مروان قبلان *
بعيداً عن احتفالات النصر وادّعاءات هزيمة الخصم الصادرة عن إيران وإسرائيل وحلفائهما بشأن نتائج هجمات الأولى يوم 14 إبريل/ نيسان الجاري، ردّاً على استهداف الثانية مبنى مجاوراً للسفارة الإيرانية في دمشق يوم 1 نيسان/ إبريل وقتل ضباط كبار في الحرس الثوري الإيراني، أسفرت المواجهة المباشرة الأولى بين إسرائيل وإيران عن تغيّرات ثلاثة رئيسة، سوف تشكل على الأرجح المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط لسنوات عديدة.
أولها، أن حرب الظلّ المستمرة بين إيران وإسرائيل منذ عقود خرجت إلى العلن، وأن الصدام بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي صار حتمياً. ويعود السبب إلى نجاح الإيرانيين والإسرائيليين في إخراج العرب من معادلة القوى في المنطقة من خلال التشجيع (إسرائيل) أو المساعدة (إيران) في غزو أميركا للعراق، واستكمال ذلك بتدمير أسس الدولة الوطنية العربية في المشرق والذي تولته إيران وإسرائيل معاً خلال ثورات الربيع العربي (في سورية خصوصاً). والواقع أن علاقة “تخادم” إسرائيلية إيرانية مشتركة نشأت منذ الحرب العراقية الإيرانية هدفها إضعاف العدو المشترك (العرب) عبر هزيمة العراق وصولاً إلى غزوه وتدميره (2003). وأنصح هنا، لمزيد من التفاصيل، بقراءة كتاب جاك سترو، وزير خارجية بريطانيا في عهد حكومة توني بلير “The English Job”، أو مشاهدة شهادته المهمّة في برنامج “وفي رواية أخرى” على التلفزيون العربي (يونيو/ حزيران 2021)، وفيها يقول إن إسرائيل كانت مزوّداً رئيساً بالسلاح لإيران في أثناء الحرب مع العراق، وأن تعاوناً استخبارياً مهمّاً نشأ بين الطرفين ساعد في استهداف مواقع عسكرية عراقية مختلفة، بما فيها مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981. في المقابل، وافق آية الله الخميني على هجرة يهود إيران إلى إسرائيل (هاجر نحو 50 ألفا منهم خلال الثمانينيات من دون ضجيج يذكر، فيما كانت أنظار العرب تتركّز على هجرة اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل). وهكذا بعد أن شكّلوا عازلاً “محشوراً” بين إيران وإسرائيل، خرج العرب اليوم من المعادلة، وصارت إيران على حدود إسرائيل، وصار الصدام، بالتالي، حتميّاً بينهما.
ثانياً، طرأ تغييرٌ رئيسٌ على عقيدة إيران العسكرية، ويبدو أن هجوم الأول من إبريل في دمشق نجح في إحراج إيران، وإخراجها من الظلّ، ودفعها إلى التصدّي مباشرة لمهمة الردّ على إسرائيل. منذ انتهاء الحرب مع العراق التي كبّدتها خسائر فادحة، وبسبب ضعفها الناتج عن الحصار والعزلة، تبنّت إيران عقيدة أمنية تقوم على ركنين: الأول، تجنّب المواجهة المباشرة مع خصومها، والاستعاضة عن ذلك بحروب وكالة أقلّ كلفة تخوض فيها إيران حروبها على أرض الآخرين وبدمائهم (تسمّي إيران هذا الدفاع المتقدّم). والثاني، إنشاء ردع غير متناظر مع خصومها بحيث تكبحهم عن مهاجمتها عبر الوكلاء، وتستطيع، في الوقت نفسه، إلحاق الضرر بهم إذا اقتضت الحاجة من دون أن يكونوا قادرين على معاقبتها، باعتبار أن ايران لم تقم بالفعل الحربي المباشر ضدهم. سقطت هذه الاستراتيجية في الأول من إبريل، وصار على إيران أن تخرُج بنفسها لخوض حروبها.
ثالثاً، كشفت المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية المباشرة الأولى عن ملامح تحالف أمني قيد التشكّل يضم دولاً عربية وغربية إلى جانب إسرائيل. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن تفاصيل التصدّي للهجمة الجوية الإيرانية على إسرائيل يوم 14 الجاري شارك فيها، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأردن ودول عربية خليجية. وكان الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، أول من اقترح ربط النظم الدفاعية الجوية للحلفاء في المنطقة للتصدّي للبرنامج الصاروخي الإيراني، لمعالجة مخاوفهم من الاتفاق النووي مع إيران. وصار هذا التوجّه ممكناً مع انتقال إسرائيل عام 2021 من منطقة القيادة الأميركية في أوروبا إلى منطقة القيادة المركزية في الشرق الأوسط، بعد توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020. بهذا المعنى، باتت المنطقة اليوم أمام تحالفيْن يرتصف العرب بينهما: الإيراني والإسرائيلي (من غير الواضح أين يقف الأتراك هنا). هذه هي التحوّلات الرئيسة التي نتجت عن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة الأولى، ما تبقى مجرّد تفاصيل، لكنها تتطّلب أن يفكّر أبناء المنطقة التاريخيون (العرب والإيرانيون والأتراك) في كيف وصلنا إلى هنا، ولماذا؟
* كاتب وباحث سوري
المصدر: العربي الجديد