عبد الرحيم خليفة *
مهند الكاطع باحث سوري رصين، وهو يوماً بعد آخر، يكرس نفسه متخصصاً، ومرجعاً، في شؤون الجزيرة السورية، على ندرة الباحثين في المنطقة التي تزداد أهميتها مع التطورات السياسية الحاصلة فيها.
صدر له مؤخراً كتاب (لهجة عشائر الجزيرة السورية- الجزيرة العليا)، عن لهجات محافظة الحسكة مسقط رأسه. وكان قد صدر له قبل سنوات قليلة (لمحات من تاريخ الجزيرة السورية)
و(أكراد سورية- التاريخ- الديموغرافيا- السياسة). كما أنه نشر في العديد الصحف والمجلات والمواقع مقالاتٍ ودراساتٍ كلها في شؤون منطقة الجزيرة السورية. وحوارنا التالي معه حول كتابِه الجديد الصادر حديثاً في بغداد/ العراق عن دار القناديل:
١– كتابكم الجديد عن “لهجة عشائر الجزيرة الفراتية السورية- الجزيرة العليا” هل يُعَدُّ تتمة إلى ما نشرتموه سابقاً في كتابكم عن منطقة الجزيرة (لمحات من تاريخ الجزيرة السورية)، هل هو استكمالٌ بحثيٌّ في مشروع عام وشامل لمنطقة الجزيرة؟
ج-١ الحقيقة يمكن من جانب رؤية الصورة البانورامية الشاملة لمنطقة الجزيرة عَدُّ هذا الكتاب متمماً للكتاب السابق، إلا أنه من وجهة نظر أكاديمية يختلف البحث الجديد عن الكتاب السابق، إذ يبحث الكتاب السابق (لمحات من تاريخ الجزيرة السورية الحديث) في التاريخ الاجتماعي والسياسي لمنطقة الجزيرة، خاصة في حقبة الاحتلال الفرنسي، وما رافقها من مسائل لها علاقة بالحدود واللاجئين الوافدين إلى المنطقة وقضايا الإعمار وملكية الأراضي الزراعية، في حين يركز البحث الجديد على مسألة لها علاقةٌ باللهجات واللسانيات، وبشكل أكثر دقة لهجة عشائر الجزيرة السورية العربية، ومحاولة فهم علاقتها بالفصيح من لغات العرب.
٢ –كتابكم الجديد يدخل في علم اللغات، أو اللسانيات، أو علم اللهجات بشكل أدق، وهو علم يطلق عليه (أطلس الجغرافيا) وهو شأن تخصصي، أي أنه ليس للعامة، بل للمهتمين والباحثين، هل يشكل ذلك لكم تحولاً على المستوى الشخصي، وانتقالاً معرفياً أكثر دقة؟
ج٢- لا شك بأنّ البحث في هذا الموضوع التخصصي لم يكن بالأمر السهل، ولا يسعني هنا إلا التواضعُ أمام أصحاب التخصص في هذا الحقل والاعتراف بالتطفل عليهم، لكنها كانت محاولة لتسليط الضوء على مسألة لم أجد من أولاها الاهتمام اللازم، وقد ساهم ذلك دون أدنى شك بتشكيل رصيدٍ معرفيٍّ كبيرٍ يُضاف إلى الأبحاث التي عملتُ عليها خلال العقد الماضي، وكل ما أنتظره هو أن تكون هذه المبادرة بمثابة تحفيز لأصحاب الاختصاص للنقد الذي يمكن البناء عليه مستقبلاً؛ للخروج بأبحاث مشابهة ذات قيمة علمية يمكن أن تساهم في فهم التطور اللغوي لسكان منطقة الجزيرة كجزء من فهم أعمق لتاريخ المنطقة الاجتماعي.
٣– تتحدث في كتابك فقط عن الجزيرة العليا (محافظة الحسكة)، هل هناك خصوصية لهذه المنطقة من خلال بحثك ودراستك تختلف عن باقي مناطق الجزيرة السورية، أو سكان الفرات؟
ج٣- في الواقع إن التركيز على منطقة الجزيرة العليا (محافظة الحسكة) في هذا البحث بالذات له دافعان:
الأول: أن هذه المنطقة هي مسقط رأسي، وبالتالي هو الحيز الجغرافي الذي أستطيع دراسة لهجة أبنائه بعناية معتمداً خبرتي واحتكاكي في الوسط المحيط وقدرتي على معرفة الفروقات واللهجات والأصوات بشكل دقيق وإخضاعها للبحث والنقد والمراجعة والتدوين.
