الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

إنقاذ الديمقراطية التمثيلية من المتصيدين للنساء عبر الإنترنت

نشر موقع (بروجيكت سنديكيت Project Syndicate) مقالاً للكاتبة ( نجيري وودز NGAIRE WOODS) التي هي “عميد كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد”، حول مدى مساهمة البيئات الإلكترونية السامة فى عرقلة تمثيل المرأة سياسيا، وعدم تشجيعهن على التفاعل مع الاستحقاقات الدستورية فى بلادهن، حتى أنها تصدر من القادة الذكور أنفسهم!. تناول المقال أيضا أربعة إجراءات واجب على شركات التكنولوجيا اتخاذها، والدور الواقع على عاتق الحكومات والقضاة لمواجهة هذه الجريمة، هذا إذا أرادوا ديمقراطية تمثيلية حقيقية فى بلادهم… نعرض مضمونه فيما يلى:

من المُقرر إجراء أكثر من سبعين انتخابات وطنية في عام 2024، بما في ذلك في ثمانيةً من أكثر عشرة بلدان اكتظاظًا بالسكان. ومع ذلك، من المُرجح أن تكون هناك مجموعة واحدة ممثلة تمثيلاً ناقصًا إلى حد كبير: النساء. ومن بين الأسباب الرئيسية الكم غير المتناسب من الإساءات التي تتعرض لها السياسيات والمُرشحات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك التهديدات بالاغتصاب والعنف، كما يؤدي صعود الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن استخدامه لإنشاء صور مُزيفة جنسية صريحة، إلى تفاقم المُشكلة.

ومع ذلك، في العام الماضي، نجحت منصات مثل ميتا وإكس (تويتر سابقًا)، ويوتيوب بتقليص التأكيد على تعديل المحتوى وتراجعت عن تبني السياسات التي كانت في السابق تمنع الكراهية والتحرش والأكاذيب. ووفقًا لتقرير جديد، فقد أدى هذا الأمر إلى خلق “بيئة إلكترونية سامة مُعرضة للاستغلال من جانب القوى المُناهضة للديمقراطية، والمُتعصبين البيض، وغيرهم من الجهات الفاعلة السيئة”.

إن الهجمات الإلكترونية ضد النساء في الحياة السياسية آخذة في الارتفاع بالفعل. وقد تعرضت أربع من أصل خمس برلمانيات للعنف النفسي مثل التنمر أو الترهيب أو الإساءة اللفظية أو التحرش، بينما تعرّضت أكثر من 40% للتهديدات بالاعتداء أو العنف الجنسي أو القتل.

لقد كانت الانتخابات التي أُجريت في الولايات المتحدة عام 2020 كاشفة بشكل خاص. فقد وجد تحليل حديث لمرشحي الكونجرس أن النساء الديمقراطيات تلقين تعليقات مُسيئة على موقع الفيسبوك أكثر بعشر مرات من نظرائهن الرجال. ومباشرة بعد قيام المرشح الرئاسي جو بايدن بتعيين كامالا هاريس نائبة له، تمت مشاركة ادعاءات كاذبة حول هاريس 3000 مرة على الأقل في الساعة على موقع تويتر.

وقد تم توثيق اتجاهات مُماثلة في الهند والمملكة المتحدة وأوكرانيا وزيمبابوي. كما تواجه نساء الأقليات أسوأ أشكال الإساءة، إلى جانب النساء اللائي يظهرن بشكل كبير في وسائل الإعلام أو يتحدثن علناً عن القضايا النسوية. وفي الهند، تُعد واحدة من كل سبع تغريدات على موقع التويتر عن السياسيات مُثيرة للجدل أو مُسيئة، وتتحمل النساء المُسلمات والمنتميات إلى الفئات المُهمشة وطأة الانتقادات اللاذعة.

إن الاستهداف غير المُتناسب للنساء لا يُشجعهن على الترشح للمناصب العليا، ويحُد من مشاركتهن السياسية، أو يدفعهن إلى الانسحاب من الخطابات عبر شبكات الإنترنت بطرق تضر بفعاليتهن السياسية ــ مما يُساهم في إضعاف الديمقراطية. وفي إيطاليا، تقول لورا بولدريني، وهي سياسية إيطالية شغلت منصب رئيسة مجلس النواب في البلاد، “تُستخدم التهديدات بالاغتصاب لترهيب السياسيات وإبعادهن عن المجال العام”، مُضيفة أن القادة السياسيين أنفسهم غالبًا ما يُصدرون هذه التصريحات الخطيرة. وهذا يخلق حلقة مُفرَغة، حيث تبيَّن أن نقص عدد النساء في الحكومة يؤدي إلى سياسات أقل فعالية في الحد من العنف ضد المرأة.

وينبغي لشركات التكنولوجيا اتخاذ أربع خطوات لمواجهة هذا الاتجاه. بدايةً، ينبغي لها نشر مبادئ توجيهية بشأن ما يُشكل خطاب كراهية وتهديدًا وترهيبًا بالتحرش على منصاتهم. وقد أدرجت بعض شركات التكنولوجيا العملاقة، بل وقدمت أمثلة عن خطابات الكراهية الجندرية في سياساتها. تُعد سياسة موقع يوتيوب أحد الأمثلة على ذلك.

