ينعقد، الأسبوع المقبل، فى اليابان اجتماع لوزراء تجارة دول مجموعة السبع، بهدف تحسين سلاسل التوريد العالمية، لكن بلا شك ستكون مواجهة سياسة «الإكراه الاقتصادي» الصينية مطروحة على جدول الأعمال. تهدف سياسة الصين إلى التأثير سلباً على العلاقات التجارية بين دول مجموعة السبع. في ضوء ذلك، نشر موقع (بروجيكت سنديكت Project Syndicate) مقالا للكاتبة (ليلي يان إنج LILI YAN ING) «الأمينة العامة للرابطة الاقتصادية الدولية، والمستشارة الرئيسية لمنطقة جنوب شرق آسيا في معهد البحوث الاقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا وشرق آسيا»، حول التداعيات السلبية لمواجهة سياسة الصين الاقتصادية، ليس فقط على اقتصادات مجموعة السبع، لكن أيضاً على التجارة العالمية… نعرض المقال كما يلي:
استضافت اليابان في الفترة من 28 إلى 29 تشرين الأول/ أكتوبر اجتماع وزراء تجارة مجموعة السبع في أوساكا وسيكون التركيز الأساسي لهذا الاجتماع هو تحسين مرونة وصلابة سلاسل التوريد وتعزيز ضوابط التصدير على المعادن والتقنيات الحيوية، ولكن “الإكراه الاقتصادي” الذي تمارسه الصين، وخاصة الاضطراب واسع النطاق الناجم عن سياساتها الصناعية غير الشفافة والمشوهة للسوق من المتوقع أيضاً أن يكون من أولويات جدول الأعمال.
منذ أن انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، تم اتهامها مرات عديدة بتقديم إعانات دعم صناعية غير عادلة، مما أدى إلى العديد من المنازعات في منظمة التجارة العالمية، ففي عام 2006، على سبيل المثال، اشتكى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا من أن الصين تقدم إعانات دعم التصدير لصناعات السيارات وأجزاء السيارات لديها، وذلك بشكل أساسي من خلال برامج “قاعدة التصدير” الخاصة بها علمًا أن منظمة التجارة العالمية لديها حظر صارم على إعانات دعم الصادرات بسبب آثارها الكبيرة التي تشوه التجارة.
علاوة على ذلك وفي عام 2010، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أن الصين تقدّم إعانات الدعم لشركاتها المصنعة لمعدات طاقة الرياح وذلك من خلال تقديم المنح للشركات التي تستخدم مكونات صينية الصنع، وفي عام 2017، تحول التركيز إلى إعانات الدعم الصينية المزعومة لكبار منتجي الألومنيوم، وبعد مرور عام، استجابت منظمة التجارة العالمية لشكوى الحكومة الفيدرالية بأن الصين كانت تفرض رسوم استيراد ورسوم مكافحة الإغراق على منتجات الدجاج اللاحم القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، انخفضت التجارة الثنائية بين الصين وكوريا الجنوبية بشكل كبير وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية وفي أعقاب القرار الذي اتخذته الصين باستبعاد شركات تصنيع السيارات الكهربائية التي تستخدم حزم البطاريات الكورية الجنوبية من برنامج إعانات الدعم الخاص بها، كما توترت العلاقات التجارية بين الصين وأستراليا بعد أن ردت الصين على دعوة رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك سكوت موريسون بإجراء تحقيق دولي مستقل في أصول جائحة كوفيد-19 وذلك من خلال فرض رسوم جمركية على البضائع الأسترالية مثل الشعير والنبيذ واللحوم الحمراء والأخشاب والكركند.
لقد تعهد زعماء مجموعة السبع في وقت سابق من هذا العام بمكافحة كافة أشكال الإكراه الاقتصادي، ولكن هذه الجهود قد تؤدي لعواقب بعيدة المدى وذلك كون الصين تمثل 19.4%، و7.5%، و6.8%، و6.5% من الصادرات التي تأتي من اليابان والولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة على التوالي مما يعني أنه إذا نفّذت المجموعة تدابير مناهضة للإكراه الاقتصادي تستهدف الصين، فقد ينتقم الرئيس الصيني شي جين بينج.
