الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

بعد الممر الاقتصادي الجديد.. واشنطن تواجه «الحزام والطريق» في إفريقيا بممر «لوبيتو»

ياسمين عبداللطيف زرد *

في ختام أعمال قمة مجموعة العشرين، التي انعقدت بنيودلهي في أيلول/ سبتمبر الماضي، اتفق قادة القمة على إنشاء مشروع اقتصادي ضخم يربط بين الهند وأوروبا ماراً بمنطقة شبه الجزيرة العربية (السعودية والإمارات) ثم إسرائيل، عُرف المشروع باسم «الممر الاقتصادي الجديد»، هذا الممر يشكل تحديًا لنفوذ الحزام والطريق الصيني في المنطقة. وفي ذات القمة، اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على توسيع خط السكك الحديدية الجديد في غرب القارة الإفريقية، والمعروف باسم ممر «لوبيتو»، غرض هذا الممر هو مواجهة نفوذ الحزام والطريق الصيني لكن بالقارة السمراء. وفى ضوء ذلك، نشر موقع Eurasia Review مقالاً للكاتب “أليكس ستونور”، تناول فيه عوائد ممر لوبيتو على واشنطن والدول الغربية، وأبرز التحديات التي تعيق نجاحه في مواجهة بكين… نعرض من المقال ما يلي:

في البداية، مبادرة الطريق والحزام الصينية، التي انطلقت قبل عقد من الزمن، عبارة عن مشروع ضخم للبنية الأساسية والتنمية الاقتصادية يمتد عبر آسيا وأوروبا وإفريقيا. وحتى الآن، وقعت 52 حكومة إفريقية مذكرات تفاهم مع الصين بشأن مبادرة الحزام والطريق، وتُرجمت المبادرة إلى مليارات الدولارات للاستثمار في بناء الطرق والموانئ والسكك الحديدية وغيرها من البنى التحتية الحيوية.

لا تعمل هذه المشاريع على تعزيز الاتصال داخل القارة السمراء فحسب، بل توفر أيضًا للصين إمكانية وصول- غير مسبوقة- إلى الثروة المعدنية الهائلة في إفريقيا، لا سيما في دول مثل زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية (أكثر من 80٪ من مناجم النحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية على سبيل المثال هي بالفعل مملوكة للصين)، كما تمتلك الكونغو احتياطيات وفيرة من المعادن الأساسية الأخرى. عموماً، أنفقت الصين أكثر من تريليون دولار في مشاريع تهدف جزئياً إلى تأمين إمدادات الموارد الأساسية للتحول الطاقوي.

                                                                 *            *            *

في محاولة لمواجهة نفوذ مبادرة الصين في القارة، تقوم الولايات المتحدة بضخ الملايين في مشروع ممر «لوبيتو»، والأخيرة مدينة في “أنجولا” تقع على ساحل المحيط الأطلنطي. ووفقاً لشركة ترافيجورا، أكبر شركات تجارة السلع الأساسية على مستوى العالم ومقرها سنغافورة، فإن خط سكك حديد لوبيتو الأطلنطي «سيوفر طريقاً غربياً أسرع لتسويق المعادن وبخاصة المعادن المنتجة في جمهورية الكونغو الديمقراطية». إذ يشكل الحصول على المعادن اللازمة لتغذية تحول الطاقة صداعاً للدول الغربية. ينطوي المشروع على بناء ما يقرب من 550 كم من خط السكك الحديدية في زامبيا، من حدود جيمبي إلى شينغولا في حزام النحاس الزامبي، إلى جانب 260 كم من الطرق الفرعية داخل الممر. ولا شك أن نقل هذه الموارد القيمة من حزام النحاس في أفريقيا الوسطى إلى الأسواق الغربية يعد أمراً أساسياً بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، خاصة مع تطور التحول في مجال الطاقة.

في وقت سابق من هذا العام، كشفت إدارة الرئيس جو بايدن عن خطط للاستثمار في مشروع جديد للسكك الحديدية سيربط المناطق الغنية بالنحاس في زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بميناء لوبيتو الأنجولي. ومع الأخذ في الاعتبار وجود خط سكة حديد بنجويلا- في غرب أفريقيا- تم إنشاؤه منذ 120 عامًا، تخطط واشنطن لاتجاه الموارد غربًا (عبر ممر لوبيتو) بدلاً من الطريق الشرقي التقليدي عبر ميناء دار السلام في تنزانيا. وتأمل السكك الحديدية في الاتصال بالميناء في لوبيتو، مما يضمن تدفق حركة المرور بسلاسة وإنشاء طريق تجاري مهم من حزام النحاس الكونغولي إلى المحيط الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن خط السكك الحديدية سيُسهل نقل السلع والموارد الأساسية إلى المنطقة، مما يعزز تطوير الأعمال والأنشطة التجارية. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، وعلى هامش اجتماع مجموعة العشرين في الهند، تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إطلاق دراسات جدوى لتوسيع خط السكك الحديدية الجديد بين زامبيا وأنجولا.

