طلال المصطفى *
ملخص الدراسة:
أثّرت الظروف الاجتماعية والمعيشية التي شهدتها سورية، خلال السنوات الأخيرة التي تلت الثورة 2011، في مختلف جوانب الحياة في سورية، وظهرت جملة من التحديات، ولا سيّما أمام العائلات التي عانت تجربة الفقد أو الاعتقال أو الاختفاء القسري، على يد الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام السوري. وإنّ ما تعانيه هذه العائلات من انعكاسات معيشية واجتماعية ونفسية يجعل دراسة هذه الحالة، لفهم تأثيراتها في هذه العائلات خصوصًا وفي المجتمع السوري عمومًا، أمرًا بالغ الأهمية من الناحيتين المجتمعية والسياسية.
تعاني العائلات السورية التي فقدت أفرادًا، سواء أكانوا معتقلين أم مفقودين أم مخفيين قسريًا، تحديات عدة، تؤثر في الجوانب الحياتية كافة، بدءًا من الجانب النفسي المتمثل بعدم معرفتها مصير الأفراد المعتقلين والمفقودين وكيفية التعامل مع معلومات غير مؤكّدة عنهم، وصولًا إلى التحديات الاقتصادية المعيشية الناجمة عن فقدان مصادر دخل العائلة أو بعضها. وإلى جانب ذلك، هناك مجموعة من التأثيرات النفسية والاجتماعية مثل القلق، والاكتئاب، وعدم اليقين، والعزلة الاجتماعية، والتمييز.
تهدف هذه الدراسة إلى تحديد التحديات الأساسية التي تواجهها عائلات المعتقلين والمفقودين في سورية وتوثيقها، مثل عدم التحقق من مصير أفرادها المعتقلين والمفقودين، وصعوبات الوصول إلى المعلومات، والتعرض للتهديد والعنف، وغيرها، كما تهدف إلى تحليل التأثيرات الاجتماعية والنفسية التي تواجهها عائلات المعتقلين والمفقودين في سورية في حياتهم اليومية وحالتهم النفسية والعاطفية.
وقد اعتمدت الدراسة منهج المسح الكمي والكيفي (المختلط)، من خلال نظام الاستبانة بوصفها أداة رئيسة لجمع البيانات، من خلال مقابلة (148) حالة من عائلات المعتقلين والمفقودين في مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك من أجل التعرف إلى الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية المعيشية التي طرأت عليهم، وكذلك اعتمدت الدراسة المنهج الكيفي، من خلال إجراء (20) مقابلة معمقة مع العائلات السورية التي لديها أفراد معتقلون ومفقودون. وقد جمع البيانات في مناطق الدراسة فريق متخصص.
توصلت الدراسة الميدانية إلى مجموعة من النتائج، تتمثل في الصعوبات المالية والاقتصادية المعيشية الناتجة من غياب المعيل الرئيسي للعائلة، بسبب الاعتقال أو الاختفاء، أو فقدان مصدر دخلهم الوحيد، أو وجود صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية وتأمين المعيشة لهم.
تواجه عائلات المعتقلين والمفقودين أيضًا عقبات قانونية تمسُّ جوانب أساسية من حياتهم اليومية، كالعجز عن الوصول إلى الممتلكات والوثائق المدنية والحسابات المصرفية وتقسيم الميراث والوصاية على الأطفال، وذلك بسبب غياب المختفي وعدم القدرة على إثبات وفاته في الدوائر الحكومية، ما يترك المعاملات والإجراءات القانونية المتعلقة بممتلكاته معلّقة.
وفضلًا عن ذلك، تعرضت معظم عائلات المعتقلين والمفقودين للتهديد والعنف، من الجهات الأمنية الرسمية، بسبب البحث عن أفرادها المفقودين أو محاولة كشف حقائق الاعتقال. وقد تعرّض بعضهم للتعذيب أو الاعتقال التعسفي أو الاعتداءات الجسدية والابتزاز المالي، بعد محاولته الحصول على معلومات عن مصير حياة المعتقل، إضافة إلى الضغوط النفسية والعاطفية التي تعيشها عائلات المعتقلين والمفقودين وما ينتج منها من مشكلات صحية واضطرابات نفسية لهم، مثل الشعور بالقلق والاكتئاب والتوتر، بسبب غموض مصير الأفراد المعتقلين أو المفقودين.
وأظهرت الدراسة انعكاسات اجتماعية تتعلق بانخفاض التواصل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية للعائلات، مع الأقارب والجيران والأصدقاء، وكذلك التعرّض للتمييز والعزلة من المؤسسات المجتمعية الرسمية وغير الرسمية.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث وكاتب أكاديمي سوري
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة