الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“ندوة”.. خيارات القضية الفلسطينية بعد “طوفان غزة”

خاص «الحرية أولاً»:

نظم موقع «الحرية أولاً» ندوة حوارية-مساء السبت 2 كانون الأول/ ديسمبر2023، حول (خيارات القضية الفلسطينية بعد “طوفان غزة”)، وما جرى في فلسطين المحتلة قبل الهدنة المحدودة واشتعال المذبحة ولهيب العدوان الصهيوني بأشد مما كان قبل تلكم الهدنة، وما تداعيات هذه الحرب الإسرائيلية- الغربية على الفلسطينيين في الداخل وعلى القضايا العربية عموماً، كل ذلك من خلال محورين رئيسيين تحدث فيهما كل من الأستاذين “تيسير الخطيب” و“رائد جبر” القياديين في تجمع مصير، على التوالي:

الأول: مقترحات مبادرة التجمع الفلسطيني السوري الحر ( مصير ) لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، تكلم حول هذا العنوان الأستاذ تيسير الخطيب.

الثاني: تداعيات طوفان الاقصى على المشهد العربي والإقليمي والدولي تحدث حول هذا العنوان الأستاذ رائد جبر.

وحضرها لفيف من المثقفين والمهتمين بالشأن الفلسطيني والسوري والعربي عموماً.

والأستاذ “تيسير الخطيب”: فلسطيني- سوري من مواليد مخيم العائدين بحماة، مهندس مدني وناشط سياسي في إطار الثورة السورية وأحد كوادر الثورة الفلسطينية وحركة فتح، معتقل عدة مرات من مخابرات النظام السوري.

والأستاذ  “رائد جبر”: فلسطيني- سوري أيضاً من مواليد مخيم اليرموك بدمشق، يحمل شهادة في الصحافة، فضلاً عن الاهتمام بالقانون، وعمله ارتبط بالصحافة والعمل البحثي، قضى الفترة الأطول من حياته المهنية في روسيا، لذلك يمكن القول أنه راكم خبرة واسعة في الشأن الروسي وشؤون بلدان ورابطة الدول المستقلة، والملفات المتعلقة بسياسات روسيا حيال المنطقة العربية والعالم عموما.

