هلا نهاد نصرالدين *
مع اقتراب الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، من المرجح أن تلعب “أيباك” دوراً كبيراً، وأن تضخّ أموالًا ضخمة كتبرعات لحملات المرشحين الداعمين لإسرائيل، وذلك في سبيل الضغط على السياسة الأميركية لمصلحة إسرائيل، واستهداف الديمقراطيين التقدميين الذين ينتقدون الإجرام الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 5 أشهر.
100 مليون دولار أميركي هي ميزانية “أيباك” للإطاحة بالديمقراطيين التقدميين في مجلس النواب، بخاصة أعضاء ما يسمّى بـ “الفرقة” أو Squad، وهم منتقدون لانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، ويعارضون التمويل العسكري الأميركي للإجرام المستمر على غزة. فمن هي هذه المنظّمة المشبوهة؟ وما دورها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة؟
خلفيّة AIPAC؟
AIPAC أو الـAmerican-Israel Public Affairs Committee، هي اللجنة الأميركية- الإسرائيلية للشؤون العامة، منظّمة تدافع عن السياسات الأميركية الداعمة لإسرائيل. تأسست في عام 1963، وتعد واحدة من أكثر جماعات الضغط تأثيراً في واشنطن في الانتخابات وفي الإعلام ومراكز صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية.
“يولي الجميع اهتماماً لـ AIPAC. ولسبب وجيه، منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، وُجهت تبرعات كبيرة بشكل غير رسمي لحملات مرشحين مختارين للكونغرس. رسالتها حول الشرق الأوسط أساسية في حوار السياسة الخارجية في واشنطن”، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
تأسست “أيباك” في الخمسينات، لكنّها كانت بدايةً تعمل في الكواليس. تذكر واشنطن بوست، أنّه حتى قبل أن يتم تأسيس “أيباك” وتبدأ بعملها الفعلي، كان لمؤيدي إسرائيل Isaiah L. Kenen، وهو مؤسس “أيباك”. كان كينين صحافياً ومحامياً، عمل لصالح منظمات صهيونية- أميركية عدة وإسرائيل في أوائل الأربعينات وأوائل الخمسينات. “قاد AIPAC- في معنى حقيقي، كان هو AIPAC- منذ تأسيسها حتى عام 1974”، بحسب واشنطن بوست.
في آذار/ مارس 1954، أعلن كينين وزملاؤه تأسيس اللجنة الأميركية- الصهيونية للشؤون العامة (AZCPA)- التي أصبحت في ما بعد اللجنة الأميركية- الإسرائيلية للشؤون العامة AIPAC في 1959.
ما دور “أيباك” اليوم؟
تخوض “أيباك” اليوم، حملة شرسة لجمع الأموال لإسرائيل، على رغم الانتقادات الداخلية. بحسب تحقيق للـIntercept، “قدمت أيباك تبرعات بقيمة نحو 95,000 دولار للنائب مايك جونسون، من لويزيانا، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023… كانت مجموعة الضغط هذه المؤيدة لإسرائيل أكبر المتبرعين لجونسون في عام 2023، إذ سكبت الأموال في حملته الانتخابية بعد قيادته مرور حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل”.
قدمت اللجنة السياسية لـ AIPAC مجموع تبرعات بقيمة 104,000 دولار لجونسون العام الماضي، وكانت غالبية الدفعات بعد بدء حرب غزة وبعد انتخاب جونسون كرئيس لمجلس النواب في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر. وهذا يزيد أربع مرات تقريباً عن نحو 25,000 دولار التي قدمتها المجموعة لحملته الانتخابية النيابية السابقة، عندما كانت أيضاً أكبر متبرع له، كما أفاد تحقيق Intercept المذكور سابقاً.
أخيراً، أطلقت أيباك، من خلال حليفتها Democratic Majority for Israel DMFI، أي الغالبية الديمقراطية لإسرائيل، حملة إعلانية في ميشيغان تشجّع الناخبين على اختيار اسم جو بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. أتى هذا ردّاً على دعوة من Anti-War Michinganders، أي من مجموعة أهالي ميشيغان المناهضين للحرب الذين دعوا الناخبين الى اختيار خيار “غير ملتزم” (uncommitted) احتجاجاً على سياسات بايدن، بخاصة دعمه لإسرائيل في حربها على غزّة.
لا شكّ في أنّ الحملة التي دعت إلى اختيار خيار “غير ملتزم” كانت فعّالة، إذ إنّ أكثر من 100 ألف ناخب، أي نحو 13 في المئة، عبّروا عن عدم التزامهم التصويت لبايدن، وذلك تنديداً بدعمه الجرائم الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي قتلت ما يزيد عن 30 ألف شخص في القطاع.
من المرجّح أن يكون هذا سبب إصرار بايدن على الاتفاق بشأن وقف إطلاق النار قبل شهر رمضان. في هذا السياق، وجّهت كامالا هاريس، نائبة الرئيس بايدن، رسالة حادّة إلى إسرائيل في 3 آذار/ مارس 2024، بشأن “الكارثة الإنسانية” في غزة، ما اعتبرته بعض وسائل الإعلام “أقوى تصريح حتى الآن من جانب زعيم أميركي بشأن غزة”، إلى الحدّ الذي وصفته جريدة الغارديان البريطانية بـ“أشدّ توبيخ” حتى اليوم. دعت “هاريس” إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة ودخول المزيد من المساعدات الانسانية والإفراج عن الأسرى.
في خطاب للسيناتور برني ساندرز، انتقد بشدة تأثير “أيباك” في السياسة الأميركية، وقال إنّه بمجرّد أن يتناول أي شخص حقوق الفلسطينيين أو ينتقد الجرائم الإسرائيلية، يصبح هدفاً للمنظّمة. وأشار إلى أن “أيباك” أنفقت ملايين الدولارات في ميشيغان لدعم المرشّحين الذين يتوافقون مع سياستها، بخاصة في ما يتعلق بإسرائيل. واعتبر ساندرز ذلك تقويضاً للديمقراطية.
تأثير AIPAC في انتخابات 2022:
كان تأثير AIPAC في انتخابات عام 2022 واضحاً، بخاصة جهودها لهزيمة الديمقراطيين التقدميين. كانت من بين أكبر 20 مانحاً في الانتخابات، مع تبرعات مالية ضخمة. تتغنى “أيباك” على موقعها بأنّها دعمت 365 مرشحاً ديمقراطياً وجمهورياً مؤيداً لإسرائيل في عام 2022، بأكثر من 17 مليون دولار، كدعم مباشر.
بحسب موقعها، 98 في المئة من المرشحين المدعومين من “أيباك” فازوا في الانتخابات العامة، بينما ساهمت اللجنة في هزيمة 13 مرشحاً. مثلاً، أُطيح بممثل ميشيغان السابق، آندي ليفين، من مقعده في مجلس النواب عام 2022، بعدما أنفقت “أيباك” 4 ملايين دولار ضده. وكان ليفين واحداً من الديمقراطيين الذين استهدفتهم اللجنة بسبب انتقاداتهم لإسرائيل.
هناك جدل كبير حول دور AIPAC في الانتخابات الحالية، بخاصة في ولاية ميشيغان التي تلعب دوراً أساسيّاً، خصوصاً مع الحضور الكبير للأصوات العربية والمسلمة فيها. تعكس هذه الولاية الديناميات المعقدة التي تدور ضمن الحزب الديمقراطي والمشهد السياسي الأميركي الأوسع. مع اقتراب الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، من المرجح أن تلعب “أيباك” دوراً كبيراً، وأن تضخّ أموالًا ضخمة كتبرعات لحملات المرشحين الداعمين لإسرائيل، وذلك في سبيل الضغط على السياسة الأميركية لمصلحة إسرائيل، واستهداف الديمقراطيين التقدميين الذين ينتقدون الإجرام الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 5 أشهر.
* صحافية لبنانية
المصدر: موقع “درج”