محمد أبو شحمة *
لم يترك الجيش الإسرائيلي خلال حربه المستمرة على قطاع غزة، مدرسة أو جامعة إلا واستهدفها بالقذائف أو نسف مبانيها بالمتفجرات، أو قصفها جواً عبر الطائرات الحربية.
يتضح من خلال التدمير الكبير للجامعات والمدارس الفلسطينية في قطاع غزة، أن الجيش الإسرائيلي لديه سياسة ممنهجة في استهداف مراكز التعليم في القطاع، بهدف التجهيل وإنهاء وجود أي مكان للدراسة حتى بعد انتهاء الحرب.
عمل الجيش الإسرائيلي أيضاً على تحويل جامعات كثيرة في قطاع غزة إلى ثكنات عسكرية وأماكن للتحقيق، ثم تدميرها بعد الخروج منها، وفقاً لتأكيدات حصل عليها “درج” من شهود عيان، ووثّقتها مراكز حقوقية.
يوجد في قطاع غزة 796 مدرسة، منها 442 مدرسة حكومية و284 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، و70 مدرسة خاصة، وفقاً لأرقام صادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
ويبلغ عدد الأبنية المدرسية للعام الدراسي في قطاع غزة 550 مبنىً مدرسياً، منها 303 مبانٍ مدرسية حكومية، و182 مبنىً مدرسياً تابعاً لوكالة غوث، و65 مبنى مدرسياً خاصاً، حسب الوزارة.
ويبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في غزة 17 مؤسسة، إضافة إلى جامعة للتعليم المفتوح. ويلتحق بتلك المؤسسات نحو 87 ألف طالب وطالبة في القطاع.
تكشف الأرقام السابقة عن ممارسة الجيش الإسرائيلي لما يسّمى “إبادة التعليم”، وفي هذا الإطار وقع مئة أكاديمي أوروبي عريضة للمركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، تدين تدمير إسرائيل المنهجي للنظام التعليمي، وأكد الأكاديميون “إن الهجمات العسكرية الإسرائيلية قد ترقى إلى مستوى القتل المعرفي – أي قتل وإسكات وإبادة نظام المعرفة الفلسطيني– وهو من شأنه أن يؤثر على مستقبل الشباب وأجيال كاملة من الأطفال الفلسطينيين في المستقبل”. وأضاف البيان أن الاستهداف الممنهج للمؤسسات التعليميّة يندرج في إطار جريمة الإبادة الجماعية.
جامعة الأزهر:
جامعة الأزهر في غزة التي تعد من أبرز الجامعات الفلسطينية وتقدم خدمة التعليم لـ15 ألف طالب وطالبة، ويوجد بها 600 موظف أكاديمي وإداري، تعرضت مبانيها للدمار من الجيش الإسرائيلي. وتوجد لدى الجامعة (12) كلية نوعية تضم (120) برنامجاً|، منها (80) برنامجاً تمنح درجة البكالوريوس و(36) برنامجاً تمنح درجة الماجستير.
وتعرضت مباني الجامعة إلى القصف والنسف بالمتفجرات من الجيش الإسرائيلي، بخاصة الفرع الجديد لها في مدينة الزهراء جنوب غزة. وأكد مجلس إدارة الجامعة أن مباني الجامعة التي تعد من أهم صروح التعليم العالي والبحث العلمي في قطاع غزة وفلسطين، لحقت بها أضرار جسيمة وخسائر فادحة، وأكد المجلس العزيمة والإصرار على إعادة تأهيل مباني الجامعة وقاعاتها ومختبراتها.
الجامعة الإسلامية:
تعرضت الجامعة الإسلامية في غزة، وهي من أهم الجامعات الفلسطينية، لأضرار كبيرة وخسائر مادية بالغة إثر استهدافها من الجيش الإسرائيلي. وأكدت الجامعة في تصريح مكتوب وصلت الى “درج” نسخة منه، أن مبنى كلية تكنولوجيا المعلومات ومبنى عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر ومبنى كلية العلوم بالجامعة، تعرضت لأضرار كبيرة بكل ما فيها من تجهيزات ومختبرات وأثاث، بالإضافة الى تكسير معظم زجاج وواجهات مباني الجامعة.
استهداف إسرائيل هذه الجامعة بالذات يعود إلى بداية تأسيسها أواخر السبعينات، وتحولت لاحقاً إلى هدف للجيش الإسرائيلي، خصوصاً أن قيادات حماس كانت في مجلس إدارتها كالشيخ أحمد ياسين وإسماعيل أبو شنب. كما تخرجت فيها قيادات حمساوية كإسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، وهذا ما يفسر الاتهامات الإسرائيلية المتكررة للجامعة، واستهدافها في كل فرصة.
