الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

تسييس القبائلية في سورية

أحمد عيشة *

المحتوى:

– مقدمة

– القبائل في سورية وعلاقتها بالدولة القومية 1946-1970

الاستبداد والقبلية

– التماسك والتشظي بين القبائل خلال الحرب السورية

– الخاتمة

…………

مقدمة:

منذ بداية حركة الاحتجاج التي اندلعت في البلاد عام 2011، أخذت وسائل الإعلام الدولية تغطي أخبار القبائل السورية، وبدأت هذه التغطية مع “جمعة العشائر”، عندما دعت القبائل السورية في مدينة درعا القبائلَ إلى المشاركة في الاحتجاجات ضد النظام السوري السورية تحت عنوان “الفزعة”، مما يعني أنها تنشد التضامن من قبائل أخرى لمواجهة عدوان النظام. ومع تحوّل الانتفاضة السورية إلى حرب أهلية شارك فيها كثيرٌ من اللاعبين، كان مشهد زعماء القبائل حاضرًا؛ إذ ركّزت بعض وسائل الإعلام على مشاهد بعضهم وهم يبايعون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش)، وعلى مشاهد أخرى أظهرت استدعاءَهم إلى جنيف، سويسرا، لإجراء محادثات مع القوى الغربية حول إمكانية التعبئة ضد مقاتلي (داعش). ولا يسع المرء إلا أن يتساءل: لماذا تستمرّ الولاءات القبلية في لعب مثل هذا الدور المهم في الأحداث اليومية للحرب الأهلية السورية، في حين أن كثيرًا من دعاة المجتمع المدني يجادلون بأن الانتماء القبلي في سورية قد غدا ضعيفًا.

تتناول هذه الورقة سؤالين: لماذا لم يترك كثيرٌ من السوريين ولاءاتهم القبلية لمصلحة الهوية الوطنية، على الرغم من عمليات التحضّر والتعليم التي بدأت في أوائل القرن العشرين؟ وما هي العلاقة الحالية بين القبائل والدولة السورية؟ أجادل في هذه الورقة بأن الدولة الاستبدادية التي ابتُلِيت بها سورية منذ عام 1970 استَخدمت القبائل والقبلية كأدوات لتعزيز تشكيل النظام، الذي قابل ذلك بلعب دور رئيس في إطالة عمر القبائل وزيادة قوتها. الآن، أدّى ضعف الدولة خلال الحرب الأهلية وغياب مؤسساتها في كثير من المناطق الهامشية إلى عودة القبلية، حيث يرى الناس قبائلهم مصدرًا لحمايتهم. ونظرًا للقدرة العسكرية للقبائل ومعرفتها لأبناء المنطقة، قامت الحكومة السورية نفسها، وعديد من الأطراف الأخرى المشاركة في الحرب، بتجنيد أفراد من القبائل لتحقيق أهدافها، الأمر الذي أدى إلى تقسيم القبائل إلى عشائر وأنساب متنافسة مع وجود كثير من المشايخ الذين غالبًا ما يكون لهم برامج مختلفة ومتضاربة.

القبائل في سورية وعلاقتها بالدولة القومية 1946-1970:

طوال تاريخ سورية، كانت العلاقة بين الدولة والقبائل تصادمية. حيث أدى ضعف الدولة إلى تعدّي القبائل على حدود الدولة، ومن ثم، فإن امتلاك الدولة للسلطة الكافية سيُجبر القبائل على التراجع إلى المناطق الهامشية ويُبقيهم بعيدًا عن السلطة. بصرف النظر عن الاستخدام المحض للقوة ضد القبائل، بدأ العثمانيون، ومِن بعدهم الفرنسيون، بناء نظام يتغيّر فيه دور زعماء القبائل، من خلال تزويدهم بالشرطة والوسائل العسكرية والمالية. في المقابل، كان من المتوقع أن يحقق هؤلاء المشايخ الاستقرار في مناطقهم، وأن يحيّدوا أي تحديات أمنية لحكم الدولة في الأطراف. في سياق استخدام القبائل ضد الحركة القومية الناشئة، منحت سلطة الانتداب الفرنسية زعماء القبائل مساحات من الأراضي، وعيّنت كثيرًا منهم نوابًا في مجلس النواب السوري. وعندما قدّم الأعضاء القوميون مشروع قانونٍ يدعو إلى إنهاء حكم الانتداب الفرنسي في عام 1941، صوّت له نائب واحد فقط من هؤلاء النواب، وامتنع الباقون عن اتخاذ موقف[1]. في عام 1946، شكّل خروج سلطة الانتداب الفرنسية من سورية، وصعود الدولة القومية السورية، ضربة قوية ضد القبائل، حيث غدت الدولة الآن تمتلك قوة عسكرية واقتصادية كبيرة.