                                                                 *            *            *

ومع ذلك، لا يمكن المبالغة في تعظيم مشروع السكك الحديدية هذا، ولا في توقيته. إذ لا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في إفريقيا أعلى بكثير من الدول الغربية، خاصة أن بكين أظهرت النية والقدرة المالية على إقراض مبالغ ضخمة للبلدان الإفريقية منذ عام 2013، إلا أنها تقلصت في السنوات الأخيرة بسبب التباطؤ الاقتصادي بعد الوباء، كما أدى ضعف قدرات الإقراض إلى انخفاض الاستثمار المرتبط بمبادرة الحزام والطريق من الذروة عند 125 مليار دولار في عام 2015 إلى 70 مليار دولار في عام 2022 وفقاً لجامعة فودان. وبسبب المخاوف المتزايدة بشأن مخاطر ضائقة الديون في مختلف الدول الإفريقية والتحديات الاقتصادية الداخلية في بكين، قررت الحكومة الصينية وقف تمويل مشاريع الطاقة في إفريقيا. وقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير في الإقراض للقارة، ليصل إلى أقل من مليار دولار أمريكي، وهو أدنى مستوى منذ عقدين تقريبًا.

لكن تماشيًا مع استراتيجية القوة الناعمة التي تنتهجها واشنطن في إفريقيا، يعكس المشروع أيضاً نية جيوسياسية أوسع لتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية. ومن خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل، وبناء شراكات دائمة يمكن أن تخدم الدول الأفريقية والمصالح الأمريكية، كما أبرزته زيارة نائبة الرئيس الأمريكي “كامالا هاريس” إلى ما لا يقل عن ثلاث دول أفريقية (غانا وتنزانيا وزامبيا) هذا العام.

صحيح أن المبادرة الأمريكية تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها تواجه تحديات عديدة؛ فالسبق الذي حققته الصين في إفريقيا، سواء من حيث البنية التحتية الراسخة أو العلاقات الدبلوماسية، يشكل عقبة كبيرة. حيث ساهمت مبادرة الحزام والطريق بالفعل في ترسيخ مكانة الصين كشريك يمكن الاعتماد عليه للدول الأفريقية التي تحتاج إلى تطوير البنية التحتية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل بجد لبناء ثقة مماثلة. علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، والعلاقات التاريخية، والديناميكيات الإقليمية بعناية. ومن المرجح أن تتبنى الدول الإفريقية، التي تضع في اعتبارها سيادتها ومصالحها الوطنية، نهجاً متوازناً في التعامل مع كل من الصين والولايات المتحدة. إذ بالنسبة للزعماء الأفارقة، فإن السؤال لا يتعلق بما يمكن أن تحصل عليه الولايات المتحدة أو الصين من هذه الصفقات، بل يتعلق أكثر بما يمكن أن تحصل عليه أفريقيا من مواردها.

على الرغم من أن التحديات هائلة، فإن الاستثمار يشير إلى التزام أمريكي متجدد بالتعامل بنشاط مع إفريقيا، مع الاعتراف بأهميتها المتزايدة في المشهد الجيوسياسي العالمي. ويظل من غير المؤكد ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على اللحاق بالحضور الراسخ للصين، ولكن التنافس على النفوذ في إفريقيا سوف يشكل بلا أدنى شك المسار المستقبلي للعلاقات الدولية. ويتوقف نجاح مسعى واشنطن على قدرتها على التعامل مع تعقيدات القارة الإفريقية، وبناء الثقة مع الشركاء المحليين، وتقديم فوائد ملموسة تتماشى مع تطلعات الدول الإفريقية.

المنظمات العالمية والإقليمية تشارك أيضًا في المشروع، مع تزايد الضغط لتأمين المعادن الأساسية للتحول الأخضر. في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انضم بنك التنمية الإفريقى إلى الشركاء العالميين لجمع التمويل لبرنامج ممر النقل في “لوبيتو” بقيمة 16 مليار دولار. وتؤكد مشاركة بنك التنمية الإفريقى على أهمية التعاون في تأمين التمويل لمشاريع البنية التحتية واسعة النطاق التي يمكن أن تدفع التنمية الاقتصادية والتكامل الإقليمي في أفريقيا. كما شارك البنك الدولي من خلال «مشروع تسريع التنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل» بقيمة 300 مليون دولار والذي سيرتبط مباشرة بممر “لوبيتو”. والجدير بالذكر أن المنظمة لم تمول مشروعًا للبنية التحتية في إفريقيا منذ عام 2002.

                                                                 *            *            *

إجمالاً يمكن القول أن بكين تسبق القوى الغربية والمؤسسات المالية الإقليمية فيما يتعلق بالاستثمار في البنية التحتية الإفريقية، ويتنقل الآن سكان لاجوس (في نيجيريا) أو كينشاسا (بجمهورية الكونغو الديمقراطية) أو أديس أبابا بإثيوبيا عبر البنية التحتية التي بنتها شركات صينية ومن خلال القروض الصينية. وعلى الرغم من أن الرياح الاقتصادية المعاكسة والمشاكل المالية في بكين تعمل على خلق فرص جديدة للولايات المتحدة وأوروبا ودول مجموعة السبع لتضييق الفجوة، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمواجهة تمويل التنمية الصيني في الخارج- فإنه من غير المرجح أن يعني تباطؤ الصين في تمويل المشاريع أن الغرب سوف يأخذ زمام المبادرة في مشاريع البنية التحتية الإفريقية.

………………….

النص الأصلي

ــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.