ثانياً، يتعين على المنصات إعادة الاستثمار في الإشراف الفعّال على المحتوى بالنسبة لكافة البلدان، وليس فقط الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا يعني استخدام مزيج من رأس المال البشري والأنظمة الآلية المُحسنة (خلال جائحة فيروس كوفيد 19، عندما اعتمدت شركات التكنولوجيا بشكل أكبر على الخوارزميات، لاحظ الناشطون في فرنسا أن خطاب الكراهية على تويتر زاد بنسبة أكثر من 40٪). ومن المهم بنفس القدر تدريب المُشرفين البشريين على تحديد العنف ضد المرأة على شبكات الإنترنت في مجال السياسة والاستثمار الأكثر إنصافًا في الإشراف الفعّال على المحتوى. حتى الآن، عادة ما يتم الاستعانة بالمناطق حيث العمالة أقل تكلفة لتنفيذ المهمة غير السارة المُتمثلة في العثور على المحتوى المُسيء وحذفه.

ثالثًا، ينبغي دمج مبادئ “السلامة حسب التصميم” في المنتجات والأدوات الجديدة. قد يعني ذلك بناء آليات “تزيد من حدة الخلافات” بين المُستخدمين وتجعل من الصعب انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المُضللة القائمة على النوع الاجتماعي في المقام الأول. يجب على الشركات تحسين ممارساتها في تقييم المخاطر قبل إطلاق المنتجات والأدوات أو تقديمها إلى سوق جديدة. وسيكون الاستثمار في الإبداع، مثل مجموعة الدفاع عن المساواة بين الجنسين “Parity BOT”، التي تعمل كأداة للمراقبة والموازنة من خلال الكشف عن التغريدات المُثيرة للجدل حول المُرشحات والرد برسائل إيجابية، أمرًا مهمًا أيضًا.

وأخيرًا، من شأن المراقبة المُستقلة من قبل الباحثين أو مجموعات المواطنين أن تساعد المجتمعات على تتبع المشكلة ومدى جودة تعامل منصات التكنولوجيا معها. وستتطلب هذه المراقبة من الشركات إتاحة الوصول إلى بياناتها عن عدد وطبيعة الشكاوى الواردة، المُصنفة حسب نوع الجنس والبلد والردود.

وفي سياق تراجع شركات شبكات التواصل الاجتماعي عن سياسات المحتوى وانخفاض الاستثمار في الإشراف على المحتوى، من المهم ملاحظة أن نسبة النساء في الأدوار القيادية في مجال التكنولوجيا تبلغ حاليًا 28٪، وهذه النسبة تعرف انخفاضًا مُستمرًا. وإذا كانت القيادات النسائية في مجال التكنولوجيا، كما هي الحال في السياسة، أكثر ميلاً إلى التصدي للعنف ضد المرأة، فقد يخلق هذا الاتجاه حلقة مُفرغة مُماثلة.

والأهم من ذلك، يتعين على الحكومات أيضًا اتخاذ خطوات فعالة لمنع الإساءات الجندرية عبر الإنترنت من تقويض الديمقراطية. فقد حظرت تونس وبوليفيا العنف السياسي والتحرش ضد المرأة، في حين أصدرت المكسيك مؤخراً قانوناً يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى تسع سنوات أولئك الذين يقومون بإنشاء أو نشر صور أو مقاطع فيديو حميمية للنساء أو يقومون بمهاجمتهن على شبكات التواصل الاجتماعي.

في المملكة المتحدة، تعمل المبادئ التوجيهية القانونية الصادرة في عامي 2016 و2018 على تمكين محاكمة المتصيدين عبر الإنترنت الذين ينشئون علامات تصنيف أو وسومات مُهينة، أو يُشاركون في مهاجمات واعتداءات افتراضية (تحريض الناس على مضايقة الآخرين)، أو تداول صور مُزيفة. ففي عام 2017، أصدرت ألمانيا قانونًا يُلزم المنصات بإزالة خطابات الكراهية أو المحتوى غير القانوني في غضون 24 ساعة أو المخاطرة بدفع غرامات تُقدر بملايين الدولارات (تم إلغاء إجراء مماثل في فرنسا خوفًا من الرقابة).

ولكن على الرغم من تطبيق القوانين، تتحدث النساء السياسيات عن انتهاكات “شبه مُستمرة” وتُشير إلى أن المسؤولين المُكلفين بإنفاذ القوانين لا يأخذون التهديدات والإساءات عبر الإنترنت على محمل الجد. وفي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، فقد أدت أقل من 1% من الحالات التي تم الإبلاغ عنها إلى وحدة مكافحة جرائم الكراهية على الإنترنت التابعة لسكوتلاند يارد إلى توجيه اتهامات للأشخاص المعنيين. يحتاج ضباط الشرطة والقضاة إلى تدريب أفضل لفهم كيفية تطبيق القوانين الحالية فيما يتعلق بالعنف عبر الإنترنت ضد النساء السياسيات؛ ويعتقد كثيرون أن هذا ببساطة “جزء من عملهم”.

كما يتعين على شركات التكنولوجيا والحكومات العمل الآن لضمان قدرة كل من الرجال والنساء على المشاركة على حد سواء في انتخابات العام المقبل. وما لم تفعل ذلك، ستُصبح الديمقراطيات التمثيلية أقل تمثيلاً وأقل ديمقراطية.

المصدر: موقع بروجيكت سنديكيت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.