منذ الاستقلال السوري في عام 1946 حتى عام 1970، عدّت الحكومات السورية المتعاقبة القبليّةَ عقبةً أمام تحقيق الوحدة والاشتراكية. ومن جملة التدابير التي اتخذتها الحكومات السورية المتعاقبة، في سياق إضعاف سلطة القبائل خلال هذه الفترة، مصادرة الأراضي القبلية وإعادة توزيعها كجزء من تدابير الإصلاح الزراعي، وإغلاق المدارس الداخلية القبلية وإجبار أطفال القبائل على الالتحاق بالمدارس الرسمية، كحال السوريين الآخرين[2]. وهكذا ألغي القانون القبلي، وحاولت الحكومة تطبيق قانون الدولة على القبائل كما فعلت مع المواطنين الآخرين[3]. وكنتيجة لتلك التدابير، غدا الأمن راسخًا في المناطق القبلية، وفقدت القبائل كثيرًا من سلطتها التقليدية وهيبتها ونفوذها.

يسلّط سليمان خلف الضوءَ على هذا التحوّل، من خلال ذكر كلمات أحد شيوخ الفدعان، إذ وصف حاله بعد الإجراءات التي اتخذتها الدولة: “كنّا في النعيم، وصرنا في الجحيم”[4]. في المقابل، عبَّرَ جيل جديد من الشباب المتعلمين عن الأيديولوجية الوطنية الجديدة في مناطقهم[5]. وشهدت هذه المرحلة هجرة واسعة النطاق من القبائل، إلى الخليج العربي، كردٍ على التدابير الصارمة ضدّ المشايخ ومكانتهم الاجتماعية. واستمرت هذه الحال حتى وصل حافظ الأسد إلى السلطة؛ حيث نقض السياسات السابقة، وأحيا حياة القبائل والقبلية من جديد.

الاستبداد والقبلية:

استولى حافظ الأسد على السلطة عام 1970، إثرَ انقلاب عسكري سمّاه “الحركة التصحيحية”. وعلى عكس القادة السابقين، تبنّى حافظ الأسد سياسات براغماتية تجاه القبائل. ولتوسيع قاعدة دعمه، لا سيما في المناطق الريفية السورية (التي تشكل المناطق القبلية جزءًا كبيرًا منها)، خفّف الأسد حدة جميع السياسات الصارمة. أولًا، دُعِي بعض الشيوخ الذين غادروا البلد، نتيجة للتدابير الاشتراكية الصارمة المتخذة ضدهم، إلى العودة. وأرسل الأسد شخصيًا مبعوثًا علويًا إلى الشيخ فيصل الصفوق، من قبيلة الحديديين في الأردن، يعتذر له عن الطريقة التي عومل بها ويطلب منه العودة[6]. ثانيًا، سُمح للقبائل بحل النزاعات فيما بينها بالطرق التقليدية، وهي الأساليب التي حظرتها الدولة السورية المستقلة حديثًا. ففي ظل حكم الأسد، سمحت الدولة الجديدة بحل النزاعات بين القبائل باستخدام العُرف. ثالثًا، قرّرت الحكومة السورية وقف سياسة “تأميم الأراضي القبلية”[7]، ونتيجة لذلك، استعاد بعض زعماء القبائل مساحات شاسعة كانت قد صودرت نتيجة الإصلاح الزراعي.

