يتناول الكاتب الإسرائيلي ”إيريس لعال” في مقالة له في صحيفة “هآرتس” الصهيونية طبيعة المسار الإسرائيلي نحو الهاوية، ومنعكسات تولي اليمين المتطرف للقيادة، بينما الكلام عن مبادرة أمريكية تتضمن التطبيع مع السعودية تغري نتنياهو. فماذا يقول ‘لعال’ في مقالته التي ترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية من العبرية إلى العربية؟
- إذا كنتم في الأشهر الأخيرة تشعرون وكأنكم تجلسون في المقعد الخلفي لسيارة تسير بسرعة نحو الهاوية، وليس في إمكانكم أن تفعلوا شيئاً لإنقاذ أنفسكم، فلستم الوحيدين الذين يشعرون بذلك، فرئيس الحكومة أيضاً لديه الشعور نفسه، كما برز في عجزه إزاء مؤتمر الاستيطان وكلامه في مستوطنة عيلي. إن اليمين المتطرف هو مَن يتولى القيادة، بينما يزداد الكلام عن مبادرة أميركية سياسية كبيرة تتضمن التطبيع مع السعودية تغري نتنياهو وتضغط عليه في آن واحد، لكن يبدو أنه عاجز عن فعْل شيء في الوضع الذي وضع نفسه فيه.
- وإذا كانت هناك نظرية انهارت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فهي النظرية التي تقول “المستوطنات تحقق الأمن”، إذ إن وضع مدنيين في جبهة على الحدود أدى إلى مقتل 1200 شخص، وخطْف أكثر من 200، بسبب عدم وجود قوات كافية، وذلك على خلفية وضع أغلب هذه القوات للدفاع عن المستوطنات في الضفة الغربية، ولأن القرب الخطِر من تنظيم “إرهابي مجرم” على الحدود مع غزة أو لبنان أو في وسط سكان معادين يحتاج إلى موارد كبيرة وقرار حاسم. وإن قليلاً من التواضع والموضوعية في التعامل مع الواقع في الأشهر الأخيرة كان من شأنه أن يجبر اليمين المتطرف على الاعتراف بأن الجيش ليس كلّيَّ القدرة، ولديه حدود، وموارده محدودة، لكن المسيانية يمكن أن تكون كل شيء باستثناء التواضع.
- ولا شك في أن نتنياهو يدرك جنونية أوهام منظمي المؤتمر، ومدى هشاشة نظرتهم إلى الواقع، وأنهم يعيشون حالة نشوة عارمة دائمة، وهو يعلم أن التشوية السياسي الذي أحدثه بالتحالف مع بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير زاد في إمكانات تشكيل هذين الاثنين عقبة، وأنهما هما من سيضعان العراقيل أمام صفقة المخطوفين، وليس يحي السنوار، وكلامه [نتنياهو] المتطرف أمام مستوطني عيلي، ووعوده بأن “الجيش الإسرائيلي لن يخرج من قطاع غزة ولن نطلق سراح آلاف المخربين” يدل على أن عملية تسييس الحرب قد استُكملت، وأن المعركة الانتخابية بدأت، والأفق المسدود لا يزال باقياً.
- وفي تقدير الصحافي توماس فريدمان، فإن الإدارة الأميركية تنوي قريباً تقديم مخطط جديد للشرق الأوسط يتضمن الدفع قُدُماً بدولة فلسطينية، وأيضاً بحلف دفاعي أميركي – سعودي في مواجهة إيران. وحتى لو لم يعترف بذلك نتنياهو، الذي كان سعيه لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران كارثياً، فإنه يدرك، بخلاف أغلبية أعضاء حكومته، أن أمام إسرائيل فرصة كبيرة لبناء نظام جديد بعد الدمار الذي تسببتْ به سياسته، وتسببت به “حماس”، لكن لبن غفير وسموتريتش خططاً أُخرى.
- وبناءً على ذلك، فإنه يتعين على نتنياهو أن يتخذ قراره، وهو مضطر إلى أن يقرر “عن أي طرف سيتخلى؟ هل سيتخلى عن المتعصبين أم عن المعسكر الرسمي؟” لكن موقف المتعصبين ليس باطنياً كما اعتقدنا، فأي مخطط لإطلاق المخطوفين يتطلب من إسرائيل تقديم تنازلات صعبة، وأي خطة دولية تتضمن دولة فلسطينية ستثير معارضة قوية حتى بين أحزاب الوسط. ومن أجل بقائه السياسي، فقد استخدم نتنياهو خطابه الأكثر تطرفاً، والآن، يبدو أن العقبات أُزيلت، وجزء كبير من الجمهور لا يخجل من قول إن إطلاق المخطوفين، لكن ليس بأي ثمن، أمر يفرحه.
- إن جبهة نتنياهو هي الحرب من أجل بقائه السياسي، وجبهة المسيانيين هي ترحيل سكان غزة والعودة إلى استيطان غوش قطيف، وفي هذه الأثناء، فإن هدف الحرب الرسمي (استعادة كل المخطوفين) يخسر تأييده، وبين الضغط الدولي من أجل إعادة صوغ الخريطة الجيوسياسية والمزاج العام للجمهور الذي سيحدد بقاءه السياسي، يبدو نتنياهو عاجزاً عن الحركة. وتشير الدلائل إلى أنه حتى لو أراد أن يتحرك، فسيصل دائماً إلى الحائط المسدود عينه، فبعد عمليات غسل الدماغ ضد تقديم تنازلات، سيكون من الصعب إقناع الجمهور بقبول صفقة تتطلب تنازلات كهذه.
المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية