الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هدنة غزة.. انتصار أم انكسار؟

أحمد دمشقي *

أصدق تعبير شاهدته على التلفاز هو شهادات الفلسطينيين العائدين لمناطقهم في شمال القطاع لتفقد بيوتهم والتي كثير منها كمناطق قد تم تسويته بالأرض وأصبح بعض القرى والأحياء غير قابلة للحياة والسكن من جراء القصف المدمر الكبير الذي شنه الكيان الصهيوني على القطاع وخاصة شماله.

فما حدث باختصار شديد: أن كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وشاركتها فوراً سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، قامت بعملية عسكرية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 نجحت فيها باختراق إسرائيل، ووجهت لها ضربة أمنية غير مسبوقة، وما حدث بعدها لا يعدو عن كونه حرب إبادة دفع فيها سكان غزة الثمن الباهظ من أرواحهم وأبنائهم وممتلكاتهم، مما كشف مدى وحشية وفاشية المحتل الإسرائيلي “المكشوف سابقاً”، وفضحَ خذلان إيران وأذنابها المتبجحين بالمقاومة في سبيل نيل الرضا الأمريكي- الصهيوني، وبيّن إلى حد ما التواطؤ العربي الرسمي، وإذا نفينا التواطؤ نقول التقاعس العربي أيضاً.

عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر2023 كانت ناجحة عسكرياً وأمنياً حيث حقق القائمون عليها ما يريدون من تكتيك حربي وأهداف معلنة وغير معلنة، لكنها قوبلت بحرب إبادة ممنهجة وضرورية للكيان الغاصب للتخلص من الكتلة البشرية الكبيرة في قطاع غزة، وربما يفكر قادة هذا الكيان اليوم بالتفريغ والتهجير لسكان غزة كحل مطروح بالمستقبل باتجاه خارج فلسطين نفسها.

الكثير من المتابعين والمحللين يقارنون اليوم بين حرب غزة 2023 هذه الأيام وحرب 2006 لحسن زميرة، من حيث التشابه بالشكل، لإعطاء هالة كبيرة للمقاومة على حساب تدمير بنية تحتية ولو سقط آلاف المدنيين، ومن حيث الربح والخسارة جاءت النتائج مشابهة حيث تم تلميع وجه محور إيران الفارسية، مما اضطر قيادة الحركتين في غزة لمدح المقاومين الذين انحصروا اليوم بـ(الشيعة طبعاً) أذناب إيران في العراق ولبنان واليمن وسورية، مع العلم أنه لايزال الخطر كبير على السكان المدنيين في القطاع من حيث نوايا التهجير والتشريد.

لكننا نؤكد أن الفارق بين الحربين موجود أيضاً حيث أن الهدف اليوم إخلاء غزة، والشهداء المدنيون هم من أهالي غزة (السنة) طبعاً، حيث كما ذكرنا سابقاً أن الضحايا ومنذ أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 يجب أن يكونوا في منطقتنا من العربية (سنة)، مع تأكيدنا أن حركة حماس لا تتبع لإيران مباشرة، لذلك تُركت وحدها تقاوم وربما لأنها لم تتشيع عقائدياً.

إننا نرى أن ما يحدث الآن لا يجوز فصله عما حدث منذ الربيع الذي بزغ فجره في وجه حكام لا ينتمون للشعوب العربية بل هم صنيعة الغرب والكيان الصهيوني، هذه الشعوب كانت ولا تزال تواقة للتحرر وللديمقراطية، فكيف يتم نسيان الدماء التي تسيل من أيادي من يقتل الغالبية المطلقة من الشعوب العربية في العراق وسورية واليمن ولبنان (حيث سلاح حزب الله جاهز لرفعه بوجه اللبنانيين كما تم توجيهه في 2007)، وهم وحدهم مع نظام بشار الكيماوي مسؤولون عن تهجير الملايين نهائياً خارج سورية، وبنفس الوقت مسؤولون عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين من سورية إلى أوروبا وكندا وغيرها، أي أنهم نفذوا حلم إسرائيل بالقضاء على التكتلات الفلسطينية في دول الجوار العربي حولها، والسجون السورية تعج بالمعتقلين والمفقودين الفلسطينيين، حتى من حركة حماس نفسها التي غضب عليها النظام بعد تأييدها للثورة السورية عام 2011.

من يقتل السوري في سورية وكذلك العراقي في العراق واليمني في اليمن، لا يجوز ولا ينبغي أبداً التسويق له أنه يدعم الحق الفلسطيني في فلسطين، مع العلم أن زعماء محور المقاومة قد نؤو بأنفسهم عن المسؤولية بالمشاركة بالعمليات العسكرية و”بالوا” على شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل وتحرير “القدس”، وهم الذين عاثوا الخراب في أرضنا العربية ولعقود تحت هذه الشعارات واللافتات..

وأعتقد أن حاخامات إيران الذين يتلذذون بمشاهد الدماء العربية (السنية)، نفسها اليوم تتلذذ بتدمير غزة وتهجير أهلها كما فعلت هي ونظامها في دمشق، مع العلم أن هول جرائم إسرائيل الكبيرة اليوم لم تصل لمجازر أتباع إيران وروسيا في سورية وحتى جرائم أمريكا نفسها في العراق، فأمريكا دمرت الموصل وروسيا دمرت الرقة وحلب وتشاركتا بتدمير دير الزور بحجة داعش، هذه الكلمة تم استخدامها اليوم في حربهم مع حماس.

اليوم “والى الآن” لم تنتهِ حماس كما ادعى قادة المجلس الحربي الصهيوني، لكن الخسائر البشرية والمادية أكبر ربما مما توقعه قادة الحركة، والخطة الإسرائيلية باتت واضحة في فبركة الحدث مع- قادة الغرب المتصهينين- لتحقيق حلم إسرائيل بلا فلسطينيين في الداخل، بعد أن حققوا سياسياً واقتصادياً حلم إسرائيل الكبرى عن طريق التمازج بين مشروعها وبين المشروع الفارسي الذي يسعى لتشكيل الهلال الشيعي الفارسي الذي تحرسه الإدارة الأمريكية والغرب الأوروبي المنافق…

* كاتب وناشط سوري مقيم في دمشق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.