وزّع الأسد المواردَ متّبعًا حسابات سياسية تُفاضل بين السلطة والولاءات[8]. واستُخدِمت الولاءات القبلية لموازنة التحديات المختلفة التي يواجهها النظام. واستفاد النظام من تطوير شبكات الرعاية مع القبائل ضد ثورة الإخوان المسلمين، في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وضد المحاولات الكردية للحصول على الحكم الذاتي. في المناطق النائية من حلب، حيث كان لجماعة الإخوان المسلمين حضور قوي، طلب النظام السوري نجدة القبائل لمواجهة الإسلاميين. الشيخ دياب الماشي، وهو أحد قادة قبيلة البوشعبان في ريف حلب، اعترف في الفيلم الوثائقي طوفان في بلاد البعث (إخراج عمر أميرالاي، 2003) أنه أرسل رجال قبائله إلى حلب في السبعينيات، لمساعدة الرئيس الأسد في محاربة الإخوان المسلمين[9]. وكمكافأة له، مُنح الشيخ مقعدًا دائمًا في مجلس الشعب السوري. واستخدم نظام الأسد أيضًا شبكات الرعاية مع القبائل، لتعريب منطقة كردية مكتظة بالسكان في شمال محافظة الحسكة. وتم تنفيذ ذلك من خلال نقل أبناء عشيرة الوَلدة، الذين غمرت المياه قراهم بعد بناء بحيرة الأسد، إلى شمال الحسكة، فيما يسمى مشروع “الحزام العربي”. وكان الهدف هو إنشاء حاجزٍ يحول دون أن يشجّع أكراد تركيا أقاربهم في سورية على الانضمام إلى العمل العسكري ضد الحكومة المركزية في دمشق. وهكذا أصبحت عشيرة الولدة عيون النظام السوري على الحدود السورية التركية وآذانه، واستُخدِمت العشيرة لقمع الاحتجاجات الكردية المستمرة في المنطقة[10].

وفاة حافظ الأسد في حزيران/ يونيو 2000، واستيلاء ابنه بشار على السلطة، لم تُغيّر كثيرًا الطريقة التي استمرت بها الدولة السورية في استخدام القبائل والقبلية لدعم سياساتها في البقاء. سهلّت الدولة عبور شباب القبائل إلى العراق للقتال هناك، قبل سقوط صدام حسين وبعده. وخلال هذه الفترة، زار بشار الأسد محافظة الحسكة، للقاء زعماء القبائل الذين تربطهم صلات بالقبائل العراقية. وفي دير الزور، ألقى خطابًا غير عادي، مشيدًا بتاريخ القبائل في النضال ضد الانتداب الفرنسي، كجزء من نضال المقاومة الوطنية السورية[11]. وتلاعب النظام السوري علانية بالعلاقات القبلية بين سورية والعراق، بحيث لا ينعم الوجود الأميركي في العراق بالاستقرار، فيتهدد وجود النظام. في عام 2004، اندلع تمرّد كردي ضد النظام السوري في محافظة الحسكة، ولأن الوجود العسكري في الجزء الشرقي من سورية كان صغيرًا لم يستطع التعامل مع الانتفاضة الكردية بمفرده، فطلبت الحكومة المساعدة من القبائل العربية في المحافظة[12]. وسُمِح لقبيلتي الجبور وطي بحمل السلاح وتطويق المباني الحكومية وحمايتها. وقُمِعت الحركة الكردية. تشير التقديرات إلى مقتل حوالى (40) شخصًا، وإصابة أكثر من (100) آخرين، وسجن أكثر من (2,000) كردي[13].

هذه السياسات مكّنت النظام من الصمود أمام هذه التحديات، لكنها أدّت أيضًا إلى عودة التضامن القبلي (العصبية). ولتنمية مشاعر التآلف القبلي، أعيد فتح دُور الضيافة (المضافات) في جميع أنحاء البلاد، بعدما كانت الحكومات السابقة تعدّها علامات تخلّف. وصار أفراد القبائل يجتمعون بانتظام في دور الضيافة، لمناقشة القضايا السياسية والاجتماعية ذات الصلة بقبيلتهم، وهو ما يخلق شعورًا بالعزلة. ويضاف إلى ذلك أن الشِّعر القبلي أصبح شائعًا في سورية، حيث يظهر على شاشة التلفزيون خلال الاحتفالات الوطنية شعراء مثل عمر الفرّا (الذي ألّف عددًا من القصائد باللهجة البدوية). وكانت هناك عودة لظهور الأدب القبلي العربي الذي كتبه أفراد القبائل أنفسهم، ويصفون فيه أنسابهم وجذورها وأدوارهم التاريخية في سورية. لكنّ تشجيع التضامن القبلي كان يؤدّي، وراء الكواليس، إلى خلافات بين القبائل في مناطق مختلفة من البلاد، مثل الخلاف بين قبيلتي الحسنة والفواعرة في حمص، في 1979[14].

