يقول الكاتب الإسرائيلي “جدعون ليفي”، في مقالة له في صحيفة “هآرتس” ترجمته “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، إنه من الأفضل لإسرائيل وضع حد لحرب غزة التي “ربحتها حماس منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر”. وإذا كانت تريد فعلاً تحقيق إنجاز واحد يُذكر؛ وهو تحرير أسراها؛ فالقرار الحكيم الوحيد أمامها الآن هو إطلاق سراح 1500 أسير فلسطيني. لأن الكارثة المؤلمة بالنسبة لها ستكون إن لم تفعل ذلك.
شروط الصفقة مع “حماس” تُطرح دائماً في إسرائيل على أنها “ثمن مؤلم”. وفي الأساس، ملتزمون الافتراض القائل إن كلّ ما هو جيد لـ”حماس” هو سيئ لإسرائيل، وكلّ ما هو سيئ للفلسطينيين جيد لنا، لعبة صفرية. إسرائيل أقنعت نفسها بأنه ممنوع عليها توقيع صفقة تكون جيدة بأي شيء لـ”حماس”؛ لأنها بالضرورة ستكون سيئة بالنسبة إليها. حتى إنها ستكون مؤلمة. يمكن التشكيك في هذه الافتراضات. “الثمن” ليس دائماً ثمناً، وليس مؤلماً دائماً كما يريدوننا أن نعتقد.
تحرير الأسرى الأمنيين ووقف الحرب سيكونان أمراً جيداً بالنسبة إلى “حماس”. ويمكن أيضاً أن يكونا جيدين بالنسبة إلى إسرائيل. في جميع الأحوال، يمكن أن يكون البديل أسوأ كثيراً بالنسبة إلى إسرائيل. فحركة “حماس” لن تحرّر الرهائن من دون شروط، كما أن إسرائيل لن تحرر الأسرى قط من دون مقابل، وكان لديها الآلاف منهم على مدار السنوات، والآن أيضاً. إسرائيل علّمت الفلسطينيين أن تحريرهم ممكن فقط عبر صفقة تبادُل أسرى ورهائن. وبالمناسبة، لدى الطرفين رهائن: كثيرون من المعتقلين الفلسطينيين خُطفوا من منازلهم على يد الجيش، وحتى إنهم لم يُحاكَموا.
السجون الإسرائيلية مليئة بالأسرى الأمنيين، وبعكس ما يُطرح في الإعلام المجند، ليسوا جميعاً “مخربين وأياديهم ملطخة بالدماء”. بينهم كثيرون من الأسرى السياسيين الذين يعيشون في ظل نظام يمنع على الفلسطينيين أي عمل سياسي، وبينهم أيضاً من حُكم عليه بأحكام كبيرة بسبب إدانة بأمور صغيرة جداً. وإن كان هناك أي حاجة إلى إثبات وجود نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، فمن السهل جداً القيام بذلك عبر النظر إلى نظامَي القضاء المنفصلَين، واحد لليهود والآخر للفلسطينيين. يوجد أيضاً في السجون “قتَلة” فلسطينيون، كثيرون منهم أمضوا عشرات الأعوام في السجون، ولهم أيضاً الحق في التحرر يوماً ما، كما يجري مع اليهود. كما ان تحرير الكبار في السن من قدامى الكفاح المسلح لن يضرّ بإسرائيل.
هناك أيضاً مَن سيكون تحريرهم بمثابة بشرى سارة لإسرائيل، وعلى رأسهم مروان البرغوثي، لكن ليس هو فقط. إذا كانت إسرائيل معنية بشريك جدي لتغيير واقع الحرب غير النهائية، فإن هذا الشريك موجود في السجن الإسرائيلي. القيادة المقبلة للفلسطينيين موجودة بين مجدو ونفحة. نضالات التحرير في التاريخ، جميعها، وضمنها تاريخ الشعب اليهودي، فيها شجعان خرجوا من سجون محتلّيهم. سيكون هناك عائلات يهودية ثكلى فقدت أعزاء قبل أعوام، ولا يريد هؤلاء رؤية “القتَلة” يتحررون، هذا مفهوم، لكن هناك الكثير من “القتَلة” الآخرين الذين يتحررون، على الرغم من آلام العائلات. هذه العائلات لا يمكن أن تفرض ما هو جيد لإسرائيل.
الخطوة الأذكى كان يمكن أن تكون، ويجب أن تكون، تحرير أسرى كبادرة حُسن نية، وليس كخضوع في مفاوضات. لا يوجد أي احتمال لشيء كهذا، فهذا أمر حكيم جداً. تحرير 1500 أسير، كما تطلب “حماس”، ليس كارثة، وليس مؤلماً، وسيؤدي إلى تحرير الرهائن، لأن الكارثة المؤلمة ستكمن في عدم تحريرهم.
وقفُ هذه الحرب السيئة لن يكون كارثة، ولا مؤلماً، إسرائيل فقدت فيها إنسانيتها، من دون أن يكون من المتوقع أن تصل إلى أي إنجازات دراماتيكية بسبب القتل والدمار الذي لم يكن له مثيل إلا في أكثر الحروب وحشيةً. صحيح أنها ستخسر كرامتها، وسيتم التعامل مع “حماس” كمنتصرة زائفة، لكن منتصرة، لكنها في جميع الأحوال، جرى اعتبارها كمنتصرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر. حتى لو توصلنا إلى “النصر المطلق” كما يطرحه بنيامين نتنياهو، والذي لن يتم التوصل إليه قط، فإن “حماس” انتصرت في الحرب. لذلك، من الأفضل وضع حد للحرب.
يجب وضع الكليشيهات والشعارات الخرقاء التي نغمر بها الإسرائيليين جانباً، والتفكير ببرودة أعصاب: هل هذه الصفقة هي فعلاً سيئة؟ ولماذا؟ وهل يوجد أفضل منها؟
المصدر: “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”