ياسمين عبداللطيف زرد *
نشر موقع Eurasia Review مقالاً حول سبب إظهار بعض الدول- لا سيما فى آسيا وإفريقيا وحتى في أوروبا- تأييداً محدوداً للجانب الأوكراني في الحرب التي شنتها روسيا ضده، أوضحَ المقال- بشكل مفصل بعض الشيء- الموقف الهندي المحايد، رغم أن الأخيرة تتخذ قرارات عسكرية واقتصادية تضر بمصالح نيودلهي. كل ذلك يبّرز سبب تركيز أوكرانيا على الغرب- دون غيره- للحصول على المساعدات… نعرض من المقال ما يلي:
في آذار/ مارس 2022، أيدت 141 دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة- أو 73% من إجمالي الدول الأعضاء- قراراً يدعو إلى انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا وإعادة التأكيد على سيادة وسلامة أراضيها واستقلالها. هذه الأصوات لم تكن تختار بين الدكتاتورية والديمقراطية، إذ إن العديد منها هي أنظمة استبدادية أو ديمقراطيات ضعيفة.
تفسير ذلك هو أن بعض هذه الدول، خاصة في آسيا وإفريقيا، ظهرت بعد قتال حركات التحرر الوطنى ضد القوى الإمبريالية في أوروبا الغربية. أما بعضها الآخر فقد واجه تهديدات للسيادة الإقليمية من دول معادية أو حركات انفصالية. باختصار، النقطة الحاسمة بالنسبة لهم هي أن الغزو الروسي غير القانوني ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والسلامة الإقليمية لأوكرانيا.
- • •
تعليق الآمال على أن تستخدم الصين الاستبدادية، التي تتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي عالمي، والهند الديمقراطية (الضعيفة)، وكلاهما من المُشترين الرئيسيين للأسلحة والطاقة الروسية، نفوذهما على موسكو لإدانة العدوان الروسي، هي آمال غير واقعية.
امتنعت الصين والهند من بين 35 دولة أخرى (18% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة) عن التصويت ضد ضم روسيا غير القانوني لشرق أوكرانيا. ومن السهل تفسير حياد الصين بأنها تسعى بالتعاون مع روسيا إلى إنهاء التفوق الأمريكي على آسيا والعالم، ناهينا عن أن بكين تلوم واشنطن على الحرب. أما امتناع الهند عن التصويت فكان مفاجئاً، بالنظر إلى أن سلامة أراضيها كانت مهددة منذ فترة طويلة من قِبَل الصين وباكستان!
في اجتماع مجموعة السبع في هيروشيما في أيار/ مايو 2023، نصح رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودى، زيلينسكي بأنه «لا توجد مشكلة في العصر الحديث لا يمكننا أن نجد لها حلاً في تعاليم بوذا»، ولكن التصريح الأخير الذي أدلى به وزير الشؤون الخارجية الهندي لصحيفة مالية ألمانية بأن الهند لن تبدأ الوساطة في أوكرانيا يوضح بجلاء أن حكمة بوذا لن تُخلِف أي تأثير على حرب روسيا في أوكرانيا. وعلى مستوى آخر بالمناسبة، لم تشرح نيودلهي قَط لماذا لم تنجح تعاليم بوذا في حل صراعات الهند الحدودية القديمة مع جارتيها باكستان والصين.
أما في اجتماع شنغهاي للتعاون الذي قادته الصين في أوزبكستان في أيلول/ سبتمبر 2022، أخبر مودي الرئيس الروسي بشكل غامض في بيان نُقل على نطاق واسع أن الآن «ليس وقت الحرب»، بينما أشاد بالعلاقة بين الهند وروسيا ووصفها بأنها «غير قابلة للكسر». وفي 20 شباط/ فبراير الماضي، قال وزير الشؤون الخارجية الهندي إن «روسيا لم تضر بمصالحنا أبدًا».
لكن، هل الأخبار التي تُفيد بأن 100 هندي قد أُجبروا على القتال من أجل روسيا في أوكرانيا، وأن موسكو باعت النفط للهند بنسبة 30% أعلى من الحد الأقصى للسعر الغربي، وأصرت على الدفع باليوان والدرهم والدولار الأمريكي، بدلاً من العملة الهندية (الروبية)، هل يشير هذا كله إلى أن «روسيا لا تؤذي الهند أبدًا»؟!
والأهم من ذلك، ماذا عن وجهة نظر المؤسسة العسكرية الهندية التي تقول إن تسليم الأسلحة وقطع الغيار الروسية قد توقف؟ وهذا وحده يعني أن روسيا ليست صديقًا موثوقًا للهند. وتتطلع نيودلهي الآن إلى الديمقراطيات الغربية، بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة، للحصول على الأسلحة والتعاون في تصنيع الأسلحة. أليس إذن امتناع الهند عن التصويت ضد روسيا شيئاً محيراً؟
بالإضافة إلى ذلك، حققت الهند- مثل الصين- مكاسب من العلاقات الاقتصادية والتعليمية مع الديمقراطيات الغربية أكثر بكثير من تلك التي حققتها مع روسيا. وتشتري أمريكا 18% من صادرات الهند، في حين تشتري روسيا 0.66% فقط. وفي عام 2022، كان هناك 30 ألف هندي وهندية في روسيا؛ مقابل 200 ألف طالبة وطالب هندي في الولايات المتحدة.
- • •
على مستوى آخر، البرازيل، التي تلقت أسلحة من روسيا بالإضافة إلى مئات من «دبابات ليوبارد» الألمانية التي قدمها الغرب لأوكرانيا، تعارض فرض عقوبات على روسيا. وبعض دول أمريكا اللاتينية، مثل كوبا ونيكاراجوا وفنزويلا، لم تؤيد القرارات المناهضة لروسيا.
وفي عموم الأمر، تشعر العديد من البلدان بالقلق إزاء المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي وحصارها للموانئ الأوكرانية- والتي أثرت على تسليم الحبوب والأسمدة والزيوت المخصصة للأكل. ويعتقد البعض أن العقوبات الغربية على روسيا أدت إلى تفاقم الصعوبات.
وحتى داخل الاتحاد الأوروبي، عارضت «المجر» فرض عقوبات اقتصادية على روسيا لأنها تستورد الطاقة الروسية؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى أن حزب رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، معجب ببوتين والنظام السياسي في روسيا. وفي 23 شباط/ فبراير الماضي، منعت المجر إصدار بيان للاتحاد الأوروبي يتعهد فيه بتقديم الدعم «الثابت» لأوكرانيا.
إذن، سوف تجد أوكرانيا نفسها في صعوبة كبيرة لمغازلة العديد من البلدان ضد الإمبريالية الروسية. ولذا ليس من المستغرب أن تشعر «كييف» بأن تركيزها لا بد أن ينصب على الضرورات الاقتصادية والعسكرية والاعتماد على الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، للحفاظ على سلامة أراضيها.
…………….
ــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق