسية العالقة منذ شهر كانون الأول (ديسمبر) 2023 هي التي حركت الحزمتين الاخريين، وتمكن اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس من إمرارها بتوافق عريض من الحزبين.
أكثر من ذلك حصلت إسرائيل على ما يشبه الضوء الأخضر الضمني من الولايات المتحدة لاستكمال خططها لمعركة مدينة رفح وفق ضوابط متفق عليها بين الطرفين. ومنحت تل ابيب هوامش أكبر للرد على الفصائل الإيرانية في سوريا والعراق مباشرة رداً على هجمات تنفذها تلك ضد إسرائيل.
وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي حصلت تل أبيب على دعمها من خلال التحضير لحزمة عقوبات أوروبية ضد طهران. وأخيراً وليس آخراً نتج عن اختيار إسرائيل الصفقة بدلاً من الهجوم الكبير ضد إيران ترميم علاقاتها مع شركائها وحلفائها الغربيين، وفي المقدمة الولايات المتحدة، أياً يكن من يجلس في “المكتب البيضاوي” في واشنطن.
بنتيجة الامر حصل تعادل بين إسرائيل وإيران في الميدان. والأيام والأسابيع المقبلة ستكشف بنوداً سرية في الصفقة على الجانب الإيراني يمكن أن تشمل التزام إسرائيل عدم اغتيال كبار ضباطها في سوريا. والاكتفاء بمهاجمة الأهداف العسكرية. مع تقبل استهداف قادة ومقاتلي الفصائل الإيرانية من لبنان الى العراق.
وفي هذا الإطار تبقى علامات الاستفهام قائمة حتى اللحظة بشأن الهجوم الغامض الذي حصل ليل السبت الماضي (20/4/2024) على قاعدة “كلسو” التابعة لـ”الحشد الشعبي” في محافظة بابل جنوبي العاصمة بغداد. والترجيحات ان تكون إسرائيل بدأت باستهداف الفصائل التي تهاجمها ضمن الهوامش المتاحة وفقاً للصفقة.
* كاتب لبناني
المصدر: النهار العربي