(الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”،
وهذه الحلقة السابعة والعشرون من الجزء الأول– الاشتراكية العربية وأسطورة الخصائص؛ بقلم الدكتور “جمال الأتاسي”
الاشتراكية العربية وأسطورة الخصائص
1- مقدمة:
الذين يُعلنون عن انتسابهم للاشتراكية في مجتمعنا العربي اليوم كثيرون. ولكنهم من مذاهب مختلفة وترتبط 
مصالحهم بطبقات مختلفة، فالمثقفون الذين ارتبطت عقولهم ومصالحهم بالطبقات السائدة والمستغلة، هم الذين يعملون على تعمية مفهوم الاشتراكية، وعلى زرع التعدد والتشتت من حول هذه الفكرة، كما عملوا ويعملون على تعمية مفاهيم الدمقراطية والحرية، وعلى تشويهها وإخراجها عن واقع الصراع الطبقي وعن الظروف التاريخية والاجتماعية للبشر، فأمام تطور الوعي الطبقي عند الطبقات الكادحة، وأمام صعود الجماهير في التاريخ في طريق الثورة الاشتراكية، نرى الطبقات الحاكمة والمستغلة في ذعر، ونرى المفكرين الذين يعبرون عن مصالح هذه الطبقات السائدة في موقف سلبي صرف. إنهم ضد الثورة، ضد الاشتراكية، ضد الدمقراطية الشعبية، وينصرف ذكاؤهم إلى خلق الالتباس حول الفكرة الاشتراكية، إنهم «يُتاجرون بالأوهام» لصرف الجماهير عن نضالها الفوري وعن مطالبها الاشتراكية المباشرة. وهذا ما يضع أمام المفكر اليساري، المفكر الذي ربط مصيره بقضية الجماهير والذي يرى حريته في إطار تحرر الجماهير وانعتاقها، مهمتان: أولاً تبديد التضليل البورجوازي، والثانية إيجاد الوحدة في التفكير الاشتراكي، ورسم المعالم الواضحة لطريق العمل الاشتراكي.
إن القوى المعارضة للاشتراكية في الوطن العربي في حالة استنفار. فهي تجند جميع وسائلها وامكانياتها، ومن جملتها الدعاية والكتابة، للوقوف في وجه التيار الجماهيري الكبير الذي يدفع في طريق الاشتراكية. فبعد أن أعلنت خطوات التأميم في الجمهورية العربية المتحدة لتضرب قواعد الرأسمالية في أكبر الأقطار العربية وأكثرها تطوراً، وبعد أن انتصرت الثورة في الجزائر وقام فيها حكم ثوري يعلن عن نهج واضح نحو الاشتراكية ويعزز قوى الثورة في أقطار المغرب العربي الكبير، وبعد أن قامت ثورة اليمن فقوضت الحكم الأوتوقراطي المتخلف وحملت الثورة إلى قلب الجزيرة العربية، إلى أكثر المناطق تخلفاً في الوطن العربي، لتفتح امكانيات جديدة للثورة العربية الشاملة، بعد هذا كله لم تعد الاشتراكية مطالب بعيدة يُلوَّح بها للجماهير الكادحة وتَعلُّق في الحاضر بتبريرات مختلفة (باسم المخاطر الخارجية مثلاً وضرورات الوحدة الوطنية في وجه الاستعمار أو باسم منطق تقدمي كاذب يقول بمرحلة البورجوازية وبدور الرأسمالية الوطنية في تحقيق الازدهار..) بل أصبحت مطالب راهنة وملحة لا تقبل الإرجاء والتأجيل. ولهذا نرى القوى المعارضة للاشتراكية في حالة ذعر، ولهذا نراها اليوم تلجأ إلى تعزيز التجزئة وإقامة الحواجز لإيقاف تيار الثورة، ولهذا نراها أيضاً تُحرك مثقفيها الذين يتاجرون بالمُثل والأوهام، ليُشيعوا الشك والفوضى في المذاهب والأفكار. فاستماتة القوى الرجعية اليوم، في