الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الموساد.. وتنفيذ قرار نتنياهو باستهداف قادة حماس

ياسمين عبداللطيف زرد *   

نشر موقع «Engelsberg Ideas» مقالاً للكاتب (“أهرون بريجمان” “AHRON BREGMAN“)، حول قرار بنيامين نتنياهو استهداف قادة حماس أينما كانوا- داخل غزة أو خارجها- وذلك بعد عملية طوفان الأقصى. رأى كاتب المقال أن عملية الموساد ستُشبه إلى حد كبير عملية «غضب الله»، التي أطلقتها جولدا مائير عام 1972 رداً على «مذبحة ميونيخ» التي قُتل بها إحدى عشرة رهينة إسرائيلية على أيدى فلسطينيين. تم استهداف المتورطين في المذبحة على مدار سنوات!… نعرض من المقال ما يلي:

بدايةً، عندما وُلدت (دولة) إسرائيل في أيار/ مايو 1948، ومن أجل حمايتها خارجيًا وداخليًا، ظهر “جيش الدفاع الإسرائيلي IDF”، إلى جانب ثلاث وكالات استخباراتية: أمان (المسؤولة عن الاستخبارات العسكرية)؛ الشاباك (المكلف بالأمن الداخلي)، والموساد (وكالة الاستخبارات الوطنية الإسرائيلية المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخباراتية والتحليل والعمليات السرية وخاصة الاغتيالات) ترفع تقاريرها مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. تشير التقديرات إلى أن حوالى 7 آلاف فرد يخدمون، بشكل مباشر وغير مباشر، في الموساد، مما يجعله أحد أكبر أجهزة الاستخبارات في العالم.

فى الحرب الحالية فى غزة، من المتوقع أن يلعب الموساد دورًا حاسمًا، خاصة في ضوء إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي، أنه أمر الموساد باستهداف رؤساء حماس أينما كانوا. «أينما كانوا» هي إشارة إلى قادة حماس الذين يقيمون ويعملون خارج قطاع غزة، وخاصة في قطر ولبنان وتركيا. وقد عزز وزير الدفاع، يوآف جالانت، كلمات نتنياهو من خلال تصريحه أن جميع قادة حماس «موتى يسيرون.. إنهم يعيشون في الوقت الضائع».

من المؤكد أنه تم استشارة قادة حماس في قطر وأماكن أخرى قبل الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وبناءً عليه، إسرائيل ترى أنهم جزء من آلة حماس، وبالتالي تعتبرهم أهدافًا مشروعة. والهيئة التي ستُحول كلمات نتنياهو إلى خطة عمل هي الموساد.

  • ●●

يتعامل الموساد مع عملاء سريين في دول عربية وغيرها. ولعل من أشهر الشخصيات، هو إيلي كوهين. اليهودي المصري، الذي ترقى إلى أعلى المراتب في الحكومة السورية من خلال التظاهر بأنه رجل أعمال سوري، وقام ببث معلومات استخباراتية مهمة لإسرائيل قبل أن تكشفه المخابرات السورية ويتم شنقه علنا في ساحة الشهداء بوسط دمشق في 18 أيار/ مايو 1965.

صحيح أن جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها من المهام الرئيسية للموساد، وهو أمر بالغ الأهمية لبقاء إسرائيل، إلا أن عمليات السرية، ولا سيما الاغتيالات، هي التي أكسبته سمعته كمنظمة قاسية وفعالة في خدمة أمن إسرائيل. ومن بين العمليات السرية العديدة التي قام بها الموساد، كانت عملية «غضب الله» وهي الأكثر شهرة حتى الآن.

قبيل فجر يوم 5 أيلول/ سبتمبر 1972، اقتحم ثمانية فلسطينيين القرية الأوليمبية في ميونيخ، كانت في ألمانيا الغربية، واحتجزوا رياضيين إسرائيليين كرهائن، مطالبين إسرائيل بإطلاق سراح السجناء المحتجزين في سجونها. وخلال عملية تحرير الرهائن قُتل إحدى عشرة رهينة. أصبح هذا الحدث يعرف باسم «مذبحة ميونيخ». وفي وقت لاحق، قامت لجنة سرية (اللجنة X)، برئاسة رئيسة الوزراء الإسرائيلية، جولدا مائير، وتضم وزير الدفاع موشيه ديان وآخرين، بتفويض رئيس الموساد، تسفي زمير، لاغتيال الفلسطينيين الذين كانوا، بشكل مباشر أو غير مباشر، متورطين في المذبحة. كانت فرقة الاغتيال، التي كلفت بتنفيذ عملية «غضب الله»، مكونة من مقاتلي الموساد.

فى تشرين الأول/ أكتوبر 1972، قتلوا وائل زعيتر، عضو منظمة التحرير الفلسطينية وابن عم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بإطلاق النار عليه في بهو المبنى السكني الذي يقيم فيه بروما.

وفي كانون الأول/ ديسمبر من نفس العام، استهدفوا محمود الهمشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس. قام أحد أعضاء الموساد، الذي تظاهر بأنه صحفي إيطالي، بتحديد موعد لإجراء مقابلة هاتفية مع الهمشري قبل أن يقتحم خبراء المتفجرات التابعين للموساد منزله ويضعوا قنبلة في هاتفه. وفي الوقت المحدد للمقابلة، تم الاتصال بالهمشري هاتفياً، وبعد أن عرّف عن نفسه، تم تفعيل القنبلة المثبتة في هاتفه عن بعد؛ وقتل على الفور. كما تم اغتيال سبعة فلسطينيين آخرين مشتبه بهم خلال الأشهر القليلة التالية، ثلاثة منهم في غارة للموساد والجيش الإسرائيلي في قلب بيروت.

