أحمد مظهر سعدو
كثر الحديث مؤخرًا عن خطورة ما يجري لأهلنا الفلسطينيين في قطاع غزة، وعن خطورة المشروع الصهيوني الذي يطال المنطقة برمتها، منذ تأسيسه، ومن ثم احتلاله لدولة فلسطين عام ١٩٤٨.
وفي هذا السياق كانت هناك مناكدات وخلافات كثيرة بين النخب العربية الفلسطينية والسورية وسواهما، وخاصة تلك التي لا تجد خطورة بنفس المستوى مع مشروع فارسي آخر، قد يكون بنظرها أقل خطورة من المشروع الصهيوني، على الإقليم والأمة، بل من الممكن أن يتجاوزه بكثير، لما يشكل من أطماع، وسمات طالت عمليًا، وليس نظريًا حتى الآن، أربع عواصم عربية، هي مرتكزات وأساسات في للمنطقة العربية، وهي بغداد ودمشق، بيروت وصنعاء، والحبل على الجرار كما يقال.
هذه المشادات والمناكدات، تدفعنا اليوم إلى قراءة موضوعية هادئة، تحاول ما أمكن أن تضع المشروعين مباشرة تشريحًا وتفصيلًا أمام ناظرينا، والعمل على فهم خطورة كل منهما، ومدى اشتغاله على طمس الواقع العربي، ومتابعة إنجاز وإنفاذ أدوات المشروع التابع لكل منهما عمليًا وميدانيًا على أرض الواقع.
من هنا كان لابد من التوقف أولًا عند حيثيات المشروع الإيراني، وما فعله ويفعله عيانيًا في واقعنا العربي، وصولًا إلى حالة إنفاذ هذا المشروع في ظل غياب وتغييب أي مشروع عربي موازي، أو مواجه، لذلك فإن خطورة المشروع الإيراني الفارسي الطائفي، المستهدف فيه العرب وفي مواجهتهم، يتكئ إلى عناوين جمة نذكر منها:
– إن هذا المشروع يمتلك بعدًا نظريًا قوميًا فارسيًا وهو إحلالي عملت عليه دولة الفقيه والملالي منذ أواخر السبعينيات من القرن الفائت، يوم انتصرت ما سمي بثورة الشعوب الإسلامية في جغرافية إيران السياسية، وبالتالي العمل على تصدير الثورة، كما قيل في حينها، واستهداف كل المحيط العربي، وصولًا إلى ديناميات بث الخلافات الطائفية، وإيقاظها من جديد، وبعث روح الانقسام والتشتت في الواقع العربي، أوفي الإقليم.
– المشروع الإيراني أيضًا ذو صفة (كولونيالية) خطرة، حيث أدى إلى حالة احتلال حقيقية لدولة وإقليم الأحواز العربي، منذ ما يقرب من ٩٩ عامًا ونيف، بعد أن هيمنت وسيطرت على هذا الإقليم العربي، الغني بالنفط، وتهجير سكانه، وإنشاء مستوطنات فارسية داخله، وامتصاص واستثمار خيراته لصالح الفرس، وتجفيف منابعه المائية، وإلغاء هويته الوطنية ذات السمة العربية.
– ولعل إنشاء المستوطنات في غير مكان جغرافي من الأحواز العربي يؤكد أن هذه السياسة الاستيطانية تتقارب جديًا وواقعيًا مع سياسات أخرى في المنطقة، ونعني ما يجري في فلسطين من مثل هكذا سياسات.
– إلغاء وإنهاء سمة العروبة كليًا حتى على الخليج العربي، المعروف تاريخيًا بهذه السمة، والذي يحيط به العرب من كل الاتجاهات، كسكان وأقوام عربية موجودة تاريخًا في هذه المنطقة، شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا، وهو ما تصر عليه إيران في المحافل الدولية، عبر تأكيدها على تسمية الخليج العربي، بالخليج الفارسي، ومحي السمة العربية عنه.
– وأيضًا احتلال العديد من الجزر العربية المحيطة، والموجودة داخل الخليج العربي، ومنها جزر طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى وغيرها.
– استمرار التهديدات المباشرة واليومية لدول الخليج العربي، وازدياد الحصار عليها، ومد الإرهابيين بالسلاح، لخنق دول الخليج، وتخويفها، وسط صمت وفرجة دولية، كما يحصل مع دولة الأمارات العربية المتحدة، ومع البحرين، وسواهما، وخاصة ما تفعله إيران في اليمن.