أولاً؛ تحدث في البداية الأستاذ “تيسير الخطيب” حول مبادرة التجمع الفلسطيني السوري الحر (مصير) وموجبات هذه المبادرة قائلاً: “.. حديثنا سيدور الآن حول المبادرة التي قدمها تجمع مصير بتاريخ 15/11/2023 إذ أنه لا شك لهذه المبادرة المهمة التي استدعت منا- في التجمع- قراءة هذا الواقع الفلسطيني بعد العدوان الصهيوني الهمجي والإبادة الجماعية التي يشنها بحق شعبنا، لا شك أن لهذه المبادرة صلة عميقة بالواقع الفلسطيني، وكما عرف الواقع الفلسطيني عانى من انقسام فلسطيني بعد اجتياح 1982، حول مسارات التسوية أو رفض تلك المسارات، إذ وصل المسار الذي يريد التسوية عام 1993 إلى اتفاق أوسلو، علماً أن هذا الاتفاق قد عُقد من خلف ظهر الشعب الفلسطيني كما تعرفون، بعد إلغاء مهمة الوفد الفلسطيني الرسمي المفاوض بقيادة الدكتور حيدر عبدالشافي، لا شك أن هذا الاتفاق قد ترك آثار عظيمة على الوضع الفلسطيني من حيث شدة تأثيراته على البنية الداخلية الفلسطينية، وسرعان ما أقدم العدو الصهيوني بعد توقيع هذا الاتفاق على قتل من وقع الاتفاق من جانبه، وهو رئيس وزرائه “إسحق رابين”، قيل على يد متطرف، ولكن هذا الكيان كله بدأ يتجه لاتجاهات أكثر يمينية وأكثر تطرفاً، ووضع عنواناً لسياساته- لم يكن ليعلن عنه بسهولة- وهو العمل على منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة” وأضاف: “.. سرعان ما أعلن القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 2000 بعد مقتل رابين، أن هذا الكيان لا يريدُ سلاماً مع الفلسطينيين، فانحاز عرفات وبشكل قاطع إلى انتفاضة شعبه، وكانت انتفاضة هامة في سياق النضال الوطني الفلسطيني، وحينها تم تأسيس قوى مسلحة هي كتائب شهداء الأقصى والتي اتهم عرفات بالوقوف خلفها، سرعان ما قام العدو الصهيوني باستهداف ياسر عرفات بتسميمه وقتله عملياً واستشهدَ في مثل هذه الأيام في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2004، وفي عام 2005 عملياً تم انتخاب الرئيس أبو مازن، محمود عباس، وهو من وقع اتفاق أوسلو وهو من صاغه، ولم ينحو منحى الراحل ياسر عرفات باستمرار نهج المقاومة، لكنه فضلَ الالتزام باتفاق أوسلو، وحقيقةً أن هذا الاتفاق هو الذي جعل من الوجود الفلسطيني على أرضه أمراً مستحيلاً بحيث يخلق الظروف والمكونات الأمنية والسياسية والاقتصادية، مما جعل الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية جزر متباعدة وكنتونات لا تقوى على التواصل الاجتماعي أو الأمني أو الاقتصادي ولا من أي نوع، وفي الحقيقة كانت هذه هي السياسة الصهيونية التي نفذت؛ ثم جرت انتخابات تشريعية فازت من خلالها حركة حماس بتلك الانتخابات، وقيض لها أن تشكل الحكومة الفلسطينية، ولكن هذا الأمر لم يتم بسلام، وسرعان ما بدأت تشتعل التناقضات الفلسطينية الداخلية مرة أخرى وحصل اشتباك كبير بين جناحي السلطة في غزة أفضى لانتصار جناح حركة حماس على جناح سلطة محمود عباس، ومنذ ذلك التاريخ يعاني الوضع الفلسطيني، ليس فقط انفصالاً تنظيمياً وسياسياً وإنما من انقسامٍ جغرافيٍ أفضى لتفكيك وحدة الوطن الفلسطيني الوليد، هذا الواقع هو الذي سيجعل العدو الصهيوني حريصاً تماماً على بقاءه واستمراره، بالاهتمام على تأمين ورعاية جميع مكونات وأسباب هذا الانفصال، وإفشال جميع محاولات الحوار للوصول إلى حلول بين تلك الأطراف، أي بين سلطة عباس من جهة وسلطة حماس من جهة أخرى، وقد وُضع قطاع غزة بعد انسحاب العدو الصهيوني من المستوطنات ومن داخل القطاع وتموضعَ حول القطاع ليجعل القطاع تحت حصار مشدد، هذه الحصار الجائر الذي كان يستهدف استنزاف قدرات شعبنا ومنعه من امتلاك ناصية تقرير مصيره بنفسه، وبالتالي التحكم بالمسار السياسي داخل القطاع، كذلك هذا ترافق مع سياسة عدوانية واضحة بالضفة الغربية من هجوم استيطاني واسع (بدأ بـ 27 ألف مستوطن ووصل الآن لـ800 ألف مستوطن)، بحيث يمكن القول أن 42% من مساحة الضفة الغربية هي مستوطنات صهيونية، ناهيكم الطرق الالتفافية وعن 600 حاجز أمني يفصل قرى ومدن وبلدات الضفة الغربية عن بعضها البعض، مما يعطل كل أشكال الحياة داخل الوطن المحتل واتبع ذلك بعملية تهويد واسعة للأراضي المحتلة، وصولاً للسعي الحثيث إلى تهويد القدس، ومصادرة المقدسات الفلسطينية والعبث بأمن شعبنا الفلسطيني في القدس الشرقية، هذه الواقع المعقد أسفر عن احتقان وتراكم للتناقضات أدى لانفجارات شعبية واسعة تشكلت على أساسه كل عناصر المقاومة وعناصر الكفاح الوطني المتجدد الذي لم يتوقف منذ أكثر من 100 عام مضت وصولاً إلى ما حدث في يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان شيئاً عظيماً وهي صفعة وضربة غير مسبوقة للعدو الصهيوني وأمنه وأمن الاستيطان الصهيوني، ولكل الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية التي انتهجها العدو في محاصرة قطاع غزة وفي عمق مفهوم الأمن الاستراتيجي الأعلى للكيان الصهيوني الذي يشكل أمن الاستيطان وأمن الكيان وأمن العلاقة مع المركز الإمبريالي أهم عناصر هذا الأمن، وقد حاول العدو بوسائله الخبيثة تضخيم عديد خسائره، ونذكر هنا في هذا السياق أنه كان هناك نقص فادح في الرواية الفلسطينية عما حصل يوم السبت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فلم نجد قائداً فلسطينياً من حماس أو غيرها، يقول ما جرى بالضبط، في الحقيقة إن العدو استطاع التشويه والتضليل للرأي العام الرسمي والشعبي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لمجريات الأحداث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يتطرق أحد بأن دبابات ومدفعية الاحتلال قامت لقصف المستوطنات باعتبار أنها لم تكن لتستطيع تقدير عدد المقاتلين الذين احتلوا تلك المستوطنات، ولم يكن بمقدورهم تحديد أماكنهم، فاتخذوا قرارات بقصف تلك المستوطنات، لم يكن هناك من يوضح أن هناك طائرات إسرائيلية استهدفت بعض المستوطنات والاحتفال الرئيسي الذي كان قائماً، والذي اتهمت فصائل المقاومة بتصفية الناس فيه والذي كان حصيلة قتلاه قرابة 390 شخص، عملياً هذه كلها كانت أحداث مهمة، حتى الأكاذيب التي انطلت على رؤساء الدول من أن المقاومة قد ذبحت وقتلت أطفال لم يكن هناك من يقف ليقول هذا لم يحصل وهذه أكاذيب وليس لديكم وثائق، إذاً هذا النقص في الرواية الفلسطينية مع طغيان الدعاية الصهيونية وطبيعة الارتباط الصهيوني بمراكز الإمبريالية، جعل كل هذا الحشد الدولي الذي رأيناه يقف خلف الكيان والعدوان الصهيوني، وعملياً عمد الصهاينة إلى تضخيم ما يسمى بمأساتهم وما حصل لهم من خسائر لضمان حشد هذا التأييد خلف مقولاتهم وخلف سياساتهم”.

ثم أضاف الأستاذ تيسير: “.. عملياً إن الضربة التي تعرضوا لها حطمت معنويات الجيش الصهيوني وأخلت بأمنه، وتركت بصمات مؤثرة على مستقبل هذا الكيان، وهو يسعى جاهداً لاسترداد صورته ولاستعادة تلك الهيبة، لأن فشل الكيان بتأكيد تلك الهيبة وقدرة الردع سيدعو أطراف إقليمية ودولية أخرى إلى أن تحذو حذو المقاومة في موقفها تجاه هذا الكيان، وبالتالي تعيد النظر سياساتها السابقة تجاهه. فإذا كان الكيان الصهيوني بمثل هذه الهشاشة وعدم القدرة على التصدي لأي طرف يريد أن يعمل ضده، فلماذا لا يعمل ضده؟ ربما يدفع مصر ويدفع الأردن، فهذه من الاحتمالات التي قد تعيد النظر فيها”. وأوضح: “.. بأن الحقيقة هي أننا أمام عدم بروز رد فعل فلسطيني موحد إزاء ما جرى وإزاء توضيح ما جرى، إزاء الموقف من العدوان الصهيوني والحرب الشاملة التي يخوضها العدو الصهيوني ضد شعبنا في غزة، كان لا بد لنا في التجمع الفلسطيني السوري الحر (مصير) بالمبادرة”.