مقاومة تيار الوحدة العربية، وتحالف هذه القوى على صعيد الوطن العربي ومقاومتها، وتحالفها مع الاستعمار بوجهيه القديم والجديد، إنما يعود بالدرجة الأولى إلى وعي الطبقات الرجعية للتهديد المباشر لمصالحها الكبيرة بسبب الصعود الجماهيري الواسع في طريق الاشتراكية. وهكذا فإن الصراع الطبقي قد انتقل من الصعيد القطري الى الصعيد العربي، ومن صعيد النضال الوطني الاقليمي، إلى صعيد النضال القومي العربي، وهذه خطوة إيجابية كبيرة ولا شك، لما تفسحه من إمكانيات أوسع للثورة الاشتراكية، وهذه الخطوة خلفت وراءها قوتان تزعمان التقدمية والاشتراكية، أولاهما القوة الإقليمية التي تقول بالاشتراكية، أي بإمكانية تحقيق الاشتراكية على صعيد القطر الواحد، والتي تقول بمرحلة الرأسمالية الوطنية، فدخلت في هذا السبيل في تحالفات أغرقتها في الانتهازية وألقت بها في أحضان الرجعية، فلا الشعارات المرحلية تُخفي هذه الحقيقة ولا «المخاطر!!» المزعومة تبررها. وهذه القوة هي التي نُسميها اليوم بالاشتراكية الانفصالية، باعتبار موقفها السياسي من قضية الوحدة والنضال الوحدوي. أما القوة الثانية ، فهي ولو أنها تقول بالثورة العالمية، ولو أنها أخذت تعترف بالقول في السنوات الأخيرة بحقيقة القومية العربية بعد أن فرضت هذه الحقيقة نفسها، (وكانت الأحزاب الشيوعية في الأقطار العربية قد بنَت وجودها في الماضي على أساس نفي هذه الحقيقة)، نجدها اليوم تقف هي أيضاً ضد الثورة الاشتراكية العربية، وتدخل في تحالفات انتهازية ضد إرادة الجماهير، وتستسلم لمنطق المراحل وتقول بدور الرأسمالية الوطنية، فظفرُ التيار الاشتراكي الوحدوي، يعني بالنسبة لهذه القوة الشيوعية، الاستغناء عنها وتجاوزها وإلغاء مبرر وجودها. إنهما قوتان مُعطِلتان، لم يعد لهما غير دور سلبي، ولم يعد يفيد من وجودهما إلا القوى الانتهازية والقوى المعارضة للاشتراكية.
ولكن الاتجاه الاشتراكي الجماهيري الثوري إذا ما خلف وراءه هاتين القوتين ووقف يواجه وحده قوى التخلف والتجزئة والرجعة، وإذا امتد واتسع ليحرك قاعدة شعبية واسعة على صعيد الوطن العربي كله، إلا أن امتدادها قد تعرض وما زال يتعرض للتناقضات والنكسات، لأنه لم يستطع، بعد، أن يعطي لشعاراته وأهدافه مضمونها النظري الواضح، ولم يستطع بعد أن يجد الأداة الثورية الشعبية المنظمة أو الحركة الثورية المنظمة على صعيد الوطن العربي كله.
ونحن في هذه الدراسة التي تتناول الاشتراكية والحركة الثورية العربية، لا نطمح إلى الوصول إلى رسم المعالم الواضحة لهذا الاتجاه ولنظريته الاشتراكية، بل كل ما نطمح إليه أن نبدد بعض الأوهام والشكوك، وأن نضع شيئاً من التنظيم في الأفكار والمواقف، وأن نقدم مجموعة من التحليلات النقدية، لعلنا نستطيع الوصول إلى إرساء بعض القواعد والأسس التي يمكن أن ننطلق منها في بحث الطريق الاشتراكي لنضال الشعب العربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع.. الحلقة الثامنة والعشرون بعنوان: أسطورة الخصائص(1/4)؛ بقلم الدكتور “جمال الأتاسي”