– علاوة على ذلك فإن تمويل وإنشاء مليشيات إيرانية طائفية في العراق وسورية ولبنان واليمن لتكون أدوات مطيعة لتعويم وإنفاذ المشروع الإيراني، مازالت قائمة ومتابعة وتغرقها إيران بالأموال، من أجل مصالحها، أو أطماعها، وليس من أجل أية شعارات أخرى كاذبة تدعيها إيران، كتحرير القدس أو فلسطين.
أما في المقلب الآخر ونعني به المشروع الإسرائيلي الصهيوني الخطر، والذي يستهدف المنطقة أيضًا والفلسطينيين والعرب بشكل أخص، فقد ارتكز هو الآخر إلى أساسات ليست بعيدة، بل تتشابه كثيرًا مع ما ذهبنا إليه في تشريح خطورة وأساس المشروع الإيراني نذكر منها:
_ السمة الفكرية التي تؤسس للمشروع الصهيوني الاحتلالي يطال ليس فلسطين فحسب، بل كل المحيط العربي، ويجهز باستمرار على فكرة التوحد العربي، ويدعو إلى إقامة علاقات مصلحية متواصلة، تلغي أي مشروع عربي، وتبقي العرب كتابعين لسياسات إسرائيل، ومن يقف معها في المنطقة، من دول الغرب أو الشرق.
_ كذلك فإن الاحتلال الصهيوني هو الآخر يتكئ إلى هيمنة احتلالية كولونيالية سيطرت على معظم فلسطين، وهي تدمر وتبيد ما تبقى من مناهضين لها في قطاع غزة والضفة الغربية وتحتل الجولان السوري، وتسرق الغاز المصري، وتكبل مصر والأردن باتفاقات إذلالية، وتحتل بعضًا من جنوب لبنان، وتلغي الدولة اللبنانية عبر سياسات التفاهم غير المعلنة، مع ميليشيا حزب الله وتوابعه.
_ بناء المزيد من المستوطنات، وطرد السكان الفلسطينيين من أرضهم، وبناء كانتونات استيطانية داخل الأراضي الفلسطينية، المفترض أنها تابعة للسلطة الفلسطينية، نتيجة اتفاقات أوسلوا سيئ الصيت.
_ استمرارها في قصف الكثير من مواقع جغرافية سورية، تحت ذرائع شتى، ووصولها بالقصف إلى العراق وتونس ولبنان، وأماكن أخرى في العالم العربي، سابقًا ولاحقًا، إذا دعت الضرورة لذلك.
_ قدرة المشروع الصهيوني على تخويف بعض النظم العربية من مشروع إيران، لجرها طوعاً أو كرهًا إلى صفها، وإقامة علاقات تطبيعية، ومشاريع (إبراهيمية) تجعل من هذه الدول مطواعة في يدها وعاجزة عن الخروج من تحت هيمنتها.
_ الاشتغال حثيثًا على مد يد التطبيع قسرًا، وتخويف لكل الدول التي لم تطبع بعد مع الكيان الصهيوني، وخلق حالة من اللا جدوى أمام كل ما تفعله إسرائيل في البشر والحجر، ضمن فلسطين لتغدو الدول العربية بكليتها، شاهد زور، على ما يجري في غزة والضفة.
على هذا الأساس وضمن هذه التمظهرات العيانية الإسرائيلية والإيرانية، وفي أتون حالة الصراع النفعي المصلحي البراغماتي والذي لا يرتقي أبدًا إلى حالة العداء بين المشروعين، فإن الخطر الداهم على شعوبنا وأمتنا، من كليهما، ماثلًا وحاضرًا ويهدد وجود العرب بكليتهم، ويؤشر إلى حالة اللعب بالعرب الظاهر من الطرفين و بالقضية الفلسطينية، ومستقبلات الشعوب العربية في ظل واقع عربي مترهل وعاجز ولا يقوى على مناهضة هذين المشروعين، الأشد خطرًا على أمتنا، بلا منازع، إذ لا فرق بينهما ولا إمكانية أبدًا لأي بلد عربي، إذا ما حاول تأسيس بنيته المستقبلية المستقلة، إلا أن يكون في حالة عداء وصراع معهما لما يشكلان من أخطار جمة محدقة بالعرب، كانت ومازالت، وبكل الشعوب العربية بل وبكل المنطقة.
المصدر: غلوبال جستس