“كل من لديه رؤية تاريخية قليلة سيقول، إن بنيامين نتنياهو مرتبط جدا وحتى بشكل كامل مع هذه الكارثة”. هذا ما يخلص إليه الكاتب الإسرائيلي “يحيعام فايس” في مقالته السياسية المنشورة في “هآرتس” وترجمته صحيفة “الأيام” الفلسطينية، مؤكداً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي هو المسؤول الرئيس عن “كارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر”.
في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد أسبوعين على بدء حرب المذبحة، تم الاحتفال بعيد ميلاد بنيامين نتنياهو الـ 74. في أيار/ مايو 1996 عندما تم انتخابه للمرة الأولى لرئاسة الحكومة في إسرائيل كان عمره في حينه 47 سنة. نتنياهو نجح في فعل ذلك رغم المناخ العام الذي ساد بعد قتل رئيس الحكومة اسحق رابين، ورغم المعارضة الشديدة في أوساط أمراء “الليكود”. الأمراء، لا سيما دان مريدور وبني بيغن، اللذان انضما لحكومته الأولى، وبعد فترة قصيرة جدا قدما استقالتهما واغلقا الباب. إيهود أولمرت وروني ميلو، من رؤساء البلديات، أولمرت في القدس وميلو في تل أبيب – يافا، تعاملا مع نتنياهو باحتقار، وحتى باشمئزاز، وفعلاً كل شيء من اجل المس به. لكن نتنياهو نجح في اجتيازهم ووصل إلى رئاسة “الليكود” والى مكتب رئيس الحكومة. بالنسبة له النجاح في الوصول إلى القمة، رغم أن والده لم يكن في أي يوم في منصب رئيسي في حركة حيروت ولم يكن بروفيسوراً في الجامعة العبرية، هو نقطة مهمة. نوع من الانتقام العائلي.
منذ ذلك الحين، نتنياهو يشغل منصبا رئيسيا في حياتنا- بالخير والشر. الاستراتيجية الرئيسة التي مكنته من الاستمرار في المنصب فترة طويلة جداً هي اتخاذ القرارات ليس حسب مصالح الدولة أو حسب مواقفه الشخصية. هدفه كان واحداً ووحيداً وهو مواصلة التمسك بالحكم. مثال بارز على ذلك هو قرار دفع أي ثمن، حتى الأعلى، من اجل إطلاق سراح جلعاد شاليت. هذا القرار كان يختلف كليا عن قرار إيهود أولمرت الذي كان سلفه في منصب رئيس الحكومة. ورغم أن أولمرت أدرك ألم أفيفا ونوعم شاليت، والدي جلعاد، فإنه لم يكن مستعدا لدفع ثمن إطلاق سراحه.
حتى، اليوم، يواصل أولمرت الادعاء بأن إطلاق سراح اكثر من ألف مخرب، من بينهم من كانوا مشاركين في عمليات قتل وفظائع، تسبب بالضرر الكبير لأمن الدولة. نتنياهو كان على استعداد لاتخاذ هذه الخطوة رغم أنه عارض دائما خطوات “داعمة للإرهاب” ورفع هذه الراية منذ بدأ في شق طريقه السياسية.
نتنياهو كان مستعدا لأن يدفع الثمن الباهظ لهدف واضح وهو المس بالاحتجاج ضد غلاء المعيشة، “احتجاج الكوتج” في صيف 2011، والقضاء عليه. عشرات الآلاف شاركوا في التظاهرات وفي خيام الاحتجاج في مركز تل أبيب. وبالنسبة له خطوات الاحتجاج هذه كانت تمثل تهديدا حقيقيا، على الحكومة وعليه شخصيا. الصفقة مع “حماس”، إطلاق سراح 1027 سجينا فلسطينيا مقابل جلعاد شاليت، يمكن اعتبارها عملية هدفها الرئيس كان شخصياً- سياسياً- تعزيز أسس حكمه. كل ذلك خلافا لمبادئ رسمية- أمنية، وحتى خلافا لنهجه العلني. الحديث يدور عن خطوة تهكمية لا أساس لها، منحت نتنياهو بضع سنوات حكم، من بينها سنوات بلفور السعيدة (بالنسبة لكل أبناء عائلته).
دوافع نتنياهو لتشكيل الحكومة الحالية تشبه بدرجة كبيرة دوافعه في كل ما يتعلق بصفقة شاليت: ضد مبادئ أساسية رسمية، من اجل الحصول على ملذات الحكم، لكن في هذه المرة نجح بشكل أقل. الآن نتنياهو لا يستطيع استخدام والسيطرة على كل النقاط التي وفرتها له عجلة القيادة سنوات كثيرة. ثلاثة أحداث هزت وضعه. الحدث الأول هو تشكيلة الحكومة. للمرة الأولى في تاريخ الدولة هي تستند إلى أحزاب اليمين العنصري التي لم تكن شرعية أبدا، ومن رؤسائها سموتريتش وبن غفير وهما وزيران مهمان فيها وتوجد لهما قوة كبيرة لتوجيه قرارات الحكومة. يمكن القول، إنه بهذه الحكومة توقف نتنياهو عن أن يكون صاحب البيت، وأصبح نوعا من الدمية. بجلوسه على كرسي الأمن الوطني فإن بن غفير يدير شرطة إسرائيل وكأنها ضيعته الشخصية، بالأساس الحزبية. هدفه هو تحطيم قواعد اللعب في الشرطة من اجل أن تعمل حسب رغبته، وهو سيفعل كل ما في استطاعته لتحقيق هذا الحلم المخيف. نتنياهو يدرك جيدا معنى خطواته، لكنه يفضل الصمت والتجاهل بسبب قدرة بن غفير على حل الحكومة. نتنياهو لا يخاف من يائير لابيد، لكنه خاف ويخاف من “فتى التلال” بن غفير.
الحدث الثاني الذي ضعضع وضع نتنياهو كان في 24 تموز 2023، اليوم الذي صادقت فيه الكنيست بشكل نهائي بأغلبية، 64: صفر، على القانون الذي ألغى ذريعة المعقولة، وممثلو المعارضة امتنعوا عن التصويت. قبل التصويت طلب رئيس الأركان هرتسي هليفي التحدث مع نتنياهو من أجل التوضيح له إلى أي درجة يمكن أن تمس بالأمن بشكل عام، وبالعلاقات الحساسة بين جنود الاحتياط وبين الجيش النظامي بشكل خاص. نتنياهو لم يوافق على طلبه والمحادثات بينهما جرت فقط بعد التصويت الدراماتيكي في الكنيست. رئيس الحكومة فضل مرة أخرى الاعتبارات الشخصية والحزبية على الاعتبارات الرسمية. الحديث يدور عن حضيض وصل إليه رئيس الحكومة وقائد الجيش في كل تاريخ الدولة.
الحدث الثالث هو كارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر. منذ ذلك الحين نتنياهو يعمل كل ما في استطاعته من اجل التملص من الحقيقة البسيطة وهي أنه المسؤول الأعلى والرئيس عن العملية التي كانت بدايتها في تشكيل الحكومة الحالية ونهايتها كانت الكارثة الفظيعة. كل من لديه رؤية تاريخية قليلة سيقول، إن نتنياهو مرتبط جدا وحتى بشكل كامل مع هذه الكارثة.
المصدر: صحيفة “الأيام” الفلسطينية