ثم أضاف: “.. إن الموقف الصهيوني يتلخص- حقيقةً- حسب قول نتنياهو، بأن هذه الحرب ستكون بمثابة حرب “الاستقلال” الثانية بالنسبة لإسرائيل، معنى هذا الكلام ستكون بالنسبة للفلسطينيين بمثابة النكبة الفلسطينية الثانية! ليس بالضرورة أن يتحقق مثل هذا الكلام، ولكن هذا هو الهدف الصهيوني المعلن، وبالتالي بُنيت عليه بقية الأهداف الصهيونية من ضرورة إنهاء حماس وتدمير قدراتها العسكرية وهدم سلطاتها، وبالتالي استرجاع ما يسمى- من طرفهم- المخطوفين، وهم الأسرى الصهاينة لدى حركة المقاومة وفصائلها، ومن المفيد هنا تدارك الخطأ الشائع الذي يتداوله البعض، كما لو أن هذه الحرب هي حرب إسرائيلية على حركة حماس، هذا أكبر خطأ يمكن أن يتداوله سياسي ما بالقول أنها حرب إسرائيلية على حركة حماس!”.

وقال: “.. هي بالفعل حرب صهيونية على الشعب كل الفلسطيني، واستكمالاً للمنهج الصهيوني الذي وجدناه، ليس ابتداءً من اتفاق أوسلو، بل منذ بدء الغزو الصهيوني لفلسطين الذي قام على مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، والذي نفى وجود الشعب الفلسطيني مادياً على أرضه، والذي فشلَ في تحقيق هذه المقولة، ويحاول الآن أن يؤكد عدم أهلية أو وجود الشعب الفلسطيني كحقيقة سياسية، وبالتالي نفي وجوده كلياً ومنعه من تقرير مصيره، وإلغاء حقه في دولته المستقلة”.

ثم أضاف: “.. كان المفترض أن القيادة الفلسطينية في هذه الأثناء أن تعلن الموقف الوطني الجامع في الحد الأدنى الذي يوحد قدراتها على التصدي لهذا العدوان الهمجي، وعلى إيضاح الموقف الوطني المطلوب للدول وللشعوب الصديقة التي تتظاهر في شوارع المدن والتي دعمت حق الشعب الفلسطيني في الوجود، وحقه في المقاومة والنضال والتحرر”.

وقال حول المبادرة: “.. لقد تداعينا في التجمع لتدارس هذا الوضع وارتأينا أنه لا بد من وجود هذه المبادرة التي تدعو القيادة الفلسطينية أو القيادات الفلسطينية سواء في فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أو قيادتي حركة حماس والجهاد الإسلامي والسلطة الفلسطينية، هذا اللقاء يتمخض عنه تشكيل هيئة وطنية موحدة وهي ليست بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، بل أداة لحث الجهود وإدارة المواجهة المتفاقمة، ووضع آليات مشتركة إلى آخر مبادرة تجمع (مصير)”.

وأخيراً قال: “.. في الحقيقة هذه المبادرة الطموحة، وإن كانت تشكل الحد الأدنى الذي يمكن الحديث حوله في ظل الواقع الفلسطيني المعقد، واحتمالات الحرب، نستطيع أن نقول: إن التجاوب مع هذه المبادرة وجعلها أساس للعمل اللاحق فيه، سواء تم تعديلها أم لم يتم، يشكل أساس مفيد ومهم لإدارة هذا الحوار وهذا التصاعد بين مختلف القوى ومختلف الأطراف للخروج بأقل الخسائر الممكنة من هذه المحنة. بالتأكيد لا أحد يستطيع الآن تحديد ما ستكون عليه نتائج هذه الحرب، إنها حرب مؤلمة وفيها مآسي كثيرة، وبنفس الوقت فيها بطولات مشرفة وعظيمة، ونحن نتأمل من الله فعلاً أن يُلهم شعبنا الصبر والصمود، وأن يعطي مقاومتنا القوة والجهود اللازمة لهزيمة هذا العدوان الصهيوني على شعبنا الفلسطيني”.

