الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

فوز “لاي تشينج تي” برئاسة تايوان.. فصل جديد من التوتر بين تايبيه وبكين

وفاء هاني عمر *

أثارت الانتخابات الرئاسية في تايوان، التي جرت يوم 13 كانون الثاني/ يناير 2024، غضب الصين لفوز “لاي تشينج تي”، عضو الحزب الديموقراطي التقدمي المنبوذ من الصين، إذ عُرف عن ‘لاي تشينج’ دفاعه القوي عن استقلال تايوان، كما ظهر في خطابه عُقب الفوز، مما يثير مخاوف الصين بشأن مخططات استعادة الجزيرة التايوانية إليها. وتناول عدد من المواقع والصحف والمجلات الأجنبية مصير التوتر بين تايبيه وبكين في عهد ‘لاي تشينج’، وهل ستستطيع واشنطن السيطرة على هذا التوتر والحفاظ على أمن واستقرار المضيق؟… نعرض فيما ما يلي ما ورد في الصحف والمواقع:

حذر مسؤولون صينيون من فوز ‘لاي تشينج’ المنتمي للحزب الديمقراطي التقدمي في الانتخابات التايوانية. وهدد “تشن بينهوا”، المتحدث باسم مكتب مجلس الدولة الصيني لشئون تايوان، «بأن ‘لاي’ ذو نزعة انفصالية ومن شأن انتخابه أن يخلق «وضعاً خطيراً من الرياح والأمواج العاتية في مضيق تايوان». ويعتقد السياسيون التايوانيون أن فوز ‘لاي’ في هذه الانتخابات دلالة على رغبة أغلبية الشعب التايواني في الاستقلال الفعلي عن الصين، إذ «فاز ‘لاي’ بنسبة 40% من الأصوات، وهي علامة على أن الأغلبية تريد الاستمرار على طريق حزبه لتعزيز الردع والعلاقات مع الديمقراطيات الأخرى» (صحيفة الإيكونوميست). في ضوء هذا، لابد من الإشارة إلى أن آراء شعب دولة الصين الشعبية انقسمت ما بين منزعج من نتائج الانتخابات واعتقاده بضرورة ضم تايوان إلى الصين، ومحترم لرغبة ناخبي تايوان مصحوبا بالقلق من مستقبل مشحون بالتوتر، وتنقل صحيفة الإيكونوميست عن طالب جامعي من شنغهاي يرى أن فوز ‘لاي’ علامة على مستقبل مُلبد بالغيوم، لكنه وصف الانتخابات بأنها إرادة الناخبين في تايوان، واستطرد قائلاً: «من بين أبناء جيلي، أعرف القليل ممن يريدون الحرب. في حين أن بعض كبار السن قد يأملون في أن نتمكن من استعادة تايوان بالقوة ذات يوم».

اتخذت بكين عدة إجراءات دبلوماسية رداً على نتائج الانتخابات في تايوان:

أولاً، أعلنت دولة “ناورو”، وهى جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ، تحويل علاقاتها الدبلوماسية إلى الصين بدلاً من تايوان بعد يومين من إجراء الانتخابات. وأصدرت وزارة الخارجية التايوانية بياناً أكدت فيه أن الصين تواصلت مراراً وتكراراً مع شخصيات سياسية هناك وعرضت المساعدة الاقتصادية لإقناع الجزيرة بقطع العلاقات مع تايبيه. وهو تكتيك مُبتذل تستخدمه بكين لمعاقبة تايبيه وعزلها في عهد رؤساء الحزب الديمقراطي التقدمي «نجحت الصين حتى الآن في إغراء 10 دول لقطع العلاقات مع تايوان لصالح جمهورية الصين الشعبية خلال فترة رئاسة تساي» (بريان هارت، سكوت كينيدي، جود بلانشيت، بوني لين، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية).

ثانياً، أصدرت سلطات جمهورية الصين الشعبية بيانات تنتقد الولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية لإرسالها وفوداً إلى تايوان فى أعقاب الانتخابات، وانتقدت وزارة الخارجية الأمريكية والفلبين لإصدارهما بيانات تهنئة إلى ‘لاي تشينج’.

ثالثاً، أصدر “تشن بينهوا” بياناً يقلل من قيمة نتيجة الانتخابات مؤكداً أن تايوان جزء من الصين «مهما كانت التغييرات التي تحدث الآن في تايبيه»، وأن موقف الحكومة الصينية المتمثل في التمسك بمبدأ صين واحدة ومعارضة النزعة الانفصالية في تايوان لن يتغير.

إضافة إلى ما سبق ذكره، هددت بكين بفرض عقوبات اقتصادية على تايوان، على الرغم من عضوية الاثنتين في منظمة التجارة العالمية، كما أن علاقاتهما الاقتصادية تحكمها في المقام الأول اتفاقية إطار التعاون الاقتصادي (ECFA)، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2010. لكن أطلقت بكين تحقيقاً رسمياً في امتثال تايوان للاتفاقية، في نيسان/ أبريل 2023، «بسبب قائمة طويلة من السلع الصينية التي تمنع تايوان استيرادها إلى الجزيرة». وقبل أيام قليلة من الانتخابات، أعلنت الصين عن قائمة أولية من العقوبات البسيطة على تايوان متهمة إياها بانتهاك التزاماتها، لذا من المحتمل أن نرى، الأشهر المقبلة، بكين تضيق الخناق على الشركات التايوانية في الصين، إضافة إلى تعليق اتفاقية الشراكة الاقتصادية الأوروبية بشكل كامل.

  • • •

لا شك أن هذه التطورات في الجزيرة التايوانية من شأنها إثارة قلق الولايات المتحدة، وبالفعل قام وفد غير رسمي من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين بزيارة تايوان بعد الانتخابات مباشرة. لم يلتقوا فقط بالسيد ‘لاي’ والرئيسة المنتهية ولايتها، “تساي إنج وين”، ولكن أيضا بالسيد “إريك تشو”، رئيس حزب “الكومينتانج”. وذلك للتأكيد على استمرار دعم واشنطن لتايبيه، والاعتقاد بأن جميع الأحزاب التايوانية تريد أن تفعل «ما هو الأفضل لتايوان، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية». وصرح الأدميرال “جون أكويلينو”، القائد العسكري الأمريكي الأعلى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في خطاب ألقاه في “هونولولو” بعد الانتخابات جاء فيه: «أتوقع بعض استعراض القوة (من جانب الصين) ضد تايوان في المدى القريب” (كميل إليميا، موقع Eurasia review).

يبقى السؤال هنا كيف ستترجم واشنطن موقفها الداعم لتايوان إلى سياسة فعلية، وبخاصة ما يتعلق بالمسائل الدفاعية التي تعتبرها واشنطن حاسمة، مثل تزويد تايوان بالأسلحة التي من شأنها أن تجعل الصين تفكر مرتين قبل الغزو؟- وهو ما يحاول الخبراء والمسؤولون الأمريكيون تقييمه الآن (جاك ديتش، مجلة فورين بوليسي)-. لذا أرسلت البحرية الأمريكية سفينة حربية عبر مضيق تايوان، في يوم 24 كانون الثاني/ يناير، وهو ما وصفته الصين بأنه عمل استفزازي ويُمهد الطريق للحرب.

من المهم الإشارة إلى رفض إدارة بايدن طلبات معينة لتايوان، مثل طائرات الهليكوبتر المضادة للغواصات، بدعوى دفع تايوان إلى التركيز بشكل أكبر على نشر الأسلحة التي سيكون لها تأثير مباشر على ردع الصين. كذلك أكدت الولايات المتحدة، كما ورد على لسان بايدن، أنها لا تدعم استقلال الجزيرة التايوانية.

يرى “هينو كلينك”، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون شرق آسيا، أنه من الأفضل للرئيس التايواني الجديد في المرحلة المقبلة، «زيادة مدة التجنيد الإجباري، والتدريبات العسكرية الأكثر واقعية، والاتجاه إلى إنفاق المزيد على الدفاع بالإضافة إلى شراء النوع المناسب من الأسلحة». هنا أتفق مع رأي مجلة فورين بوليسي أنه حتى لو اتفق ‘لاي’ مع واشنطن بنسبة 100% وأراد اتباع هذه السياسات التي تعتقد الولايات المتحدة أنها الأفضل، فسيظل يتعين عليه التعامل مع سيطرة “حزب الكومينتانج المعارض” (KMT) على أغلبية المقاعد في البرلمان التايواني مما قد يعرقل خططه ومشاريعه.

  • • •

على صعيد آخر، انقسم موقف الدول الآسيوية إزاء الانتخابات التايوانية وفوز “لاي تشينج تي” بالرئاسة بين الدعم والتهنئة أو المعارضة لكسب ود الصين. فأظهرت ميانمار، إحدى أعضاء رابطة الآسيان، دعمها الصريح للصين في بيان لها مؤكدة أن تايوان جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية. بينما أثارت الفلبين، العضو في رابطة دول الآسيان، ضجة عندما هنأ الرئيس “فرديناند ماركوس جونيور” رئيس تايوان المنتخب ‘لاي’ على موقع (X) (تويتر سابقاً)، مما أثار غضب الصين، لترد وزارة الخارجية الصينية في نفس اليوم على تهنئة ‘ماركوس’، قائلة إنه بحاجة إلى «قراءة المزيد» لفهم تاريخ تايوان مع اعتبارها رسالة التهنئة هذه انتهاكاً صريحاً لمبدأ صين واحدة.

وهذا ما دفع وزارة الشؤون الخارجية في حكومة ‘ماركوس’ إلى التأكيد على «سياسة الصين الواحدة». لذا انتقدت سناتور المعارضة الفلبينية، “ريزا هونتيفيروس” موقف ‘ماركوس’ وسياسة إدارته غير المُتسق قائلة: «لا يمكننا أن نجعل الرئيس، المهندس الرئيسي للسياسة الخارجية، يقول شيئاً، بينما تقول وزارة الخارجية شيئاً آخر».

جوهر القول، إن الفترة القادمة للعلاقات التايوانية الصينية لن تكون سهلة، لذا لابد للرئيس الجديد، “لاي تشينج تي”، التحلي بالعقلانية والتريث للتصدي لاستفزازات الصين دون الإضرار بأمن واستقرار تايوان والمنطقة.

ومن المحتمل أن تشهد المنطقة توترات غير مسبوقة بين الجانبين الأيام القادمة، مع احتمال ممارسة بكين المزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية على تايبيه. كذلك من غير الواضح إذا كانت واشنطن ستستمر في دعم تايوان عسكرياً وسط التوترات والصراعات التي يشهدها العالم، بخاصة بعد ما ورد مجدداً على لسان بايدن بأن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان.

………………….

النصوص الأصلية:

1ــ https://bit.ly/4b6dHWY

2ــ https://bit.ly/3Sbt8U

3ــ https://bit.ly/3UbdJGP

4ــ https://bit.ly/4baRUxe

5ــ https://bit.ly/3ScThD6

ــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.