التماسك والتشظي بين القبائل خلال الحرب السورية:

إهمال الدولة للمناطق الطرفية وما نتج عنه من انهيار لعلاقات الرعاية في الألفية الجديدة أدّى إلى تمهيد الطريق للانتفاضة. إنّ المناطق الريفية في سورية، حيث كانت الحركة الاحتجاجية أكثر انتشارًا، هي موطن لأغلبية القبائل العربية التي لعبت دورًا مهمًّا، خلال الاحتجاجات السلمية، وخلال الصراع المسلح في الحرب الأهلية السورية المستمرة من عام 2011 إلى الوقت الحاضر[15]. تطورت حالة القبائل خلال الحرب عبر ثلاث مراحل، من حيث الدولة وزعماء القبائل والأطراف الأخرى المعنيّة.

كانت المرحلة الأولى مرحلة من التماسك بين القبائل كشبكات تضامن في احتجاجها على النظام. وفي المرحلة الثانية، انقسمت القبائل إلى شباب القبائل، الذين انضموا إلى كتائب الجيش السوري الحر للقتال ضد النظام، والمشايخ مع عائلاتهم، الذين انضموا إلى ميليشيات النظام لقمع من ثاروا في قبيلتهم. وفي المرحلة الثالثة، انقسمت القبائل إلى عشائر وعائلات متنافسة، مع زعماء متعددين مرتبطين بالأطراف المتعددة المشاركة في الصراع السوري.

نظمت شبكات من رجال القبائل، من قبيلتي الزعبي والمسالمة، المظاهرة الأولى في درعا[16]. ولعب التضامن القبلي دورًا مهمًا في تجنيد مزيد من الأشخاص في الأيام الأولى للاحتجاجات. ومع اشتداد حركة الاحتجاج، بدأ رجال القبائل في درعا يهتفون مطالبين القبائل الأخرى في سورية بالاحتجاج دعمًا لمطالبهم بالإصلاح وإنهاء القمع والاعتقالات. بعد درعا، لعبت محافظتا حمص ودير الزور دورًا مهمًا في الانتفاضة، حيث استحضر المتظاهرون في هذه الأماكن مفاهيم العدالة والكرامة القبلية، لشرح معارضتهم للنظام[17]. خلال المراحل الأولى من الانتفاضة، أطلقت المعارضة اسمًا على كل يوم جمعة تدور فيه الاحتجاجات ضدّ النظام. أطلِق على أحد أيام الجمعة اسم “جمعة العشائر”، وكان ذلك بمنزلة اعتراف بمشاركة القبائل السورية في الاحتجاجات ضد النظام السوري. المدّة التي شهدت حالة وحدةٍ وتضامن، بين أفراد القبائل ضدّ النظام السوري، كانت وجيزة. وكانت هذه المرحلة من التماسك عابرة، إذ تحطّمت بسبب استخدام النظام السوري للقوة ضد المتظاهرين. دفع عنف النظام تجاه القبائل كثيرًا من شباب القبائل إلى التسلّح دفاعًا عن النفس والانتقام لأقاربهم الذين قُتلوا أو عُذِّبوا على أيدي قوات الأمن السورية. في الوقت نفسه، بدأ الجنود وضباط الجيش ذوي الأصل القبلي بالانشقاق عن الجيش السوري، لإنشاء ميليشيات تحت راية الجيش السوري الحر. على الجانب الآخر، مكّنت شبكات الزبائنية القوية النظامَ من توظيف كثير من الشيوخ لإنشاء ميليشيات موالية للحكومة، لقمع المتظاهرين ومحاربة كتائب الجيش السوري الحر. وعلى الرغم من أن هذه الأعمال مكّنت النظام من البقاء، فإنها أدت إلى انقسامات كبيرة داخل القبائل، بين أولئك الذين دعموا النظام والذين عارضوه. على سبيل المثال، لعب الشيخ محمد الفارس، من قبيلة طي، دورًا فعالًا في تشكيل ميليشيا موالية للنظام في محافظة الحسكة، لمحاربة الجيش السوري الحر [18].