ثانياً؛ تحدث الأستاذ “رائد جبر” قائلاً: “.. هذا لقاء يحصل بظل ظروف مهمة وعصيبة جداً منطلقاً حول تداعيات طوفان الاقصى على المشهد العربي والإقليمي والدولي من أن الخلاصة الرئيسية كانت عند الاحتلال الصهيوني بأن 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد يؤدي لنقلة نوعية جديدة بآلية الصراع وآلية التعامل ليس فقط مع الملف الفلسطيني، إنا بآلية الصراع في الشرق الأوسط، ولنتذكر جميعاً عبارات نتنياهو التي قالها في الحقيقة بوقت مبكر بعد أيام قليلة من انطلاق طوافان الأقصى حين قال “سنذهب نحو شرق أوسط جديد” وتعهد أمام جمهوره الصهيوني الإسرائيلي بأنه سيضع أسس لشرق أوسط جديد ينطلق من القضاء على المقاومة الفلسطينية، وإقامة معادلة جديدة تُعيد فكرة الردع الإسرائيلي، ليس ردع الفلسطينيين وحسب بل الردع بالتعامل مع الملف الإقليمي كله، من أنها لم تتغير كونها قوة إقليمية قادرة على ردع خصومها الإقليميين، باعتباره جزء مهم من النظام الإقليمي الذي تتطلع إليه إسرائيل، وهو الشيء المهم- بالمناسبة- أن هذا الردع وقدرات إسرائيل الخاصة، كان له تأثير مهم في الترويج لعمليات التطبيع معها في المنطقة، فمثلاً ليس خافياً أنه كان التطبيع مع الإمارات ينطلق من هذا الردع، من أن هناك رهان أمني وعسكري على أن إسرائيل قادرة على أن تدعم أمنياً وعسكرياً، مثلاً، الإمارات ودول أخرى في المنطقة في مواجهة المد الإيراني وما إلى ذلك، وأخذت إسرائيل هذه الفرصة فعلاً”.

قائلاً: “.. سأنطلق أيضاً من نقطتين تتمثل الأولى في رؤية التأثيرات العامة التي أحدثها طوفان الأقصر وما تلاه من العدوان الإسرائيلي على غزة، والثانية تتعلق في التأثيرات الإقليمية المباشرة على عدد من الملفات بالمنطقة”.

وأضاف: “.. وليس خافياً علينا أن هذه الحرب على غزة كانت كاشفة كما وُصفت، لعدد من الملفات التي كانت دوماً ملتبسة إلى حدٍ بعيد، مثل الموقف العربي والنظام الإقليمي العربي، الذي كان دائماً بأنه لا يقدم الجزء الكبير من الدعم المطلوب ربما ولكنه كان يشكل ما يسمى وسادة الأمن الاقتصادي مثلاً بالنسبة للفلسطينيين، وهذا الأمر طالبت به السلطة الفلسطينية بأكثر من مرة وتم اتخاذ قرارات بشأنه في عدد من القمم العربية، فنحن رأينا بأن هذه الحرب قد كشفت بشكل مباشر حقيقة الموقف العربي، وأنها جاءت بظرف خاص جداً بمعنى أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة كان هناك تطورات مهمة في المنطقة العربية، بما في ذلك ما وصف أحياناً من تحديات للولايات المتحدة، أو سياسات مستقلة تنتهجها السعودية أو الإمارات، الذي ظهر بعد قصة الخاشقجي وبعد رفض الدول العربية المنضوية بإطار أوبك مثلاً للإملاءات التي قدمتها واشنطن أو حاولت طرحها، من مسألة تخفيض الإنتاج وما إلى ذلك من تنويع للخيارات حسب وصف بعض الدول العربية، كالذهاب لعلاقات أوسع مع الصين وروسيا مثلاً، لكن في الحقيقة كانت معركة غزة كاشفة من أن مثل هذا الكلام لم يصل لنقلة نوعية عند صانع القرار العربي باتجاه أخذ قرارات مستقلة، وهذا ظهر بنتائج القمة العربية- الإسلامية في الرياض، وظهر أيضاً على مدار الـ 50 يوم من أنه لا وجود لأي تحرك عربي جدي، وسأتوقف عند نقطة رئيسية وهي أنه يتم غالباً التوقف عند مسألة التخاذل العربي، وأميل أكثر لتوصيف ذلك بشكل مختلف قليلاً على النحو التالي: إن هذا يمثل حقيقة حجم الموقف والتأثير العربي، بمعنى أنه ليس تخاذلاً عربياً تجاه القضية الفلسطينية وكما بدا في وقت سابق حول الثورة السورية، إنما حقيقة حجمها ودورها، أي دور الدول والحكومات العربية هو هذا، وأعتقد أنها واحدة من النقاط الرئيسية التي كشفتها حرب غزة، من أن المنطقة العربية ليست قادرة على اتخاذ سياسات تشكل نوع من التحدي الحقيقي بالملفات المفصلية، لأن حجم ودور هذه المنطقة هو هذا وبهذا الشكل، وإنه خلافاً للجمهور العربي والنخب العربية ربما، لكننا هنا نتكلم على النظام الرسمي العربي على الأقل”.

وأضاف قائلاً: “.. بنفس هذا المقياس ممكن أن نأخذ الحديث عن الاتحاد الأوروبي، لآنه كان لاعب رئيسي على مدى سنوات طويلة بالتعامل مع الملفات الإقليمية، خصوصاً ملف الشرق الأوسط من أنه جزء من الرباعية الدولية، وأصلاً كان مبادراً لإطلاق نشاط الرباعية الدولية، التي تضم كما هو معروف الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وكان الاتحاد الأوروبي مانح مالي أساسي للفلسطينيين وقد زود السلطة الفلسطينية بحوالي 600 مليون يورو على مدى سنوات أوسلو، صحيح أنه توقف في بعض الأحيان لأسباب مختلفة لكنه استمر دائماً بحرصه على تمويل الأونروا والقطاعات الاجتماعية والطبية وما إلى ذلك، وجزء من رواتب الموظفين للسلطة الفلسطينية، لكننا اكتشفنا أن هذا اللاعب الرئيسي بالملف الفلسطيني كشفته هذه الحرب على غزة، من أن موقفه ضعيف جداً وغير قادر على موقف مستقل، بل لديه معايير مزدوجة بالتعامل مع الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين، دفعتنا لنعيد النظر بالتعامل مع الاتحاد الأوروبي، وبالنظرة للاتحاد الأوروبي إجمالاً كلاعب رئيسي يمكن أن يكون له دور مهم بأي تسوية مقبلة، وبالمناسبة إنه أمر واقع أن يكون له دور مهم أي تسوية، ولكن ما هو هذا الدور إن كان تابعاً للدور الأمريكي ومن خلفها وحسب!”.

وأضاف: “.. بأن النقطة الثالثة التي كشفت عنها حرب غزة، مع أن موقف الولايات المتحدة ليس مفاجئاً، إذ يبدو أن الرهان الأمريكي حول الحرب منذ البداية كان بأنها ستكون خاطفة وتحقق أهداف واضحة كعتبة لنقل الصراع وفرض نوع من التسوية ككل الإدارات السابقة خلال الـ 20 سنة الماضية، إنما تمهت الولايات المتحدة في هذه الأيام مع الموقف الصهيوني الإسرائيلي لفرض أمر واقع جديد فلسطيني وإقليمي”.

