تُرافقنا سنويًا ذكرى مهمة في حيوات البشرية والعالم، ومناسبةٌ غاية في الأهمية يتطلع إليها كل الناس المقهورين والمُستلبن في أصقاع الدنيا، لعلها ذكرى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يوم اعتمد هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل هيئة الأمم المتحدة بتاريخ ١٠ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٤٨.
يتشكل الإعلان العالمي المشار إليه من ٣٠ مادة تتضمن كل الحقوق والحريات التي لايجوز لأحد انتزاعها من البشر، وهذه المواد هي نفسها التي لم تبرح المكان وماتزال تشكل الهيكل العظمي والأساسي الذي يبنى عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان .
تلك الحقوق الثلاثين التي نص عليها الإعلان ما انفكت تشمل الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتمييز والحق في حرية التعبير والحق في التعليم والحق أيضًا في طلب اللجوء، وهي كذلك تشمل الحقوق السياسية والمدنية، مثل الحرية والخصوصية، ومن ثم الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كالحق في الصحة والضمان الاجتماعي، وأيضًا السكن اللائق. وغيرها من الحقوق التي لا بد من إحقاقها في المجتمعات الإنسانية كافة، وإنجاز السعادة والرفاه النسبي للبشر على أساسها، وضمن محدداتها القانونية والحضارية.
لكن المشكلة تكمن في التطبيق والممارسة، حيث ماتزال حقوق الإنسان مُنتهكة ومهدورة يوميًا وعلى قارعة الطريق، وتعيد إنتاج نفسها بشكل حثيث، ودون أي التفاتة جدية، أو حفاظ منطقي على بنود الإعلان العالمي، الذي تم اعتماده دوليًا وأمميًا. ولن يكون آخر هذه الانتهاكات ما جرى ويجري لأهلنا في غزة/ فلسطين، التي تطالها يد القمع والإرهاب الصهيوني، وتمارَس بحق الشعب الفلسطيني كل أنواع الانتهاكات، التي تطال كل مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن الأنكى من ذلك هذه المرة، ليس الصمت الدولي المُريب، عن كل ما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان في غزة، كما سبق وأن صمت أيضًا على المقتلة والمذبحة الأسدية التي بدأت ضد الشعب السوري منذ بدايات ثورة الحرية والكرامة، أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ .بل إنها اليوم المشاركة الدولية الفاعلة، والتغطية المستمرة، على كل أفعال إسرائيل، وجُل ممارساتها العنفية والانتهاكية، حيث وضعت هذه المشاركة الغربية القيم الأخلاقية العالمية في مأزق كبير، وساهمت في شرعنة القتل والتدمير والإبادة، التي قامت وتقوم بها إسرائيل ضد أهل غزة، وكل قطاع غزة، ومعه الضفة الغربية.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية ترى في الوقوف إلى جانب القاتل مصلحة لها، وسياسة ضمن سياساتها الاستراتيجية المعتمدة منذ زمن طويل وهي التي كتب عنها أحد الباحثين والمؤرخين الألمان موصفًا الولايات المتحدة على أنها (“المولوخ” إله الشر) فإن المأزق الأكبر يطال هذه المرة معظم دول الاتحاد الأوروبي، خلا بلجيكا واسبانيا، الذي كسر حاجز الحضارة والتغني بحقوق الإنسان، وساهم بفجور غير مسبوق، في تعويم سياسات صهيونية إبادية عنصرية حاقدة ، ولم ينبث ببنت شفة عندما راح قادة إسرائيل يصفون العرب الفلسطينيين بـ(الحيوانات البشرية) بل راحوا يبررون استمرار المقتلة، ولا يتحدثون إلا عن هُدن إنسانية صغيرة، ولمدة زمنية قصيرة جدًا. وهم يرون أن حجم القنابل ووزنهاـ حيث بلغت أكثر من 40 ألف طن، والتي ألقيت على غزةـ تتجاوز الكثير من أوزان القنابل في الحروب العالمية الكبرى.
يتساءل الإنسان العربي والفلسطيني، كيف يمكن لمن يدًّعي أنه منبت مصدر حقوق الإنسان في العالم أن يوافق ويتوافق مع إلقاء كل هذا الكم الهائل من القنابل، وكيف يمكن أن يقنع يشعبه بما يدَّعيه من المحافظة على حقوق الحيوانات لديه، بينما يوافق ويشجع آلة الإجرام الإسرائيلي، ويدعمها بكل ما أوتي من إمكانيات حتى لاتقف المقتلة عند حد. لعل صياغات حقوق الإنسان والإعلان العالمي سيكون فيها الكثير من الشك والريبة بعد تاريخ بدء العدوان على غزة، وبعد أن سبق وصمت الغرب قاطبة على كل ما ارتكبه بشار الأسد من قتل وتدمير واستخدام للكيماوي وكل الأسلحة المحرمة دوليًا، التي ألقاها على شعبه، وأدت إلى قتل ما ينوف عن مليون سوري، على أيدي النظام الحاكم وداعميه من إيرانيين وروس.
وتبقى قضايا حقوق الإنسان والدفاع عنها غاية بحد ذاتها، وإنسانية الإنسان والزود عنها، واجب قيمي على كل بني الإنسان، ولعل ما يتمظهر اليوم من هبات شعبية كبرى، في العديد من دول العالم نصرةً للشعب الفلسطيني، وإدانة لما تفعله آلة القتل والتدمير الأميركية بيد الإسرائيليين الصهاينة، يشير وبوضوح إلى هذه الاستفاقة الشعبية العالمية ضد الحكومات المعولمة، والتي تأتمر بأوامر الطاغي الأكبر في العالم (الإدارات الأميركية) المتعاقبة، حيث لا بد للحق أن ينتصر يومًا، آجلا أم عاجلًا، وعت ذلك أم لم تعيهِ تلك الدول التي تسمي نفسها بالمتحضرة.