الثاني: هو أن البحث في لهجات باقي مناطق الجزيرة الفراتية مثل الدير والرقة وحتى ريف حلب وحمص وحوران فإنه رغم القواسم اللغوية المشتركة العديدة، إلا أن تناولها يحتاج إلى توسيع دائرة البحث والحضور الميداني المكثف، وهو ما لا يمكن القيام به نظراً للظروف السياسية التي تمر بها سورية اليوم، لذلك تم تضييق نطاق البحث واختصاره على لهجة عشائر الجزيرة الفراتية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أيضاً أنه لم يتم تناول لهجات جميع سكان الجزيرة العليا مثل: اللهجة المردلية (لهجة الحواضر الجزرية)، واللهجة المحلمية، ولهجة بعض العشائر مثل شمّر والخواتنة، وكلها لخصوصية هذه اللهجات واختلافها عن لهجة السواد الأكبر من عشائر الجزيرة لأسباب يمكن فهمها بالعودة إلى كتابنا السابق عن تاريخ الجزيرة .
٤– الكتاب كما قلت هو في المقاربات اللغوية وتطور اللهجات، ألم يُشكل لك ذلك تحدياً، أو مغامرة، لأنك لست مختصاً أو دارساً في علم اللغات وآدابها؟
ج٤- ذكرت في إجابتي السابقة بأن موضوع البحث كان ولا يزال يشكل تحدياً كبيراً جداً، فالموضوع شائك وأكبر مما تم التوصل إليه حتى الآن، لكن موضوع البحث كان من الندرة التي تستحق المغامرة والتحدي.
٥– من خلال علم اللسانيات، أو بحثك، هل وصلت إلى نتائج مهمة، جديدة، تتعلق في العلاقات والتداخل، أو التأثر والتأثير، مع البؤر الحضارية الأخرى في المنطقة وفي الفترات الزمنية التي رصدتَ فيها اللهجات وتطورها في الجزيرة العليا؟
ج٥- الواقع فإن أهم النتائج التي توصلتُ إليها هي العلاقة المباشرة بين لهجة عشائر الجزيرة محل البحث وبين الفصيح من لغات العرب، وهذا يتقاطع مع مصادر التاريخ الوسيط، وكذلك ما خلفه الجغرافيون العرب الذين تناولوا ديارات العرب ومواطنهم، وكذلك علوم الأنساب التي أفرد لها العرب اهتماماً خاصاً، لنصل إلى فهم منطقي لتطور لغات هذه القبائل خلال حقبة زمنية تتجاوز الخمسةَ عشرَ قرناً على أقل تقدير.
٦– في خلاصة بحثك ما الذي أردت قوله أو إضافته، بالإشارة إلى ندرة ما كتب في هذا الخصوص؟
ج٦- وددت أن أضيف أن دراسة لهجةِ سكانِ أيِّ منطقةٍ من أبرز مفاتيح فهم تاريخ المنطقة وتطورها وتضيف أدلة جديدة ليست أقل أهمية من علوم الآثار والتاريخ والجغرافية البشرية وشتى العلوم التي يطرقها الإنسان إلى وضع تفسيرات علمية تساعدنا في فهم أعمق للتاريخ، والواقع وربما المستقبل، أيضاً.
٧– عانتِ الجزيرة السورية سابقاً من التهميش والحرمان والعزلة، وهي الآن بؤرة صراع واهتمام دولي، وتنافُس وتضاد محلي بين المكونات، هذا الاهتمام البحثي من قبلك في كتبك الثلاثة، حتى الآن، في أي اتجاه يصب، ما الرسالة التي تريد إيصالها إلى كل سكان المنطقة؟
ج٧- الرسالة التي أرغب بإيصالها هي أن هذه المنطقة الغنية بثرواتها وتنوعها السكاني والثقافي جزء لا يتجزأ من الوطن السوري ومحيطه الحضاري والثقافي العربي، وأن هناك تراثاً يستحق أن يُعنى به من قبل أبناء المنطقة، بما يساهم بالتعريف بها لأبناء الوطن من باقي المناطق، ويساهم في معرفة تاريخنا بشكل أوثق، ويعزز ترابطنا فيما بيننا.
٨– في مقدمة الكتاب تشير إلى أنك تعمل على كتاب أو دراسة عن (الأمثال الشعبية في الجزيرة السورية) متى سيرى هذا الكتاب النور، أو سيكون بين أيدينا، وهل لديك مشاريع كتب أخرى في هذا الخصوص؟
ج٨- أنا الآن في مرحلة متقدمة من الكتاب، وأرجو أن يكتمل الكتاب ويرى النور في نهاية هذا العام، كذلك هناك مسودة مشروع تحقيق في مجلة لغة العرب البغدادية، أنجزت منه قسماً لا بأس به، وأسعى أن أوليه الاهتمام اللازم متى أتيحت لي الفرصة، أما المشروع الثالث، فهو مشروع بحث عن الآشوريين، واستطعت حتى الآن جمع مئات الوثائق من الأرشيف البريطاني، لكنه يحتاج إلى وقت أكبرَ قد يستغرق عدة أعوام لإنجازه.
* كاتب سوري
المصدر: موقع ملتقى العروبيين