الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

توقعات “ستيفن والت” لأبرز القضايا العالمية فى 2024

ياسمين عبداللطيف زرد *                       

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقابلة أجراها رئيس تحريرها، “رافي أجراوال”، مع أستاذ العلاقات الدولية المرموق بجامعة هارفارد، “ستيفن والت”، بشأن توقعاته لعدد من القضايا فى العام الجديد خاصة، حرب إسرائيل و”حماس”، مسألة التطبيع الإسرائيلي- السعودي، الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وغيرها… نعرض من المقال ما يلى:

كان من البديهي أن يبدأ “رافي أجراوال” حواره بالصراع المسيطر على المشهد العالمي الآن بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وكيف ستبدو الأمور خلال الأشهر المقبلة؟ توقع ‘والت’ أن الأمور لن تبدو مختلفة هذا العام. قد يكون هناك نوع من وقف إطلاق النار أو نهاية الحملة الإسرائيلية في غزة، لكن سيكون القطاع دُمر إلى حد كبير. وأضاف: لن يتم حل المشكلة السياسية خلال هذا العام المتمثلة في كيفية تعايش الطرفين، ولن يكون هناك تحول في موقف الحكومة الإسرائيلية بشأن حل الدولتين. ولن يتم القضاء على حماس، بل ستصبح أكثر شعبية في كل من غزة والضفة الغربية. أما الأخبار المحبِطة فهي أنه في ختام العام، ستكون هذه القضية مستعصية على الحل.

                                                             *           *           *

لم يبتعد المُحاور كثيراً عن تداعيات عملية طوفان الأقصى، وطرح سؤالاً عن مصير صفقة إسرائيل لتطبيع العلاقات مع السعودية بعد هجوم حماس. أجاب ‘والت’: تأجلت الصفقة في الوقت الحالي، لكنها لن تلغى على المدى الطويل لأن مكاسب مختلف الجهات الفاعلة للصفقة لم تختفِ (السعودية تريد ضمانة أمنية من واشنطن، وإسرائيل تريد الإنجاز الرمزي المتمثل في اتفاق التطبيع مع السعودية). وفي الحالة الأمريكية، لم يكن الحافز الأساسي مرتبطاً بإنهاء الصراع الإسرائيلي العربي، بل محاولة التوسط في نوع من الترتيبات الأمنية مع الرياض لإبقائهم إلى جانب الغرب في فترة كانت فيها السعودية تغازل الصين إلى حد ما. وكان السبيل لتحقيق ذلك هو ربطه بالتطبيع مع إسرائيل، وهذا الهدف لم يختفِ.

                                                             *           *           *

أما السؤال الثالث فكان عن حدث مميز يجب متابعته في عام 2024. ورأى ‘والت’ أن ذلك ينطبق على الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي. مؤكداً أنه سيتأثر بقضيتين؛ الأولى هي الحرب في أوكرانيا التي لا تسير بشكل جيد للجانب الغربي، وسيُنظر إلى ذلك على أنه فشل للتحالف. أما الثانية فتتمثل في احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب، الذي يلقي بظلال من الشك على مستقبل الحلف، ولا يُحبه أو يُحب الاتحاد الأوروبي.

                                                             *           *           *

في هذا العام ستُجرى انتخابات وطنية أكثر من أي عام آخر في التاريخ. وسيبدأ العام بالانتخابات التايوانية في كانون الثاني/ يناير. في هذا المضمار، يجادل ‘والت’ بأن النتيجة ستكون مهمة للغاية، إلا أن مرشح حزب الشعب الديمقراطي كان يتحدث عن موضوع الاستقلال في الماضي بشكل صريح، لكنه خفف من تصريحاته في الآونة الأخيرة لأن الرسالة التي يتلقاها باستمرار من واشنطن أنه حتى لو نجح في الانتخابات، نظراً لأن المعارضة منقسمة إلى حد كبير، فإن آخر شيء يجب عليه فعله عند توليه منصبه هو القيام بشيء قد يُجبر الصين على اتخاذ إجراءات من شأنها زعزعة الاستقرار بشكل كبير في المنطقة. لذا يعتقد ‘والت’ أنه خلال العام، سيظل الوضع الراهن كما هو عليه.

                                                             *           *           *

بمناسبة الحديث عن الانتخابات، اعتقدَ ‘والت’ أنه سيتم إعادة انتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأغلبية ساحقة، وهذا سيعزز المواقف السياسية التي اتخذها في الداخل والخارج، ويعكس الطابع الناشئ لعالم متعدد الأقطاب، إذ تتبنى الهند موقفاً أكثر استقلالية بعدة طرق، بمعنى أنها تريد أن تكون قريبة من الولايات المتحدة، من أجل تحقيق التوازن مع الصين، وفي نفس الوقت تبقى على علاقة وثيقة مع روسيا لأن ذلك يمنحها طاقة رخيصة ويساعد الاقتصاد الهندي. وعلى الولايات المتحدة أن تعتاد على أن السياسة تعمل هكذا عندما يكون هناك عدد من القوى المتنافسة المختلفة.

                                                             *           *           *

باعتباره أمريكيا، فإن أكثر ما يقلق ‘والت’ هي نتيجة الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، ورغم أن قدرة وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي على التأثير في هذه العملية لا تزال محدودة جداً، إلا أنه يشعر بالقلق إزاء درجة الاستقطاب في الولايات المتحدة التي تجعل من المستحيل على الولايات الاتفاق على نفس النتيجة. مضيفاً: يحصل الأشخاص الآن على معلوماتهم من المصادر التي تتفق مع توجهاتهم فقط، دون مجال لسماع وجهات نظر بديلة.

                                                             *           *           *

أراد المحاور التعمق بشأن المخاطر التي سيواجهها العالم إذا كان لدينا بايدن أو ترامب، لفترة رئاسية ثانية، هنا قال ‘والت’: إذا أعيد انتخاب بايدن مرة أخرى، لن ترى الولايات المتحدة تغييرات جذرية، بمعنى أن واشنطن ستبدأ في التحرك بشكل مباشر لمحاولة التفاوض على تسوية للحرب في أوكرانيا، فلن يرغبوا في الاعتراف بأن أوكرانيا لا يمكنها الفوز قبل الانتخابات، ولكن بعد ذلك، سيكونون مهتمين بإبرام صفقة. أما إذا تم انتخاب ترامب، فإن الحركة الرامية إلى إبعاد واشنطن عن أوكرانيا وإجبارها على إبرام أي صفقة ممكنة ستكون فورية تقريباً.

بالنسبة لآسيا، ستكون سياسات كليهما متماثلة. بلغة أخرى، كان ترامب قلقاً للغاية بشأن الصين، واستمرت إدارة بايدن في بعض سياسات ترامب تجاه بكين. كان بايدن فعالاً للغاية في محاولة تنظيم التحالفات في آسيا ولن يفكك ترامب تلك التحالفات. باختصار، التزامات أمريكا الرئيسية تجاه الصين سوف يتم الحفاظ عليها.

أخيراً، شعر ‘والت’ بالقلق الشديد حيال أوروبا. فترامب ليس لديه إيمان في الاتحاد الأوروبي، ويعتقد أن الناتو قد يكون عفا عليه الزمن أيضاً. لذا لا بد من التحوط كثيراً ضد احتمال وصول ترامب إلى الرئاسة.

قدم ‘والت’ توصيات للدول الأخرى، إذا تم انتخاب ترامب، إذ دعاها إلى توحيد قواها لمحاولة معارضة أو تقييد ما تفعله الولايات المتحدة. لأنه إن كانت الولايات المتحدة قوية جداً، إلا إنها ليست صاحبة السيادة. باختصار، على كل دولة التعاون مع بقية العالم سواء في الاقتصاد أو المجالات الأخرى.

ذكر ‘والت’ أن هناك بعض التخوفات داخل نظام الحكم الأمريكي نفسه، والذي يضع في الواقع قيوداً حقيقية على ما كان ترامب قادراً على فعله في فترة ولايته الأولى. ما يقلق ‘والت’ هو أن بعض ذلك سيكون مستحيلاً في الولاية الثانية، لأن ترامب وفريقه تعلموا من تجربة الولاية الأولى وسيحاولون السيطرة بشكل أكبر على البيروقراطية.

                                                             *           *           *

اختتم ‘أجراوال’ حواره مع ‘والت’ موجها إليه سؤالا عن مسار العلاقات الأمريكية الصينية فى عام 2024، ورأى والت أن الولايات المتحدة والصين لديهما مصلحة حقيقية في عدم تدهور علاقتهما بشكل كبير. ففي الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة بالتعامل مع أوكرانيا وحرب غزة، سيكون آخر همها هو ظهور أزمة في آسيا. أما الصين، فاقتصادها ليس على ما يرام، كما أدت التوترات التي شهدتها مع الدول الأخرى إلى تعقيد علاقاتها. الخلاصة، لدى كلا الجانبين حافز لإبقاء هذه المنافسة صامتة إلى حد ما خلال العام الجديد.

………………

النص الأصلي

ـــــــــــــــــــــــ

* كاتبة ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.