الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

استراتيجية جديدة للهند فى الشرق الأوسط

ياسمين عبداللطيف زرد *

نشرت مجلة فورين بوليسي مقالاً حول سياسة الهند الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ تحاول نيودلهي إحداث توازن دبلوماسي بين ما يُعرف باسم الشرق الأوسط «الجديد» وبين دعمها «التقليدي» للشرق الأوسط «القديم». سياستها تجاه الشرق الأوسط «القديم» ستكون من خلال التحول بعيداً عن فكرة عدم الانحياز خاصة بعد هجوم حماس، أما «الجديد» فبالارتباط بشكل متزايد بالنظام الأمني للولايات المتحدة مثل (الحوار الأمني الرباعي، والممر الاقتصادي الجديد) … نعرض من المقال ما يلي:

بداية، عُرفت سياسة الهند على مدى العقد الماضي في الشرق الأوسط، تحت حكم رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، بأنها ناجحة ومحيرة. إذ يتمتع حزب مودى الحاكم- بهاراتيا جاناتا- بنزعة قومية هندوسية يمينية، وفي نفس الوقت تتواصل الهند مع منطقة الخليج العربي، ومع العالم العربي عامة، مما يجعلها تنتهج سياسة ناجحة بشكل واضح.

لكن أدت الحرب بين إسرائيل وحماس منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى تسليط الضوء على التوازن الدبلوماسي للهند بين الشرق الأوسط «الجديد» وبين دعمها التقليدي للشرق الأوسط «القديم». ستتحدد دبلوماسيتها تجاه الشرق الأوسط «الجديد» من خلال قرب نيودلهي بشكل متزايد من النظام الأمني للولايات المتحدة، أما الدبلوماسية تجاه «القديم» فمن خلال تحول واضح بعيداً عن فكرة عدم الانحياز. نبرز هذا التوازن بشكل أوضح في السطور التالية.

  • ●●

بالنسبة للشرق الأوسط «القديم»، كانت الهند داعماً ثابتاً للقضية الفلسطينية منذ استقلالها، حيث تعاملت مع الأزمة من خلال الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني باعتباره يناضل ضد الاستعمار. وفي عام 1975، أصبحت الهند أول دولة غير عربية تمنح الوضع الدبلوماسي الكامل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان يزور رئيسها آنذاك- ياسر عرفات- نيودلهي بانتظام.

لكن بعد عقود من الميل نحو العالم العربي، وتحديداً في عام 1992، قررت نيودلهي إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، غير أن تل أبيب كانت تبني بهدوء أساساً قوياً لهذا الاحتمال على مدى العقود السابقة، حيث زودت الهند بالمساعدات العسكرية في حربين حاسمتين خاضتهما ضد باكستان في عام 1971، قبل التطبيع، ثم مرة أخرى في عام 1999، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة.

أجبر هذا التطبيع الهند على إجراء عملية توازن بين أقطاب القوة الثلاثة في المنطقة: العالم العربي، وإسرائيل، وإيران. وتظل هذه البلدان الثلاثة مهمة بالنسبة للمصالح الهندية. إذ تحتفظ بعلاقات اقتصادية مع العالم العربي في شكل تحويلات مالية من رعاياها هناك، ومع إسرائيل بعلاقات في مجال التكنولوجيا والدفاع؛ أما إيران فيساعد موقعها الاستراتيجي على تعزيز المصالح الهندية في كلٍ من آسيا الوسطى وأفغانستان. ومع النمو السريع الذي يشهده اقتصاد الهند، والذي يضع نصب عينيه أن يصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030، فإن رغبتها في النفوذ تنمو كذلك. والشرق الأوسط يمثل المكان الذي يخضع فيه قدر كبير من هذا النفوذ للاختبار.

لكن تورطت نيودلهي في الانقسامات الإقليمية في الشرق الأوسط. ففي عامي 2012 و2021، تم استهداف الدبلوماسيين الإسرائيليين في تفجيرات في العاصمة الهندية، وفي كلا العامين، ألمحت الهند إلى تورط إيراني واضطرت إلى إدارة الوضع بدقة خلف أبواب مغلقة، مما أدى فعلياً إلى إخبار إيران وإسرائيل بعدم السماح لصراعهما بالانتشار على الأراضي الهندية. أما في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فأعلنت الدوحة حكماً بالإعدام على ثمانية مسؤولين سابقين فى البحرية الهندية كانوا يعملون لدى شركة خاصة تشارك في تحديث الدفاع في قطر. ووجهت إليهم، بحسب التقارير، تهمة التجسس لصالح إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، استجابت نيودلهي بشكل قانوني، واستأنفت حكم المحكمة القطرية بينما يواصل البلدان الحفاظ على سرية الحكم القضائي.

وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أدان مودي عملية حماس ووصفها بأنها «أعمال إرهابية» وذلك قبل أن يستضيف جناح الشباب في الجماعة الإسلامية بولاية “كيرالا” الهندية في الجنوب زعيم حماس، خالد مشعل، في مقابلة افتراضية. تعكس هذه المقابلة استمرار وجود مجموعة واسعة تتبنى وجهات النظر الداعمة لفلسطين.

منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، تحدث مودي مع ستة زعماء إقليميين لتوضيح موقف الهند، منهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وقد حاولت حكومة مودي السير على خط رفيع بين أهداف إسرائيل للقضاء على حماس، والأزمة الإنسانية الفلسطينية. إذ تعد مكافحة الإرهاب أداة مهمة لدبلوماسية مودي الدولية، وذلك نتيجة لجهود الهند عزل جارتها باكستان دولياً بسبب رعايتها لأعمال عدائية.

  • ●●

بالنسبة للشرق الأوسط «الجديد»، فقد أدت آليات مثل الحوار الأمني الرباعي Quad، الذى يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، إلى التقريب بين واشنطن ونيودلهي أكثر من أي وقت مضى، حيث يتطلع كل منهما إلى العمل معاً لمواجهة الصين. ولم يكن قبول الهند للولايات المتحدة متعلقاً بالمسرح الآسيوي فحسب، بل وأيضاً بالشرق الأوسط، مع تبلور تدابير مثل الاتفاق المصغر I2U2 بين الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEEC). وبعيداً عن الاتفاق المصغر I2U2، يعد الإعلان عن الممر الاقتصادي الجديد أحدث علامة على توافق نيودلهي مع الأهداف الجيواقتصادية الأمريكية. وتتلخص الفكرة، التي تعارض مبادرة الحزام والطريق الصينية، في ربط الشرق الأوسط بأوروبا والهند من خلال ممر تجاري يمكن أن ينافس مركزية قناة السويس.

لكن دولاً مثل السعودية والإمارات، وهي دول مركزية في الممر الاقتصادي الجديد، هي أيضاً أعضاء في مبادرة الحزام والطريق ولديها مصلحة في تطوير شراكات وثيقة مع بكين. وقد وصفت وسائل الدعاية التابعة للحزب الشيوعي الصيني بالفعل الممر بأنه مجرد «قلعة في الهواء». وقام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند على حد سواء بتسويق الممر باعتباره الطريق السريع التالي بين القارات للاتصال الرقمي والاقتصادي. على كل حال، لا يوجد مخطط معروض حالياً حول كيفية عمله.

باختصار، تعمل هذه الطرق الاقتصادية السريعة، والأطراف المصغرة، والجغرافيا السياسية على تحويل السياسة الخارجية الهندية من سياسة كانت دائماً تتجنب المخاطرة إلى سياسة أكثر استعدادا للمغامرة. واليوم، أصبحت الهند أقرب إلى الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى في تاريخها المستقل.

ومع ذلك، في الوقت نفسه، تخلت نيودلهي عن الوصول للتوافق مع المتطلبات الأمريكية بشأن البرنامج النووي الإيراني، فجميع واردات النفط تقريباً للهند من إيران وتقدم صفقات جيدة لها. لذا يُعد انسحاب إدارة ترامب من الصفقة تغذية لتيار خفي قوي في الدوائر السياسية الهندية أصبح لا يثق في واشنطن.

  • ●●

كلمة أخيرة، كان أحد أطول نجاحات الهند في الشرق الأوسط هو تبنيها سياسة عدم الانحياز. إلا أن نظرتها نحو الشرق الأوسط تتطلع إلى ما هو أبعد من المركزية التقليدية (التركيز على الطاقة والهجرة). اليوم، تريد أن تكون شريكاً في خطط النمو في المنطقة في مرحلة ما بعد النفط. إن الدبلوماسيين الهنود في المنطقة، الذين كانوا في السابق مهتمين بإدارة المصالح التقليدية كالهجرة والطاقة، أصبحوا الآن مكلفين بتأمين الاستثمارات الأجنبية المباشرة من صناديق الثروة السيادية العربية الكبيرة. وكانت حكومة مودي مقبولة للملوك العرب بسبب عدم اضطرارهم إلى الدخول في متاهة من السياسات الائتلافية في الهند بحثاً عن اتخاذ قرار سريع. بالإضافة لذلك، اقتنعت الهند بالبنى الأمنية المستقبلية من خلال عضويتها في I2U2 وممر اقتصادي في الشرق الأوسط، وهذا موقف جريء وجدير بالثناء لاقتصاد سيتطلب مدخلات عالمية كبيرة لتحقيق أهدافه الاقتصادية المستقبلية الصعبة. وهنا، على الشرق الأوسط أن يستوعب أن تكون الهند سوقاً رئيسية للطاقة لتنويع صادراتها وتعويض النفوذ الصيني على السلع الأساسية مثل النفط والغاز.

……………….

 النص الأصلي

ــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.