وقال: “.. مع امتداد الحرب وجدنا أن هناك تحول رئيسي بالموقف الأمريكي ليس على المستوى الرسمي، لأن الموقف الرسمي هو مازال نفس الموقف الذي يدعم إسرائيل بزعم الدفاع عن النفس، ولكن النخب الأمريكية تحركت على خلفية النشاط الشعبي المعارض للحرب وقد تحركت بشكل واسع جداً، ونحن نرى داخل أوساط الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري بوتيرة أعلى من الديمقراطي دعوات للخروج من هذا النفق، ووصل الأمر لظهور أصوات حقيقية ضاغطة في الكونغرس تقول بأن إسرائيل باتت عبأ على الولايات المتحدة، ويجب أن تحصل تسوية ما تخفف هذا الحمل الثقيل الذي يرهق السياسة الأمريكية إقليمياً في المنطقة، وهذا طبعاً كان له انعكاساته، فإضافة للصمود الفلسطيني رأينا رواية “بلينكن” بعد زيارته الأخيرة واستئناف القتال، أمس وأول أمس، بأن لهجته قد اختلفت قليلاً عن النبرة السابقة التي تحدث فيها، وهذا تحت الضغط الداخلي الأمريكي، وطبعاً الأعين متجهة للانتخابات الأمريكية في العام المقبل، لذلك كان رهان إدارة “بايدن” بالبداية على أن حرب غزة ممكن تضيف نقاط للديمقراطيين ولإدارة “بايدن”، لكنه اتضح مع استطلاعات الرأي التي جرت خلال الأسابيع الماضية أنه بالعكس من ذلك أن الحزب الديمقراطي والرئيس “بايدن” خسرا الكثير، كما رأينا أن إسرائيل قد خفضت السقف مثلاً، وباتت تتحدث عن الشريط الآمن بمنطقة الشمال والشرق في غزة، بعد أن كان نتنياهو يتحدث بوقت سابق عن القضاء تماماً على حماس والسيطرة تماماً على غزة وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى مصر، لقد فشلت هذه الأهداف الرئيسية، وأدركت إسرائيل والولايات المتحدة فشل هذه الأهداف فانخفض سقفها بفعل الصمود الأسطوري الفلسطيني، وصولاً للقول الأمريكي بأنه لا مساس بجغرافية غزة، وصولاً لطرح كيربي وبلينكن بأن من حق إسرائيل اتخاذ الأدوات المناسبة للدفاع عن نفسها، إذاً ممكن أن تذهب الولايات المتحدة نحو الموافقة لفرض شريط آمن معين مثلاً، غير معروف حجمه حتى الآن، الذي يعتبر جزء من تبدل الموقف الأمريكي”.

وتابع قائلاً: “.. إن النقطة التالية التي سأتحدث عنها في هذا الإطار هي الموقف الروسي والصيني، فإن واحدة من القضايا التي كشفتها هذه الحرب هي فشل الطرفين الروسي والصيني بفرض رؤيتهم على المنطقة، صحيح رأينا موقف روسي قوي بمجلس الأمن من باب النكاية بالولايات المتحدة والمواجهة في أوكرانيا، ولكن روسيا والصين ومنذ أكثر من عامين يدعون لفكرة النظام الدولي الجديد وآليات جديدة لاتخاذ القرارات الدولية بمجلس الأمن الدولي، ولم تستطع روسيا أو الصين الإفادة من الوضع الجديد في المنطقة بعد حرب غزة، فقد وفرت لهم حرب غزة فرصة ذهبية لاستخدامها وتمرير ضغط أكبر في المنطقة والتجمعات الإقليمية والعالم للإفادة منها أيضاً في مجلس الأمن، وعلى مستوى المحاور والتجمعات الإقليمية المهمة التي ترعاها موسكو وبكين من شنغهاي إلى بريكس إلى رابطة الدول المستقلة، وفشلهم مردة للتفاوت الواضح بين الطرفين الصيني والروسي حول العديد من الملفات بما في ذلك تأثير علاقتيهما بالكيان الصهيوني وعدم الرغبة في دخولهما بمواجهة مع الغرب”.

ثم: “.. إن روسيا تنطلق بتعاملها بجميع الملفات، ومنها ملفات المنطقة العربية عامة وفلسطين خاصة، من خلال حربها في أوكرانيا، وأن إيران ليست حذرة بموقفها من حرب غزة ولكنها تتابع بحرص كامل حواراتها مع أمريكا على أمل أن تحقق استئناف برنامجها النووي قبل وصول بايدن لنهاية فترته الحالية، وهي تستفيد في هذا المجال لأقصى درجة من الفرصة التي وفرتها حرب غزة وهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر وما تلاه، وذلك لأن لديها أولويات أخرى، ويجب أن لا نتفاجأ إن استؤنفت المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووي مهما كانت نتائج المواجهة الراهنة في غزة، و في هذا المجال أؤكد حرص طهران على إنجاز الصفقة قُبيل نهاية ولاية بايدن”.