بدأت المرحلة الثالثة والأخيرة التي ميّزت المجتمعات القبلية في عام 2013، عندما بدأ الصراع السوري يتحوّل تدريجيًا إلى حرب بالوكالة، مع أدوار مهمّة لعبتها كلٌّ من إيران وتركيا والولايات المتحدة وروسيا. يجادل لاشر Lacher بأنّ العنف يفتّق الصدوع في النسيج الاجتماعي، ويتسبب في تشظي الجماعات التي تعتمد على التضامن بين أعضائها للدفاع عن نفسها ضد التهديدات[19]. سأتخذ قبيلة البكارة مثالًا للدلالة على هذا التشرذم العميق بين أفراد القبائل في سورية. تنتشر قبيلة البكارة في الجزء الشرقي من سورية، ولا سيما في محافظة دير الزور، وزعيمها هو الشيخ نوّاف البشير، الذي ترأس عائلته القبيلة تاريخيًا. في الوقت الحالي، يعيش جزء كبير من البكارة في مناطق، تخضع للسيطرة الكردية بدعم من الولايات المتحدة، على الرغم من أوامر الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب[20]. ويعيش آخرون في المنفى في تركيا، وتعيش بقية القبيلة تحت سيطرة الحكومة السورية. الشرائح الثلاث تحدد أفرادًا مختلفين داخل منطقة سيطرتها، كممثل شرعي للقبيلة، اعتمادًا على علاقاتهم بالوكالة مع القوى الخارجية. على سبيل المثال، تروّج إيران لنوّاف البشير كممثل شرعي، وتعترف الدولة السورية بزعامة فوّاز البشير (ابن عمّ نواف)، وقد عينته عضوًا في مجلس الشعب السوري. وتدعم قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على الجزء الشرقي من سورية (بمساعدة الولايات المتحدة) الشيخ حاجم البشير، كزعيم في الأراضي التي تسيطر عليها. وتدعم تركيا الشيخ خالد الخلف، كزعيم لأبناء البكارة الذين هجروا إلى تركيا خلال الصراع. ويحاول كل طرف من هذه الأطراف المتعددة استخدامَ الروابط القبلية لزعزعة استقرار سلطة الآخر، وهو ما يتسبب في مزيد من الانقسامات داخل القبيلة، ومن مظاهر الانقسامات مَيلُ رجال القبائل الذين لا يدعمون زعيمهم المعيّن بشكل كامل إلى الاستماع إلى شيخٍ من منطقة أخرى، يجادل ضدّ شرعية شيخهم ويدعوهم إلى رفض الانضمام إلى ميليشياه.

الخاتمة:

ينظر كثير من محللي شؤون الشرق الأوسط إلى استمرار القبلية في المنطقة من منظور التنمية والتحديث، بحجة أن ذلك يرجع إلى بطء وتيرة التصنيع والهيمنة الساحقة للقطاع الزراعي، على الأقل حتى منتصف القرن العشرين. وعلى الرغم من أن هذه الحجة قد لا تزال ذات أهمية، فإنها غالبًا ما تتجاهل تأثير ديناميات الدولة على استمرار القبلية في المنطقة. جادلتُ في هذه الورقة بأن الدولة القومية الوليدة في سورية اتخذت خطوات جادة لنقل مواطنيها إلى ما بعد هوياتهم القبلية؛ ولكنّ ظهور الاستبداد، منذ السبعينيات، أدى إلى وقف هذه التدابير وعكسها، وهو ما أسهم في استمرار القبائل والقبلية كقوى سياسية في سورية. ونتيجة لهذا التسييس واستخدام القبلية في البقاء السياسي؛ ظهرت القبائل كجهات سياسية فاعلة مستقلة خلال الانتفاضة والحرب الأهلية. فالجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المتعددة التي تشارك في الصراع السوري فككت الولاءات القبلية حتى بين أفراد القبيلة نفسها. ومع ذلك، عززت الحرب الأهلية السورية الولاءات القبلية إلى حد بعيد، وهو ما يجعل أيّ حلٍّ لمستقبل سورية يعتمد بشكل كبير على ضمّ ممثلي القبائل ضمن أي شكل من أشكال تقاسم السلطة.