جامعة فلسطين:
دمّر الجيش الإسرائيلي كامل مباني جامعة فلسطين في مدينة الزهراء جنوب غزة خلال حربه المستمرة على قطاع غزة. واعتبرت إدارة الجامعة أن تدمير مقارها في مدينة الزهراء وقبلها التدمير الكامل لفرع خان يونس، هو جريمة ومخالفة وانتهاك واضح للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية التي تحمي المؤسسات التعليمية والأكاديمية، وأكدت أن حرمها ومقارها منشأة مدنية تعليمية.
جامعة الإسراء:
هاجم الجيش الإسرائيلي جامعة الإسراء في مدينة الزهراء جنوب غزة، وقصف مبنى كليات الدراسات العليا الرئيسية. ونسف المتحف الوطني داخل الجامعة والمرخص من وزارة السياحة والآثار والأول على مستوى البلاد.
ويتضمن المتحف الذي نُسف، أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية نادرة تعود إلى العصر الإسلامي والروماني والإسلامي والآثار التاريخية الفلسطينية.
كما فجر الجيش مباني المستشفى الجامعي الأول والوحيد في قطاع غزة والثاني في فلسطين، ومباني المختبرات الطبية والهندسية، ومختبرات التمريض، واستوديو التدريب الإعلامي، ومحاكم التدريب بكلية الحقوق، وقاعات التخرج.
واستُهدفت أيضاً مقرات الدراسات المتوسطة في الجامعة “دبلوم” شمال قطاع غزة ومركز التعليم المستمر والتدريب المهني الواقع في الجزء الغربي من غزة بحي الرمال، والتي تحولت أخيراً إلى مأوى للنازحين.
استهداف المدارس:
لم تسلم المدارس من استهداف الجيش الإسرائيلي خلال حربه المستمرة على قطاع غزة، إذ قصف ودمّر المئات منها، وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أكدت أن 278 مدرسة حكومية و65 تابعة لوكالة “الأونروا” تعرضت للقصف والتخريب في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى تعرض 83 منها لأضرار بالغة، و7 للتدمير بالكامل، كما تعرضت 38 مدرسة في الضفة للاقتحام والتخريب.
أكدت الوزارة أن الاستهداف الإسرائيلي للمدارس طاول 90 في المئة من الأبنية المدرسية والتربية الحكومية، التي تعرضت لأضرار مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى 29 في المئة من الأبنية المدرسية لا يمكن تشغيلها لتعرضها لهدم كلي أو أضرار بالغة.
كذلك، كشفت هيئة إنقاذ الطفولة التابعة للأمم المتحدة اليوم، أن نحو 75 في المائة من المدارس والجامعات في قطاع غزة دمرت أو تضررت منذ بدء الحرب الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وأوضحت هيئة إنقاذ الطفولة، أن عملية إعادة البناء على المدى الطويل لمئات المواقع التعليمية ستستغرق وقتاً طويلاً مع الأخذ في الاعتبار كمية الذخائر غير المنفجرة التي ستحتاج إلى تطهير قبل أن تبدأ عملية إعادة البناء.
رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقره جنيف، رامي عبدو، أكد أن استهداف المؤسسات التعليمية من الجيش الإسرائيلي ممنهج ومقصود. وقال عبدو في حديثه لـ”درج”: إن “الاستهداف شمل كل المؤسسات التعليمية في قطاع غزة حيث تم تدمير الكثير منها”.
وذكر أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ستتسبب في انقطاع زمني للطلاب عن العودة الى المقاعد الدراسية، إذ سيضطر بعضهم إلى تغيير تخصصاتهم الجامعية، وبعضهم الآخر سيقررون عدم استكمال دراستهم، لأن الوقت الزمني لاستئناف الحياة الدراسية سيكون طويلاً.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي حوّل مدارس إلى ثكنات عسكرية للدبابات أو اتخاذها مقرات مؤقتة للجيش ومراكز تحقيق مع المواطنين والتنكيل بهم.
وبين أن الجيش دمّر مدارس، سواء عبر زراعة المتفجرات أو تدميرها كلياً، إذ تنشر القوات الإسرائيلية مقاطع مصورة لعمليات التدمير، كما حدث حين دمرت مدرسة بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قرب مستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا شمال غزة.
واعتبر أن ما تنتهجه إسرائيل عبر هجومها العسكري من تدمير واسع النطاق والمتعمد للممتلكات الثقافية والتاريخية، كالجامعات والمدارس والمكتبات ودور الأرشيف، يأتي في إطار سياساتها العلنية بجعل قطاع غزة مكاناً غير قابل للحياة والسكن، وبالتالي خلق بيئة قسرية تفتقد أدنى مقومات الحياة والخدمات، قد تدفع سكانه في نهاية المطاف إلى الهجرة.
* صحفي فلسطيني
المصدر: موقع درج