أخيراً: “.. إننا نرى بعد سنوات من الحديث عن تقليص الدور الأمريكي أو الحضور الأمريكي في المنطقة وجدنا أنها بعد طوفان الأقصى كانت حريصة على البقاء في المنطقة، بمعنى أنها ستقوم بتعزيز وجودها الإقليمي في منطقتنا بشكل مباشر، من خلال القدرات العسكرية وحاملات الطائرات بالمنطقة وتكاملها مع الدور المتنامي للدور الديبلوماسي، وما ذلك إلا مؤشراً على تأكيد حضورها المباشر، ومواصلة هذا الوجود في المنطقة، ويقف خلف ذلك ذرائع شتى لهذا الموقف تنطلق من الفشل الصهيوني بمواجهة طوفان الأقصى، ففشل إسرائيل بمواجهة هذا الطوفان دفع أمريكا أكثر لتعزيز تواجدها في الوقت الذي فشل فيه ظفرها المتقدم إسرائيل في فلسطين بالقيام بهذا الدور، وستتقدم للقيام به مع إسرائيل لاستكمال الدور المرسوم للمنطقة، وهذا ما يراه البعض في الولايات المتحدة أيضاً. وإن روسيا وإيران من المستفيدين من الحرب بشكل مباشر من خلال صرف الأنظار عن أوكرانيا ودوريهما فيها بما في ذلك التنصل الروسي من التزاماتها بالحد من التسلح لأقصر درجة دولياً، مما يعقد دورها في منطقتنا بشكل يساهم بدعم المستبدين أكثر في سوريا وإيران مثلاً، وبالتالي تعزيز مواقع نفوذهما وتحالفهما في المنطقة بالتصادم مع المصالح الإسرائيلية خلافاً للتوافق الأمني مع روسيا وإسرائيل، وهذه المواجهة  والتصادم بالتلازم مع الحضور الأمريكي، وانعكاسات ذلك في الساحة السورية التي تشهد وتعيش هذه التوازنات بالمنطقة فضلاً عن الزيادة الملحوظة بالمواجهات فيها وعليها”.

ثالثاً؛ بهدف إشباع جميع جوانب الندوة ومحاورها تحدث المشاركون عن طوفان الأقصى وعن الملحمة البطولية التي قامت بها فصائل المقاومة في غزة، مع فارق العدة والعتاد والسلاح والدعم بين الطرفين، لكنه أعيد تأكيد السؤال “ماذا بعد حرب غزة؟” مع تنامي الدور الغربي والأمريكي الداعم للكيان الصهيوني، وما هو المخطط لها للإفادة من جميع المبادرات وخاصة مبادرة تجمع (مصير)؟، وأن من حق الشعب الفلسطيني كغيره من الشعوب تقرير مصيره بشكل مستقل لبناء دولته القابلة للحياة وتطلع الشعب الفلسطيني لأن يكون له دولة ذات سيادة يعيش فيها.

وأخيراً نوه المشاركون على ضرورة التخلص من كل أسباب الخلاف والتنابذ بين الفصائل الفلسطينية بكل مكوناتها ومحاولة الابتعاد عن التورط بأجندات لا تخدم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، التركيز على ضرورة توحيد الصف الفلسطيني وفق مبادرة تجمع (مصير) مثلاً وإنهاء حالة الانقسام السائدة، لمواجهة ما يُخطط في الخفاء والعلن تجاه قضية العرب المركزية في ضوء تجدد الحرب والمواجهات والغارات الإرهابية الصهيونية ضد أهلنا في غزة والضفة الغربية وعموم فلسطين، فضلاً عن مواجهة الكيد الأمريكي الصهيوني المشترك للربيع العربي ومعه للثورة السورية التي واجهها كل الغرب بمعايير مغايرة لكل ما أعلنوه من مبادئ وقيم تاريخياً.

وللاطلاع على وقائع الندوة كاملة يمكن الضغط على الرابط أدناه:

(ندوة: “خيارات القضية الفلسطينية بعد طوفان غزة”)

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.