…………………

رابط المقال الأصلي

………………..

هوامش:

[1]- Dawn Chatty, “The Bedouin in C Syria: The Persistence of Tribal Authority and Control,” Middle East Journal 64, no. 1 (2010): 29 -49.

[2]- مسعود ضاهر، المشرق العربي المعاصر: من البداوة إلى الدولة الحديثة (بيروت: معهد الإنماء العربي، 1986)؛ وJohn Shoup, “Hima: A Traditional Bedouin Land-U e System in Contemporary Syria and Jordan” (PhD diss., Washington University of St. Louis, 1990).

[3]- Fadl al-Faour, “Social Structure of a Bedouin Tribe in the Syria-Lebanon Region” (PhD diss., University of London, 1968).

[4]- Suleiman Khalaf, “Family, Village and the Political Party: Articulation of Social Change in Contemporary Rural Syria” (PhD diss., University of California–Berkeley, 1981.

[5]- Raymond Hinnebusch, “Local Politics in Syria: Organization and Mobilization in Four Village Cases,” Middle East Journal30, no. 1 (1976): 1–24.

[6]- Chatty, “Bedouin in Contemporary Syria,” 29–49.

[7]- Andrew Manzardo, Bedouins in Agriculture (Cleveland, OH: Midwest Universities Consortium for International Activities,(1980). 25.

[8]- Sami Zubaida, Islam, the People and the State: Essays on Political Ideas and Movements in the Middle East (London:I. B. Tauris, 1993(

[9]- Haian Dukhan, “Tribes and the Islamists in Modern Syria: A Short Introduction,”Centre for Syrian Studies, University of St. Andrews, 2014, http://docs.wixstatic.com/ugd/fb1673_2d9d2119177745e797510148af3cfa83.pdf.

[10]- Kerim Yildiz, The Kurds in Syria: The Forgotten People (London: Pluto Press, 2006).

[11]- Bashar al-Assad’s Speech to the People in Deir Ezzor,” Syria RTV, 30 April 2007, ttps://www.youtube.com/watch?v=6I8D9BsI_IQ.

[12]- Eva Savelsberg, “The Syrian-Kurdish Movements: Obstacles Rather than Driving Forces for Democratization,” in Conflict,Democratization, and the Kurds in the Middle East Turkey, Iran, Iraq and Syria, ed. David Romano and Mehmet Gurses (Basingstoke, UK: Palgrave Macmillan, 2014), 91.

[13]- Robert Lowe, “The Syrian Kurds: A People Discovered,” Briefing Paper, Chatham House, January 2006, https://www.chathamhouse.org/sites/default/files/public/Research/Middle%20East/bpsyriankurds.pdf.

[14]- Thorsten Schoel, “The Hasna’s Revenge: Syrian Tribes and Politics in Their Shaykh’s Story,” Nomadic Peoples 15, no. 1 (2011): 96–113.

[15]- Haian Dukhan, State and Tribes in Syria: Informal Alliances and Conflict Patterns (London: Routledge, 2019).

[16]- Islam al-Khafaji, “De-Urbanising the Syrian Revolt,” Arab Reform Initiative, 6 March 2016, https://www.arab-reform.net/ publication/de-urbanizing-the-syrian-revolt.

[17]- Reinoud Leenders and Steven Heydemann, “Popular Mobilization in Syria: Opportunity and Threat, and the Social Networks of the Early Risers,” Mediterranean Politics 17, no. 2 (2012): 139–59.

[18]- A. Holler, “The Leader of Tay Tribe Calls Arab Tribes in al-Hasakeh to ‘Join’ Regime Militias” ARA News, 22 March 2015.

[19]- Wolfram Lacher, Libya’s Fragmentation: Structure and Process in Violent Conflict (London: Bloomsbury, 2020).

[20]- Julian E. Barnes and Eric Schmitt, “Trump Orders Withdrawal of U.S. Troops from Northern Syria,” The New York Times13 October 2019, https://www.nytimes.com/2019/10/13/us/politics/mark-esper-syria-kurds-turkey.html.

…………………

  تحميل الموضوع

ــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب ومترجم سوري

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.