ولكن بغض النظر عن العواقب المحتملة على اقتصادات مجموعة السبع، فإن حملة مكافحة الإكراه الاقتصادي التي تشنها المجموعة قد تؤثر سلباً على التجارة العالمية، فبادئ ذي بدء، إن الغموض الذي يكتنف مصطلح “الإكراه الاقتصادي” قد يعطي الفرصة ليس فقط لمجموعة السبع بل وأيضاً للحكومات في مختلف أنحاء العالم لاستخدامه كذريعة لاتخاذ تدابير الحماية مما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والأسعار بشكل عام.
يُعرِّف الاتحاد الأوروبي الإكراه الاقتصادي بأنه محاولة من قبل دولة غير عضو بالاتحاد للضغط على واحد أو أكثر من أعضائها لاتخاذ إجراء محدد وذلك من خلال عمل أو التهديد بعمل تدابير تؤثر على العلاقات التجارية أو الاستثمارية بين تلك الدول، ولكن في حين أن بعض التكتيكات والأدوات تنطوي على الاكراه بشكل واضح، فلا يوجد تفسير واضح لما يشكل عملاً “ضد” دولة أخرى، ونظراً لهذا الغموض، فإن هذا المصطلح يمكن أن ينطبق على السياسات التي تتبناها العديد من البلدان.
علاوة على ذلك وفي حين أكدت مجموعة السبع مراراً وتكراراً على وجهة نظرها بأن ضوابط التصدير هي “أداة أساسية تتعلق بالسياسات” لمنع استخدام التقنيات الحيوية للأغراض العسكرية، فإن مثل هذه التدابير يمكن أن تشوه تخصيص الموارد على المدى الطويل والتجارة العالمية وتقوض القدرة التنافسية وتعيق النمو الاقتصادي في كل من الدول المصدرة والمستوردة على حد سواء.
وعلى سبيل المثال وفي دراسة أجريت عام 1981 أثبت الاقتصادي “جين إم. جروسمان” من جامعة برينستون أن متطلبات المحتوى المحلي تؤدي غالبًا إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع أسعار السلع النهائية علمًا أن تأثيراتها على السلع الوسيطة المحلية لا تزال غير واضحة وتعتمد إلى حد كبير على عوامل السوق والإنتاج المحددة، وفي بحث نشر عام 1992، حدد جروسمان والهنان هيلبمان إطاراً للحماية التجارية وبموجبه تنحرف الصناعات التي تتمتع بارتفاع الطلب على الواردات أو مرونة التصدير- العرض بشكل أقل عن ممارسات التجارة الحرة، وفي عام 2012 وجد “ويل مارتن” و”كيم أندرسون” أن التحولات في السياسات التجارية، وخاصة القيود المفروضة على التصدير قد لعبت دوراً رئيسيًا في ارتفاع أسعار المحاصيل الأساسية العالمية خلال طفرات السلع الأساسية في 1973-1974 و2006-2008.
ومن خلال تبني الدول الأعضاء في مجموعة السبع تدابير مناهضة للإكراه الاقتصادي، فإن هذا قد يشجع بغير قصد الدول الأخرى على إقامة حواجز تجارية خاصة بها، وفي عام 2022 فقط أدخلت الحكومات في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 3000 إجراء حمائي يؤثر على الاستثمار والتجارة في السلع والخدمات. إن من الممكن أن تؤدي هذه الإجراءات، سواء اتخذتها بلدان منفردة أو مجموعات أكبر إلى تفاقم حالة عدم اليقين وتعطيل التجارة العالمية.
إن هذا التشرذم المتزايد له بالفعل تأثير سلبي وفي حين وصلت قيمة التجارة العالمية إلى 49.5 تريليون دولار في عام 2022، خفّضت منظمة التجارة العالمية مؤخرًا توقعاتها لنمو التجارة لعام 2023 من 1.7% إلى 0.8% وذلك نظرًا الى الاضطرابات التجارية وتباطؤ التصنيع.
يتعين على مجموعة السبع أن تأخذ زمام المبادرة في تهدئة التوترات، ومن خلال ضمان عمل منظمة التجارة العالمية بشكل فعال وتجنب التدابير العقابية التي تشكل تهديداً للاستقرار الاقتصادي، تستطيع المجموعة توجيه التجارة العالمية في الاتجاه الصحيح.
……………….
ــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الشروق