أما في عام 1973، اعتقدت فرقة الموساد أنها تعرفت على العقل المدبر لمذبحة ميونيخ، على حسن سلامة (الملقب بالأمير الأحمر)، في ليلهامر بالنرويج، وأطلقت النار خطأ على نادل مغربي، أحمد بوشيكي، الذي لا علاقة له بمذبحة ميونيخ. وأدى تحقيق نرويجي إلى اعتقال وإدانة خمسة من عملاء الموساد، فضلاً عن كشف شبكة واسعة من عملاء الموساد في أوروبا. أدت هذه الكارثة إلى تعليق عملية «غضب الله» مؤقتاً، لكن أعيد تفعيلها في عام 1979، عندما تعقبت فرقة الموساد ‘سلامة’ ثم اغتالته في بيروت بسيارة مفخخة وضعت على طول الطريق الذي يتردد عليه. وآخر اغتيال معروف لفلسطيني مرتبط بمذبحة ميونيخ وقع في عام 1992.

  • ●●

في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه نتنياهو أنه أمر الموساد بقتل قادة حماس الذين يعيشون خارج قطاع غزة، أشار على وجه التحديد إلى إسماعيل هنية وخالد مشعل، عضوي المكتب السياسي لحماس، وكلاهما يقيم في الدوحة، قطر. لكن يُعد مشعل هو الحالة الأكثر إثارة للاهتمام.

في عام 1997، كان مشعل رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس في الأردن وشخصية غير معروفة تقريبًا، لكن المخابرات الإسرائيلية اشتبهت في أنه كان له دور فعال في توجيه أنشطة حماس في قطاع غزة والضفة الغربية. وبعد ذلك، أصدر نتنياهو تعليماته للموساد باغتياله، وأوكلت المهمة إلى حاييم هاكيني، الذي اختار تنفيذ مهمته بشكل صامت، أي بدلاً من استخدام الأسلحة أو المتفجرات لقتل مشعل، سيستخدم «ألموج»، وهو الاسم الرمزي الذى يطلق على مادة قاتلة مُميتة لدرجة أن بضع قطرات منها تلامس جلد الهدف ستؤدي لمقتله في غضون أيام قليلة.

في 25 أيلول/ سبتمبر 1997، كان اثنان من قتلة الموساد ينتظران وصول مشعل إلى مكتبه في عمان، وعندما حضر، اقتربا منه من الخلف وحاولا رشه بالسم القاتل. لقد نجحا جزئيًا، لكن مشعل تمكن من الهروب من مهاجميه وتم القبض على الاثنين من قبل الشرطة الأردنية التي كانت بالصدفة في مكان قريب. كان الملك الحسين غاضباً، وطالب نتنياهو بتقديم تفاصيل عن السم المستخدم ضد مشعل وتسليم الترياق لإنقاذ حياته، وهو ما وافق عليه نتنياهو، الذي خشي أن تؤدى الأزمة إلى مزيد من التدهور في العلاقات مع الأردن. كما أصر الملك على أن تقوم إسرائيل بإطلاق سراح عدد من السجناء الفلسطينيين، ومن بينهم الزعيم المؤسس لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين.

ولم يكن أمام نتنياهو خيار سوى الموافقة، وبعد 12 يوماً من محاولة قتل مشعل، طارت مروحيتان من إسرائيل إلى الأردن والعكس؛ إحداهما بها عميلا الموساد المفرج عنهما، وفى الأخرى الشيخ ياسين و20 من أسرى حماس المحررين. وكان لقضية مشعل تأثير مباشر، خاصة، على قطاع غزة، حيث أصبح الشيخ ياسين، الذي عاد إلى غزة، نقطة محورية في حملة حماس ضد إسرائيل حتى اغتياله في هجوم بطائرة هليكوبتر إسرائيلية في 22 آذار/ مارس 2004. أما مشعل وبعد أن نجا من محاولة اغتياله، بفضل الترياق الذي قدمه الجانب الإسرائيلي، عاد إلى مهامه كعنصر مهم في حماس. والآن، وبعد تعهد نتنياهو بقتله، أصبح مشعل على قائمة اغتيالات الموساد.

  • ●●

عندما تبدأ تعليمات نتنياهو باغتيال نشطاء حماس في جميع أنحاء العالم، فمن المرجح أن تشبه حملة الموساد عملية «غضب الله»، من حيث أنها ستكون عملية مستمرة قد تمتد لأشهر، بل لسنوات.

قطر، حيث يوجد بها العديد من الأهداف المحتملة للموساد، هي الوسيط الرئيسي الآن بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والمحتجزين هناك. ولذلك، فمن غير المرجح، في الوقت الحاضر، أن يعمل الموساد على الأراضي القطرية ضد قادة حماس، خشية أن تدير قطر ظهرها لإسرائيل، في وقت تحتاجها تل أبيب بشدة للمساعدة في تحرير بقية الرهائن. فهل يتخذ قادة حماس بالخارج الاحتياطات اللازمة لحماية أنفسهم؟!

……………….

النص الأصلي

ــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.